الخميس 18 إبريل 2024
سياسة

لحسن العسبي: حادث مليلية وبصمة الجزائر فيه

لحسن العسبي: حادث مليلية وبصمة الجزائر فيه لحسن العسيبي ومشهد من اقتحام أفارقة لسياج مليلية المحتلة
حين يقع حدث ما مؤسف، من حجم ما وقع عند حاجز العبور إلى مدينة مليلية المغربية المحتلة من قبل إسبانيا الجمعة الماضية 24 يونيو 2022، طبيعي أن يثار حوله غبار تعاليق وكتابات وتأويلات متقاطعة ومتباينة. الأمر الذي يتطلب التريث قليلا حتى ينقشع ذلك الغبار الذي كثيرا ما يحجب الوقائع كما هي في واقعيتها الكاملة. وبعد 6 أيام من الذي جرى ووقع، بدأت تتضح الصورة أكثر اليوم، التي تفرز خلاصات أولية يجوز ترتيبها كالآتي:
* كل التقارير المغربية والأجنبية (المؤسساتية والجمعوية والإعلامية)، تلتقي في أنه لأول مرة تتم محاولة اقتحام حاجز مليلية المحتلة يوم جمعة وليس يوم أحد كما ظل يسجل من قبل.
* ذات التقارير تفيد أنه لأول مرة (ضمنها تقرير لفرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان التي لا نظن أنها ممكن أن تصنف ضمن خانة "العياشة" بلغة بعضهم)، قام المهاجرون السريون الأفارقة باعتماد خطة مهاجمة القوات المغربية بتعمد قبل التوجه مباشرة صوب باب العبور وليس صوب الأسلاك الممتدة للحاجز الإسباني.
* ذات التقارير (ضمنها تقرير أمني إسباني) تؤكد أن هوية المهاجرين المهاجمين أولئك هي بالأساس من السودانيين من إقليم دارفور ومن التشاديين. مع التذكير أنه خلال 10 أشهر الأخيرة سجل تدفق كبير لهؤلاء المهاجرين الأفارقة صوب المغرب قادمين من الجزائر.
* الحكومة الإسبانية (رئاسة الحكومة ووزارة الخارجية) أعلنت منذ البداية تضامنها مع الدولة المغربية وأن ما تم هو نتيجة "مافيات المتاجرة بالبشر"، وأن صرامة القوات المغربية قانونية.
* الإتحاد الأروبي إلى اليوم لا يزال يجمع المعطيات ولم يصدر أي موقف إدانة أو تشكيك تجاه المغرب.
* سارعت وزارة الخارجية المغربية إلى عقد لقاء مع سفراء الدول الإفريقية بالمغرب عرضت فيه بالصور والفيديو شريط ما وقع، لنقل الأمر لحكوماتهم.
* رئيس مفوضية الإتحاد الإفريقي التشادي موسى فقي، سيغرد بسرعة عبر تويتر مصدرا أحكاما (بعضها غريب، من قبيل قوله "أعبر عن مشاعري العميقة وقلقي في وجه المعاملة العنيفة والمهينة للمهاجرين الأفارقة الذين كانوا يحاولون عبور حدود دولية بين المغرب وإسبانيا" فهو هنا يصدر حكما غير متوازن حين لا يشير للإعتداء على القوات المغربية، وكذا حين قوله ب "الحدود الدولية" بين المغرب وإسبانيا، فهو هنا من موقع مسؤوليته الإفريقية يزكي الإستعمار الإسباني لأرض إفريقية مغربية، حتى الحلف الأطلسي والإتحاد الأروبي لا يعتبرها حدودا دولية لأروبا). موقف السيد موسى فقي يخدم مصلحة كل الجهات الإفريقية المناوئة للمصالح القومية العليا للمغرب مثل الجزائر وجنوب إفريقيا. ويخشى أن ذلك هو الغاية الكبرى من كل واقعة ذلك الهجوم المخطط له بدقة.
* أربعة وعشرون ساعة بعد تنفيذ الهجوم المنسق، أعلن المغرب حالة استنفار في كل قواته على الحدود الشرقية، لوقف تدفق جزء جديد من "جيش المهاجرين التشاديين والسودانيين" يتحرك بالجهة الغربية للجزائر. والرسالة واضحة هي أن المغرب لن يتردد في التعامل بصرامة مع أي مخطط لاختراق أراضيه (مثلما سبق وسجل مع مهاجرين سوريين حملتهم شاحنات رسمية جزائرية صورها القمر الصناعي المغربي ورمت بهم على الحدود مع المغرب جهة إقليم فكيك منذ ثلاث سنوات).
* مؤسساتيا، فتح المغرب عبر هيئاته الرسمية لحقوق الإنسان تحقيقا في الواقعة.
* من الدروس الواجب استخلاصها أمنيا، هي الصرامة في تكوين عناصر القوات المغربية إلى عدم الإنسياق وراء ردود فعل تستغل من قبل خصوم المغرب، مهما كان حجم الهمجية التي استهدفتهم. الصرامة نعم في تطبيق القانون، لكن مع ضبط النفس. لأن الرهان المغربي الإستراتيجي إفريقيا (خاصة في ملف الهجرة السرية، التي تحتضن بلادنا مقر المؤسسة الإفريقية المعنية بالملف) هو رهان بأبعاد هائلة وكبيرة. وذلك بالضبط ما خططت جهات ما للإساءة إليه وضربه. تسهيل السلطات الجزائرية لعبور تلك الجحافل من المهاجرين السودانيين والتشاديين عنوان (ولأن الشئ بالشئ يذكر، علينا استعادة الشكل العنيف للقوات الجزائرية ضد مهاجرين أفارقة من مالي والنيجر على حدودها الجنوبية. فالتعامل هناك ليس مثل التعامل اليوم مع المهاجرين السودانيين والتشاديين الذين واضح أنهم ورقة للإستعمال لتنفيذ مخطط بعيد الأثر).
* ليبقى السؤال الكبير: من المستفيد من الواقعة؟. ذكاء الملاحظين الدوليين يستبطن الجواب.
* هل استفاد فعلا من خطط للهجوم والإعتداء كما أراد؟. إذا كانت الغاية هي إحراج المغرب وإسبانيا، فالنتيجة جاءت عكسية تماما. لقد عزز ذلك من إعلاء التنسيق السياسي والأمني بين مدريد والرباط وأصبح الخطاب بينهما متناغما أكثر. أما إفريقيا، ففي ما عدا تسرع السيد موسى فقي، فليس هناك ولا حكومة واحدة أعلنت موقفا مناوئا للمغرب في حربه ضد مافيات الإتجار بالبشر، عدا الذباب الإلكتروني الجزائري وجزء من الإعلام الجزائري (ننتظر، بدون وهم، في القادم من الأيام، باقي مخطط استغلال النظام الجزائري للواقعة ضمن المؤسسات الإفريقية، والمغرب مفروض أن يكون جاهزا للرد بإفحام).
* المغرب اعتقل عناصر إفريقية من ضمن منفذي الهجوم على قواته قبل التوجه إلى حاجز معبر مليلية المحتلة. والتحقيق القضائي انطلق.
* بعض الإعلام الفرنكوفوني بالمغرب وفرنسا وحده للأسف الذي كان يغرد في اتجاه واحد هو محاولة ترسيخ فكرة الحدود الدولية لأروبا عند بابي سبتة ومليلية (في إحدى صباحيات لوكس راديو، مثلا، ظلت ضيفة مغربية من الرباط تردد مقولة الحدود الدولية لإسبانيا وأروبا دون أن تتدخل الصحفيتان للتصويب، ووحده أحد المحاورين هو الأستاذ محمد أولخوير من نبه بذكاء لعدم سلامة موقف الضيفة الأستاذة الجامعية الشابة من الرباط. المثير هو أن ذات الخطاب ظلت تردده قناة فرانس 24 بالعربية وبعض مقالات لوموند الإلكترونية).