الجمعة 19 إبريل 2024
مجتمع

في لمة أخوية: توفيق الوديع يدعو إلى كتابة "الذاكرة الاتحادية" من منظور الأبناء

في لمة أخوية: توفيق الوديع يدعو إلى كتابة "الذاكرة الاتحادية" من منظور الأبناء توفيق الوديع( يمينا)
كدأبها خلال سنوات، بادرت عائلة المناضلين الاتحاديين الراحلين، ثريا السقاط والوديع الأسفي رحمهما الله، على تنظيم "اللمة الاتحادية" في منزل ابنتهما بحي نسيم إيسلان  بالدار البيضاء. وقد كانت اللمة، التي نظمت يوم السبت 30 يوليوز 2022، وحضرها مجموعة من المناضلين الاتحاديين والاتحاديات، لحظة قوية مفعمة بالأحاسيس الإنسانية بين الحاضرين الذين جمع بينهم ذات الحلم، وذات التاريخ، وذات المعاناة والفرح والحزن والأمل في مغرب الحرية والديمقراطية والكرامة. كما كانت مناسبة لاسترجاع لحظات ومحطات هامة من الذاكرة الاتحادية والتفكير في سبل حفظها والعمل على نقل مشعلها لأجيال الشباب. 
واستحضر الملتئمون والملتئمات، خلال هذا اللقاء، قرارات 30 يوليوز 72، التي اتخذت في منزل العائلة، والتي جاءت للخروج من وضعية الجمود التي عرفتها الأجهزة القيادية للاتحاد آنذاك، ولواقع تردي العلاقات بين الجهاز النقابي من جهة وبين الاتحاد من جهة ثانية، الأمر الذي كان إيذانا بانطلاقة جديدة سيتوجها المؤتمر الاستثنائي سنة 1975.
"أنفاس بريس" تنشر الكلمة التي ألقاها توفيق الوديع بهذه المناسبة:
 
مرحبا بنا في هذا الفضاء الذي سلّمنا أصحابه مفاتيحه ، وانبروا 9 إلى الوراء تاركين لنا الحرية الكاملة... فشكرا لك المهدي منصور .. وشكرا لك وفاء الوديع على كرم ضيافتكم . کتا نود عقد هذا اللقاء في فضاء أوسع وأرحب ، لأننا كنا على يقين من التجاوب العفوي الذي ستلقاه هذه المبادرة ، ولكن فصل الصيف ورفع القيود الصحية على الحفلات والأعراس حال دون ذلك.
هي إذن صدفة أرادت ان تجعل اللقاء أكثر حميمية ، ونحن نلتقي في منزلنا ، إنه منزل جميع من حضر .. هكذا كان رد وفاء والمهدي، حين قدمت طلبي لهما، كأني بالأسفي، كعادته، قد وضع
مفاتيح منزله رهن إشارة الجميع..
شكرا لعفوية تجاوبكم جميعا، والشكر موصول لمن تجشم عناء السفر في هذا اليوم القائظ من أجل انجاح هذا اللقاء العائلي الرمزي الذي انهدت أمامه كل الحواجز النفسية المعاندة.
هو تعطش منقطع النظير للقاءات نضع خلالها خلافاتنا جانبا، ونصل الرحم... نتذكر أحداثا، نحيي الذكرى الرمز والذاكرة الموشومة بنكران ذات عمق إنساني ، حفاظا عليهما من التلف : بعث الروح في الذاكرة ، وتوثيقها احتراما للوطن وللأجيال المقبلة.
هو تاريخ صيغ في ظروف خاصة قبل خمسين سنة أطلق عليها آباؤنا " انتفاضة 30 يوليوز 1972" ، عاشها وطنيون أصروا على الحضور بيتنا اليوم رغم التعب، وعاشها كذلك العديد من النساء والرجال الذين رحلوا في صمت. دونت بعض من تلك اللحظات بقلم من استطاع لذلك سبيلا، ولم تدون الكثير منها لظروف قدر البعض بأنها غير ناضجة للكتابة.
عشنا تلك الظروف ونحن بعد أطفالا في سن مبكرة ما قبل المراهقة، أكبرنا لم يكن قد تعدى ربيعه العاشر لم يتساءل أباؤنا وأمهاتنا أنذاك أو بعد ذاك عن معاناة ذلك الطفل والطفلة الذي كناه ، وكيف عاش عنف اللحظة، وما قد ينتج على ذلك فيما بعد ، فقد كانوا يعتبرون أن الوطن فوق الجميع وأن حياتهم ملك له، وأن اللحظة أهم من سؤال كهذا، كان اختيارا تحترمه ونقف اجلالا لأرواحهن وأرواحهم ولكل من لازال بيننا أطال الله عمره.
هي ليست دعوة لمحاكمة السلف، هي دعوة لكتابة تلك التجربة من منظور من كانوا أطفالا وصاروا کہولا، حتما سنكتشف كتابات جميلة وقاسية، مضحكة حينا ومبكية أحيانا كثيرة.
ستوثق للذكرى والذاكرة...
فليس سهلا على خالد وأنس الفرقاني أن يختطف والدهما وهما بعد أطفالا، ويحاكم بممد طويلة ويحرمان من رؤيته لتنقيله بين سجون بعيدة، وليس سهلا عليهما أن يخبرا ذات يوليوز من سنة 1971 بأن إطلاق سراح والدهما صار على بعد ساعات، تلك الساعات التي استمرت لسنوات طويلة.... عن انتظار ذلك الطفل في تلك الليلة الطويلة أتحدث... كنا معا ... أخذنا النوم
واستفقنا ولم تتحقق البشرى.
ليس سهلا علی سهام بنجلون أن تعيش لحظات استشهاد والدها، وهي بعد ذات الخمس سنوات بعد دقائق من توديعها من أمام بيته... بعدها صمتت سهام الى الآن...عندما ألتقيها صدفة ودون ميعاد، تتعانق بحرارة تجهش بالبكاء، دون ان نعرف سبب انهمار تلك الدموع، وتفترق دون وداع... ودون توثيق اللحظة. ماذا لو باحت لنا وكتبت...ولن أخفيكم أنني وأنا في كهولتي، حين أتذكر لحظة تلقي خبر الاغتيال تعود بي الذكريات الى آخر حوار لي معه قبل الرحيل بيومين، وكيف حدثني طويلا وكان كيسا وهو يكتشف طفلا متعطشا للحديث وتقاسم أحلام طفولته مع الكبار...
ليس سهلا على غادة وسهام القرشاوي أن تعيشا لحظات اعتقال هوليودية لوالدهما داخل
حديقة المنزل، ماذا لو حدثتنا الطفلة فيها عن اللحظة.
ليس سهلا ما عاناه من تنسل من عائلة آل المانوزي من اختطافات وإعدامات عاش مرارتها الأبناء ثم الأحفاد، ولا زالوا قابضين على أمل تسليم الرفات، كتاباتهن وكتاباتهم قيمة مضافة للتوثيق، وجميعا سنظل نبحث عن الحقيقة...
ليس سهلا على البشير بنبركة وإخوانه توثيق لحظة تلقي خبر اختطاف المهدي، فصورتهم في اللحظة تعبر عما يعتمل في دواخل أولئك الأطفال... ماذا لو وثقوا ذلك...

وليس سهلا على الطفل الذي كنت، تلقي نبأ اختطاف الأسفي ذات ربيع من سنة 1973 وعودته بعد عام وهو بين الحياة والموت، لم أستمتع بعودته حتى أختطف أخواي وأختي... حملت همي في صمت، كابرت ولكن اغتيال عمر كشر طفولتي... وليس سهلا على الطفل الذي صار ملكا أن يعيش لحظات دموية قاسية صادمة، وهو ابن التاسعة، لحظات كان لها حتما ما بعدها... فماذا لوتفضل جلالته ووثق لنا تلك اللحظات ولحظات طفولة أخرى.... وليس سهلا ان يحمل أطفال على عاتقهم أسماء مختطفين وشهداء فالمهدي وعمر وحتى سهام صارت أسماء يطلقها الوطنيون على أبناءهم فعلى يميني المهدي منشد، وعن يساري محمود عمر بنجلون وهناك سهام وديعة الطاهر، كلهم أطفال ولدوا بعد تلك الأحداث حملوا الاسم ومبادئه السامية، انخرطوا فيها ومثلوها - ...لهم أن يحدثونا عن لقاءهم بأسمائهن
وليس سهلا على موح الأموي واخوته معاينة عودة ايهم من الكورييس وهو لا يقوى على المشي... وليس سهلا على عائلة عبد الرحيم بوعبيد أن يختطف والدهم، وهو الكهل الضعيف البنية، من أمام باب منزله بتلك الطريقة العنيفة والتي أبانت عن معدن الرجل الحقيقي، هو الذي اتخذ لحظتها موقفا شجاعا واختار الاعتقال بدل المساومات التي تلقاها من اقوى رجل في المرحلة ..

 
وليس سهلا على الأطفال كتابة التاريخ الذي يسكنهم بالسهولة التي نعتقد ولكنه واجب التوثيق للذكرى والذاكرة.
حين قررنا اللقاء وتاريخه، نبني الكثير ممن اتصلت بهم الى تزامنه وعيد العرش، لم أجب ابتسمت واكدت على تاريخ لقاءنا وقلت مع نفسي وماذا لو احتفلنا بهذا التاريخ الرمز في عيد عرش اختار صاحبه تاريخه بذكاء وفي صمت عنوانا لانتفاضة جديدة، الم يحيي أباؤنا عيد العرش قبل الخلافات التي تلت.
أعرف انني أطلت عليكم ولكن رغبتي في البوح وتحفيزكم على ذلك والتوثيق له يغفران لي... هذا التاريخ تاريخنا من واجبنا كتابته وقراءته من جميع الزوايا هي دعوة منا لكم للانخراط في هذا العمل التوثيقي وفي انتظار لقاءات أخرى عفوية كحميمية هاته اللحظة لكم منا كل الشكر
شكرا لكن، شكرا لكم، شكرا للجنة التنظيم والتنسيق على انخراطها الكلي والجماعي لإنجاح اللقاء،شکرا سهام الفرشاوي،
شكرا أمينة أوباري، شكرا خالد الفرقاني، شكرا صلاح الدين المانوزي،شكرا المهدي منشد شكرا منير الشرقي، وشكرا توفيق الوديع على جميل اصرارك........