تحدث أحياناً لحظة صغيرة تكشف خللاً عميقاً ظلّ يتشكل بصمت وسط ازدحام الحياة. قد تكون عبارة عابرة أو موقفاً بسيطاً، لكنه يكشف تصدعاً في علاقتنا بالمعرفة، ويشير إلى تراكم طويل أعاد تشكيل نظرتنا إلى المدرسة. حين يتحول الكتاب إلى مصدر خوف، والملعب إلى وعد بالخلاص، ندرك أن المشكلة لا ترتبط بجملة عابرة، بل بجذور وعيٍ اهتزّت مع الوقت. فالمؤسسة التي كان يفترض أن تكون بوابة المستقبل، تصبح في لحظة ما أداة ضغط، وتفقد جزءاً من رمزيتها التي تمنح الإنسان أفقه قبل أن تمنحه مهنته.
حين ينهار سلم المعنى
ليست الأزمة بنت اليوم، بل ثمرة أعوام من التراجع الهادئ في قيمة التعليم. حين يغدو الدفاع عن المدرسة عملاً استثنائياً، ندرك أن بريق المعرفة قد انطفأ تدريجياً في المخيلة العامة. والمقارنة التي توضع فيها المدرسة أمام لعبة رياضية تكشف خللاً عميقاً في ترتيب الأولويات. فالمعرفة مشروع يحرر العقل، بينما الرياضة متعة آنية لا تبني حضارات. اللعب جميل في مكانه، لكنه يصبح خطراً حين يوضع على الكفة نفسها مع ما يحفظ للإنسان قدرته على فهم واقعه وصناعة أفقه.
ليست الأزمة بنت اليوم، بل ثمرة أعوام من التراجع الهادئ في قيمة التعليم. حين يغدو الدفاع عن المدرسة عملاً استثنائياً، ندرك أن بريق المعرفة قد انطفأ تدريجياً في المخيلة العامة. والمقارنة التي توضع فيها المدرسة أمام لعبة رياضية تكشف خللاً عميقاً في ترتيب الأولويات. فالمعرفة مشروع يحرر العقل، بينما الرياضة متعة آنية لا تبني حضارات. اللعب جميل في مكانه، لكنه يصبح خطراً حين يوضع على الكفة نفسها مع ما يحفظ للإنسان قدرته على فهم واقعه وصناعة أفقه.
الكلمة التي تصنع الوعي
اللغة ليست أداة للتواصل فحسب، بل قوة تشكل الوعي وتعيد توجيه المخيلة. كلمة تُقدِّم المدرسة كعقوبة قادرة على تشويه صورة التعليم في ذهن طفل لم يكتمل وعيه بعد. ومع انتشار عبارات تقلل من قيمة الجهد العقلي، يتولد تصور خطير: أن النجاح لا يحتاج إلى تفكير، وأن الإرادة ليست سوى جسد يركض. هذه ليست مشكلة رياضة، بل مشكلة رؤية للإنسان. فالطفل الذي يفقد ثقته في جدوى المعرفة يفقد أيضاً شرارة الشغف، وهي الشرارة التي يبدأ منها كل طريق نحو المعنى.
اللغة ليست أداة للتواصل فحسب، بل قوة تشكل الوعي وتعيد توجيه المخيلة. كلمة تُقدِّم المدرسة كعقوبة قادرة على تشويه صورة التعليم في ذهن طفل لم يكتمل وعيه بعد. ومع انتشار عبارات تقلل من قيمة الجهد العقلي، يتولد تصور خطير: أن النجاح لا يحتاج إلى تفكير، وأن الإرادة ليست سوى جسد يركض. هذه ليست مشكلة رياضة، بل مشكلة رؤية للإنسان. فالطفل الذي يفقد ثقته في جدوى المعرفة يفقد أيضاً شرارة الشغف، وهي الشرارة التي يبدأ منها كل طريق نحو المعنى.
وهم يلمع... ومعنى يختفي
المجتمعات التي تقدم المتعة السريعة على بناء الإنسان تفرّط في مستقبلها. فالتاريخ لم يكتبه أصحاب الشهرة العابرة، بل كتبه الذين بحثوا واجتهدوا واخترعوا. في المختبرات لا في الملاعب وُلدت التقنيات التي غيّرت العالم. ومن مقاعد الدراسة لا من ضجيج الجمهور خرج الذين فهموا قوانين الطبيعة وصاغوا رؤى عن الكون. لذلك يصبح تقديم الشهرة على المعرفة تنازلاً عن أهم رصيد تملكه أي جماعة: العقل. إن وضع الطباشير في مواجهة الكرة ليس مقارنة عابرة، بل إعلان فقدان بوصلة حضارية.
المجتمعات التي تقدم المتعة السريعة على بناء الإنسان تفرّط في مستقبلها. فالتاريخ لم يكتبه أصحاب الشهرة العابرة، بل كتبه الذين بحثوا واجتهدوا واخترعوا. في المختبرات لا في الملاعب وُلدت التقنيات التي غيّرت العالم. ومن مقاعد الدراسة لا من ضجيج الجمهور خرج الذين فهموا قوانين الطبيعة وصاغوا رؤى عن الكون. لذلك يصبح تقديم الشهرة على المعرفة تنازلاً عن أهم رصيد تملكه أي جماعة: العقل. إن وضع الطباشير في مواجهة الكرة ليس مقارنة عابرة، بل إعلان فقدان بوصلة حضارية.
مدرسة تبني الإنسان
المدرسة ليست جدراناً باردة، بل فضاء يصوغ بدايات الإنسان ويمنحه أدوات فهم العالم. فيها يتعلم الطفل معنى الصبر واحترام الاختلاف والقدرة على التساؤل. وفيها تنمو شخصيته وتتشكل ملامح وعيه. أما حين تتحول المدرسة إلى مصدر خوف، فينكمش خياله ويتراجع إيمانه بقدرته على الفهم. المعرفة ليست عقوبة، بل رحلة تمنح الإنسان قوة لا توفرها أي ممارسة أخرى. لذلك يصبح الدفاع عن المدرسة دفاعاً عن مستقبل المجتمع، وعن حق الإنسان في أن يكون أكثر من متفرج على عالم يتحرك من حوله.
المدرسة ليست جدراناً باردة، بل فضاء يصوغ بدايات الإنسان ويمنحه أدوات فهم العالم. فيها يتعلم الطفل معنى الصبر واحترام الاختلاف والقدرة على التساؤل. وفيها تنمو شخصيته وتتشكل ملامح وعيه. أما حين تتحول المدرسة إلى مصدر خوف، فينكمش خياله ويتراجع إيمانه بقدرته على الفهم. المعرفة ليست عقوبة، بل رحلة تمنح الإنسان قوة لا توفرها أي ممارسة أخرى. لذلك يصبح الدفاع عن المدرسة دفاعاً عن مستقبل المجتمع، وعن حق الإنسان في أن يكون أكثر من متفرج على عالم يتحرك من حوله.
الإنسان أكبر من دور واحد
لا يمكن اختزال الإنسان في مهارة واحدة. فالجسد يحتاج إلى العقل، والطموح يحتاج إلى فهم، والنجاح يحتاج إلى رؤية. الرياضة مهمة وتخلق الانضباط، لكنها لا تمنح وحدها أدوات مواجهة تعقيدات الحياة. المدرسة هي التي تمنح التوازن، لأنها تعلم الطفل أن الحلم يحتاج إلى تفكير، وأن العاطفة تحتاج إلى عقل يرشدها. والقيمة الحقيقية لأي مجتمع تظهر في احترامه للمعرفة، لا في عدد التصفيقات داخل المدرجات، ولا في بريق الشهرة السريعة.
لا يمكن اختزال الإنسان في مهارة واحدة. فالجسد يحتاج إلى العقل، والطموح يحتاج إلى فهم، والنجاح يحتاج إلى رؤية. الرياضة مهمة وتخلق الانضباط، لكنها لا تمنح وحدها أدوات مواجهة تعقيدات الحياة. المدرسة هي التي تمنح التوازن، لأنها تعلم الطفل أن الحلم يحتاج إلى تفكير، وأن العاطفة تحتاج إلى عقل يرشدها. والقيمة الحقيقية لأي مجتمع تظهر في احترامه للمعرفة، لا في عدد التصفيقات داخل المدرجات، ولا في بريق الشهرة السريعة.
حكمة اللحظة التي تنذر
ما معنى مستقبل تُهمَّش فيه المدرسة؟ وكيف يمكن لجيلٍ يبحث عن النجومية أن يبني مجتمعاً يحتاج إلى الحكمة؟ وهل بوسع عقلٍ يهرب من الكتاب أن يواجه تحديات عالمٍ يتغيّر بسرعة مذهلة؟ إن إعادة الاعتبار للتعليم ليست رفاهية، بل شرط لبناء غدٍ متماسك. والسؤال اليوم: هل نملك الشجاعة لإصلاح الوعي، أم سنترك البريق يخطف أبصارنا بينما يبتعد العقل عن مكانه الطبيعي؟
ما معنى مستقبل تُهمَّش فيه المدرسة؟ وكيف يمكن لجيلٍ يبحث عن النجومية أن يبني مجتمعاً يحتاج إلى الحكمة؟ وهل بوسع عقلٍ يهرب من الكتاب أن يواجه تحديات عالمٍ يتغيّر بسرعة مذهلة؟ إن إعادة الاعتبار للتعليم ليست رفاهية، بل شرط لبناء غدٍ متماسك. والسؤال اليوم: هل نملك الشجاعة لإصلاح الوعي، أم سنترك البريق يخطف أبصارنا بينما يبتعد العقل عن مكانه الطبيعي؟