الجمعة 29 مارس 2024
سياسة

الوردي: المغرب في حاجة إلى أحزاب تغار على الوطن وليس على المقعد الحزبي! 

الوردي: المغرب في حاجة إلى أحزاب تغار على الوطن وليس على المقعد الحزبي!  العباس الوردي
في هذا الحوار مع العباس الوردي، أستاذ القانون العام بجامعة محمد الخامس بالرباط، يتحدث عن المشهد الحزبي ببلادنا، وكيف أصيب بلعنة التشرذم وحب البقاء لدى بعض الزعماء من اليمين إلى اليسار.
 
 كيف تقرأ المشهد الحزبي بعد أكثر من 10 أشهر، على انتخابات شتنبر 2021؟ 
أعتقد أنه بعد مرور 10 أشهر على تنصيب حكومة عزيز اخنوش، فإن الحالة الحزبية الراهنة تؤكد أولا، على لحمة الثالوث المكون للأغلبية الحكومية، مقابل الدور الضعيف للمعارضة بناء على غلبة الأغلبية داخل مجلسي البرلمان، وكذلك في العديد من المجالس الترابية، الجهوية والجماعية، هذه المسألة لايمكن اعتبار أن المسؤولية فيها تتحملها الأغلبية أو المعارضة، بل الأحزاب السياسية كلها، لأن الفصل السابع من دستور المملكة المغربية لم يستثن أغلبية ولا معارضة، هو يتحدث عن تأطير الأحزاب السياسية للمواطنات والمواطنين وتكوينهم السياسي، وتعزيز انخراطهم في الحياة الوطنية، وفي تدبير الشأن العام. وعلى أساس ذلك فإن دور المعارضة قد تمت تقويته من لدن المشرع من خلال الوثيقة الدستورية لفاتح يوليوز 2011، عبر ترؤس لجنة التشريع وكذلك له مهام كبرى ومسؤوليات جمة من خلال مواكبة العمل الحكومي وكذلك تدبير مجموعة من الآليات الكفيلة بوضع مقترحات القوانين وسن القوانين الجديدة، وبالتالي فلا يحول حائل دون قيام المعارضة بأدوارها الدستورية، بقدر ما الأمر مرتبط ببنيتها الحزبية، أقل ما يمكن أن نصف حالتها، بأنها بنية متشرذمة، ولا تستجيب البتة لتطلعات المواطنين والمواطنات في هذه الألفية، هذا ليس حكم قيمة، بل الأمر واضح للعيان، مادام أن القيادات الحزبية خي نفسها، متجاوزة ومستهلكة، ألفت تصدر الهرم الحزبي، وتلوي عنق كل القوانين من أجل البقاء في الصدارة الحزبية، وهو ما يؤدي للعزوف السياسي من لدن قطاع عريض من الشعب، وعزوف الشباب عن ارتياد المنصات الحزبية.
الأغلبية هي أيضا مسؤولة في هذا المجال لأنها يجب أن تعطي إشارات خضراء للمعارضة على أنها تشتغل بمقاربة مشتركة خلال ما تبقى من الولايتين الحكومية والتشريعية.. 

 
 بين أحزاب الأغلبية والمعارضة قاسم مشترك، هو ما عبرت عنه بوضعية التشرذم، هل نحن أمام لعنة عامة تضرب الجميع؟ 
هذا التشرذم فيه أكثر من إشارة، يبين أننا أمام معطى واقعي وملموس لتراجع أدوار أحزاب منها من خبر التدبير الحكومي، ومنها من ما يزال بتلمس طريقه للعمل التشريعي، من بين هذه الأحزاب التي دخلت التدبير الحكومي من أبوابه الواسعة نجد حزب العدالة والتنمية الذي اندحر من ترؤس الحكومة في ولايتين بناء على قاعدة برلمانية واسعة إلى أسفل الترتيب ب13 نائبا برلمانيا في الاستحقاقات التشريعية لشتنبر 2022،  وكذلك تراجع أحزاب أخرى كان لها دور في تشكيل الأغلبيات الحكومات وكان لها حضور مستمر داخل المنظومة  السياسية ببلادنا، وأتحدث في هذا الباب عن حزب الحركة الشعبية وحزب التقدم والاشتراكية وكذلك حزب الاستقلال.. أحزاب تعرف اليوم نقاشا كبيرا على مستوى تصور طبيعة القيادة الحزبية. لا ننس وضعية حزب التجمع الوطني للأحرار الذي يحتل الصدارة الحكومية وتموقعه المتقدم على مستوى الجماعات الترابية جهويا ومحليا..
وحتى نكون منصفين فإن جميع الأحزاب لم تغير نمط عملها وتدبيرها، وأتحدث بالخصوص عن الأحزاب السياسية الكبرى التي لا زالت تصرف حساباتها على أساس الشخصنة داخل منظومتها الحزبية وكذلك على أساس بناء وحدات حزبية على المقاس، بل وكما قلت اتجاه نحو بدعة تمديد الولايات عبر سن قوانين جديدة، يجعل الأحزاب في وضعية جمود فكري وتنظيمي يحصر عملية التجديد التنظيمي والفكري، وهذا يجعل حتى من البلاغات والبيانات الحزبية لا ترقى إلى الواجب عليها في خدمة قضايا البلاد وطنيا، وأوضح الأمثلة على ذلك، سكوت الأحزاب الكبرى عن قضية غلاء المعيشة ومنها المحروقات وركود الأجور.. ما يؤدي إلى بعثرة أوراق التوجه الذي ارتضته المملكة في إطار مشروع الدولة الاجتماعية، في الوقت الذي كان على الأحزاب التنزيل الحقيقي للفصل السابع من الدستور في تأطير المواطنين، أما خارجيا فالملاحظ أن هناك خفوتا للأحزاب في القيام بأدوارها الديبلوماسية مع تكتلاتها الأممية في قضية الوحدة الترابية للمملكة.. 

 
في ظل التحديات الكبرى الوطنية والدولية، يبقى الشعب المغربي، في ظل هذا الضعف الحزبي بدون واقي أو مدافع عن مصالحه، ما هي في نظرك مخاطر هذا الوضع؟
فعلا، هي تحديات داخلية وخارجية، كما أسلفت، وجميع الأحزاب من الأغلبية والمعارضة مطالبة الآن بطي صفحة الصراع، وقبل ذلك الرجوع لقواعدها لإعادة بناء أحزاب وتنظيمات موازية في مستوى تحديات المرحلتين الراهنة والقادمة، ومن تم الجلوس جنبا إلى جنب كل من موقعه في الأغلبية والمعارضة من أجل بناء ترسانة قانونية قادرة على مواجهة الأزمات، ومنها تداعيات أزمة كورونا التي ما زالت تلقي بظلالها وطنيا ودوليا، وكما هناك جوائح صحية هناك أيضا جوائح مالية واقتصادية واجتماعية تعيشها الأمة المغربية، على غرار باقي الأمم، تتطلب تضافرا للجهود. وبالتالي لايمكن الحديث عن تحقيق مصالح عامة في ظل الحرص الشديد من قبل بعض مسؤولي الأحزاب على تحقيق مآرب شخصية ونبذ الكفاءات، خاصة أننا أمام قانون منصف للكفاءات التي نراها توظف بشكل بارز على صعيد المسؤوليات الدولية، وهذه الكفاءات للأسف لم تجد ذاتها في ظل بنيات حزبية مغلقة تحول دون ترقيها السياسي المشروع، عبر الولاءات والانبطاح والتزلف لهذا الطرف أو ذاك، والسعي نحو إثبات ذات الزعيم، وانتشار الترهات وتعاظمها، والوطن أكبر من نظرية الشيخ والمريد، بل العكس، المفروض توسيع مجالات التفكير بصوت مرتفع، وحرية التعبير وفتح المجال للمبادرات الخلاقة، وهو ما من شأنه، إلى جنب باقي المؤسسات الوطنية، التصدي لكل الصعوبات داخليا وخارجيا، وتحقيق الرفاه للشعب المغربي، عبر العمل الجماعي حكومة ومعارضة من خلال سن قوانين فاعلة وناجعة تشعر المواطنين بالكرامة، خصوصا في الظرفية الحالية، التي عنوانها الكبير، غلاء المعيشة، فالمرحلة تقتضي من الحكومة والمعارضة التفكير في مشروع قانون مالية تعديلي على غرار عدد من الدول، ووضع أولويات العمل.. 

 
ألا يمكن اعتبار هذا الشد والجذب بين قيادات وقواعد الأحزاب، حالة صحية تبين حالة من النقاش وعدم الجمود؟
نحن في عصر جديد وبقاء الأحزاب في العصر القديم، لايستويان، والتحديات أكبر وتتعاظم، والنقاش بصوت مرتفع دون مصادرة الآراء أو الاستهداف المجاني، هو أمر محمود، لكن واقع الحال هو أن المشهد الحزبي بعيد عن النقاش الحقيقي، والنقاش العمومي، المطلوب هو ممارسة النقد الذاتي والجدية فهو مرغوب فيه، بل واجب، من أجل تسليم المشعل للقادة الشباب، فهذا مطلب أساسي سيكفل لا محالة التجاوب مع أسئلة المرحلة، وبناء سياسات عمومية ومواصلة الإصلاح المؤسساتي والبنيات الاستراتيجية التي تكفل لجميع المغاربة الحق في العيش الكريم وفي الرفاه الاقتصادي والاجتماعي.. وتجعل من الأحزاب تنظيمات سياسية تشتغل على طول السنة غير مرتبطة بزمن انتخابي عابر، وهذا لن يتم إلا بأجسام حزبية صحية غير مريضة لها من الغيرة على الوطن أكبر من الحرص على المقعد الحزبي..