عبدالهادي ايگوث، عبدالله الفوى. عباقرة زمانهم، لن يجود التاريخ بمثلهما. هما المبدعان المتألقان بالفطرة، بدأ كل واحد منهما من درب صغير داخل أحياء شعبية مهمشة منزوية بضواحي أگادير، في أحواز تراست والدشيرة وبنسرگاو.. وبأناملهما وصلا إلى العالم وتملكا قلوب ملايين من العشاق والجمهور، أسس كل واحد منهما مدرسة فنية خاصة به في عالم الموسيقى، تحمل بصماتهما وهويتهما الموسيقية، في جنس المجموعات الموسيقية العصرية. لو أنهما ينتميان إلى بلد آخر ودولة أخرى تحترم فيها اللغة الأصلية ولغة الأم لشعبها، لكان إيگوث والفوى اليوم يحتلان المراتب الأولى في قائمة الفنانيين والعازفين الكبار في العالم. لكن للأسف وهما في المغرب حيت تعاني الأمازيغية من إقصاء ممنهج ومؤسس مقصود بفعل الايديولوجية العربية الإسلامية التي تسيطر على عقل الدولة، وبالتالي تكون الثقافة الأمازيغية بشكل عام في نسق مُهيمَن عليه، ولن تكون الأمازيغية هي لغة الدولة ولا ثقافة الدولة... ومهما بلغ شأن المبدعين الامازيغيين والفنانيين فإنهم سيبقون في الدرجة الثانية أو الثالثة مادام أنهم يبدعون باللغة الأمازيغية... وقد نبه الفنان الأسطوري الخالد سلطان الشعراء والفنانيين في المغرب، المرحوم الرايس محمد ألبنسير حين تحدث عن الاقصاء او ما يشبه الحگرة والتميزي اللذان يعاني منهما وقارن الفنانون الامازيغ مثل الحاج بلعيد والبنسير نفسه بالفنانيين الناطقين بالعربية والمصريين الذين سيطروا على عقول المغاربة وكانوا الوجه الفني الناعم للايديولوجية القومية لجمال عبدالناصر، (أخطر قومية كانت تهدد الأمازيغية في شمال إفريقيا المعروفة بالناصرية البعثية) مثل عبدالحميد حفيظ... وهو درس بليغ جدا كان المرحوم ألبنسير قد لقنه للنظام المغربي آنذاك وللنخبة السياسية التي كانت مهووسة بالفكر الناصري، حيث نبههم ألبنسير إلى خطورة ذلك وانعكاساته الوخيمة على مستقبل المغرب.
عبدالهادي إيگوت زعيم ازنزارن، وعبدالله الفوى زعيم أودادن. الأولى تخاطب العقل والضمير، وسميت بإزنزارن، الأشعة التي تلقي بالأضواء والأنوار لينجلي الظلام الدامس، ويعم النور والوعي، لذلك ازنزارن تحمل رسالة من أجل الكرامة والحرية والانعتاق من براثين التخلف الثقافي والاقتصادي والاجتماعي، عن طريق رفع الحگرة والتهميش، ازنزارن في كل أغانيها وألحانها وايقاعاتها هي عبارة عن أنين يصدح في دواخل جيل بكامله، جيل سرعان ما انكسر بعيد الاستقلال واكتشف زيف شعاراته، حيث تفشى الظلم والاقصاء والقمع، ، وساد الخوف والخطف ولعلع صوت النار في سراديب الظلام تحت الأرض، فجاءت إزنزارن تحمل مشعل النور وتبوح بالمساواة والعدل والسلم منددة بالقمع والتشريد... واجهت أزيز الرصاص بنغمات البانجو وصدى الايقاعات الناعمة المنبعثة من أوتار الهجهوج...لذلك فمجموعة ازنزارن تخاطب العقل والضمير...جعلت من الفن والموسيقى مبعا لأسئلة القلق الفكري والوجدي يهيم فيه مصير الإنسان في عالم متقلب سيود فيه الاستبداد والقهر...
أما أودادن، فعبدالله الفوى اختار منذ البداية، منذ أن اعطى التسمية لمجموعته، فإنه اختار رسم تجربته واعطاها هويتها التي بقي وفيا لها... فهو يخاطب القلب والفؤاد، جعل إيقاعاته تدغدغ مشاعر الحب والسعادة، مادام الإنسان كيان عاطفي يحتاج إلى الدفئ والحب والغرام... واستمر أودادن في إنشاد الغزل الذي يعتبر دائما ركيزة أساسية في الشعر الامازيغي والثقافة الأمازيغية بشكل عام. فالانسان لا يحارب قساوة الحياة وهمومها إلا بالحب... ميزة أودادن هي هكذا، التشبث بالتيمة الأبدية التي لاتزال تغري المبدعين والشعراء الامازيغ منذ الأزل، ولايزالون كذلك.. التغني بالحب والسجال بالغزل، والعشق في قالب شعري حابل بالرمزية والوصف الجميل... أودادن حققت في هذا المسار نجاحا باهرا... وعرف عبدالله الفوى كيف يعزف ايقاعات تنسجم مع روح تجربته وهويته الموسيقية ومزج بكل احترافية وابداع، ايقاعات كثيرة في نمطه الموسيقى الرائع وقام بتجذيب تجارب ايقاعية وألحان كثيرة وأضاف عليها لمساته الفريدة وصارت اليوم هي الصيغة الموسيقية لأودادن التي لا تتبدل ولا تتغير لكنها جميلة ورائعة... كما أنه نجح أيضا في تحويل صيغ شعرية في غاية من الحكمة صارت من الخالدات في شعر الحب والصور البلاغية الجميلة التي انتجها فطاحلة الشعر الامازيغي في الغزل... وقدمها أودادن في قالب موسيقي بأسلوبه الخاص ليس له نظير...
هذه هي العبقرية الأمازيغية، يمثلها ازنزارن وأودادن في تكامل وتناغم رهيب... الإنسان الامازيغي هو كذا دائما، محارب صلب وشجاع قوي لكنه مرح مفعم بالحب والسعادة.. الإنسان الأمازيغي كائن مهووس بالقلق الفكري والهَم الوجودي.. وفي نفس الوقت مكتنز بالعاطفة وهائم العشق...