هذه معلومة تنشر لأول مرة..
قليل من يعرف أن الملك الوطني محمد الخامس رحمه الله، كان قد اختار فريقا من شباب رجال المقاومة (المدينية) من الدار البيضاء والرباط وتطوان وأرسلهم بداية 1956 للتكوين والتدريب كأول دفعة للشرطة المغربية بالمعهد الوطني للشرطة بباريس. كانوا 47 فردا، من ضمنهم بطلنا الذي سأحكي عنه هنا..
كان "م." شابا منطلقا وذكيا وشجاعا، هو المنحدر من أعالي جبال الأطلس الشامخة.. كان من العناصر الوطنية الشابة المنخرطة ضمن خلايا المقاومة التابعة مباشرة للشهيد محمد الزرقطوني (بعدها ارتبط تنظيميا بالمجموعات الفدائية التابعة للفقيه البصري). سيتم تعيينه بعد عودته من فرنسا عنصرا أمنيا ضمن إحدى الكوميسارية الشهيرة بدرب السلطان بالدار البيضاء.
شهورا قليلة بعدها سيتم اختياره ليكون المرافق الأمني للشهيد المهدي بنبركة منذ تعيينه رئيسا للمجلس الوطني الإستشاري (أول برلمان معين بالمغرب) نهاية 1956. ليبقى معه شهورا طويلة من الرفقة والعمل.
سيحكي لي "م." بعضا من قصصه مع بنبركة رحمه الله وكذا مع عبد الرحيم بوعبيد (لا يتعب من أن يردد أمامي دوما أن عبد الرحيم بوعبيد كالمسطرة على مستوى النزاهة ونظافة اليد رغم كل المناصب الرفيعة التي تحملها بوزارة الإقتصاد والمالية). بينما جميع قصصه مع بنبركة مثيرة ومفيدة.
يهمني هنا أن أحكي واحدة منها وقعت لهما في العاصمة اليوغوسلافية "بلغراد"..
حدث أن طلب بنبركة رحمه الله من بطلنا كعادته دوما أن يجمع حقيبته ويرتب أوراقه في محفظته الجلدية وهما بغرفة الفندق، في انتظار أن يحلق وجهه قبل التوجه إلى المطار للعودة إلى المغرب.. كان رئيس المجلس الوطني الإستشاري عائدا من لقاء مطول مع الزعيم جوزيف بروز تيتو رئيس الجمهورية اليوغوسلافية.
شرع بطلنا "م." يرتب أوراق بنبركة ويلتقط لها صورا بآلة تصوير صغيرة قبل وضعها في المحفظة الجلدية، ثم حدث أن تذكر المهدي شيئا ما يود تكليفه به، فخرج من الحمام وصابون الحلاقة يملأ وجهه، فضبط صاحبنا وهو يصور الوثائق. نظر إليه مصدوما واكتفى بجملة واحدة قبل أن يعود أدراجه إلى الحمام، حيث قال له باللهجة المغربية الدارجة:
"تْرْ معامن أنا" (ههههه).
ارتبك صاحبنا وانتظر أن يبوخه المهدي بنبركة، لكن لاشئ من ذلك وقع. لم يكلمه أبدا في الأمر مما زاد من توتره وقلقه.
عادا إلى المغرب، وظل ينتظر أن يبلغ به بنبركة رؤساءه في جهاز الأمن. لكن لاشئ حدث.
مر الأسبوع الأول، ثم الثاني، ثم الثالث، إلى أن بادر بطلنا "م." في الأسبوع الرابع إلى طلب لقاء مع المدير العام للأمن الوطني سي الغزاوي وأخبره بالحادثة متسائلا إن لم يكن المهدي قد أخبره.
فوجئ بطلنا أن بنبركة لم يبلغ عنه ولا احتج ولا طالب بتغييره.
كان القرار الفوري أن قام الغزاوي بتغييره وإلحاقه بالدارالبيضاء..

