Thursday 30 October 2025
Advertisement
مجتمع

خريبكة تحتفي بخمسين سنة من إشعاع جمعية الشعلة.. نصف قرن من العطاء الثقافي والتربوي

خريبكة تحتفي بخمسين سنة من إشعاع جمعية الشعلة.. نصف قرن من العطاء الثقافي والتربوي لحظة من لحظات الأمسية
في مساء دافئ من أمسيات مدينة خريبكة، حيث يتعانق عبق الفوسفاط مع نكهة الثقافة، ويختلط الحنين بضياء الإبداع، احتفلت جمعية الشعلة للتربية والثقافة يوم السبت 25 أكتوبر 2025 بالخزانة الوسائطية التابعة للمكتب الشريف للفوسفاط، بالذكرى الخمسين لتأسيسها تحت شعار: «خمسون سنة من العمل الجاد والملتزم خدمة لقضايا المجتمع». لم يكن الحفل مجرد مناسبة احتفالية، بل كان لحظة تأمل جماعية في مسار طويل من العطاء والنضال الثقافي والتربوي الذي صنعته أجيال من الشعلويين المؤمنين بأن الثقافة هي طريق الوعي، وأن التربية هي جوهر بناء الإنسان.

انطلقت فعاليات الأمسية على أنغام النشيد الوطني الذي صدح في القاعة مفعما بروح الانتماء، تلاه نشيد الجمعية الذي أيقظ في النفوس ذاكرة خمسين عاما من الحلم و التضحية. بعد ذلك اعتلى المنصة رئيس الجمعية الأستاذ سعيد العزوزي، ليلقي كلمة كانت بمثابة شهادة على التاريخ وتأمل في الحاضر واستشراف للمستقبل.

 تحدث العزوزي بنبرة هادئة واثقة عن المسار الزاخر لجمعية الشعلة منذ تأسيسها، مؤكدا أن الشعلة ولدت لتضيء عتمات الأزمنة، وأن الاحتفاء بنصف قرن من العمل ليس لحظة مجد نعتز به بقدر ما هي لحظة تجديد للعهد ومسؤولية اتجاه الأجيال القادمة. وأضاف أن الجمعية شكلت على الدوام مدرسة في الفكر والعمل الجماعي، ومنبرا للتربية على قيم المواطنة والحرية والإبداع، واستطاعت أن تحافظ على إشعاعها بفضل صدق مشروعها المجتمعي وتلاحم أطرها وتشبثها بالقيم التي تأسست عليها. 

كما أشاد العزوزي بفرع خريبكة، واصفا إياه بـالنموذج الميداني في العمل التطوعي الجاد، لما يقدمه من مبادرات خلاقة  لفائدة الأطفال واليافعين والشباب، مجسدا بذلك روح الشعلة التي تؤمن بأن التنمية تبدأ من الإنسان وتنتهي إليه.

في كلمتها الترحيبية، عبرت الأستاذة نجاة حضار، نائبة مندوبة الفرع، عن سعادتها بهذا اللقاء الذي جمع أجيال الشعلة في لحظة وفاء واعتراف، مؤكدة أن الاحتفال بالذكرى الخمسينية باعتبارها  محطة رمزية، يتم فيها استحضار مسار طويل من التضحية ونكران الذات والفعل الثقافي والاجتماعي الذي ساهم في ترسيخ قيم المواطنة والتطوع داخل النسيج الجمعوي المحلي والوطني.

بعد الكلمات الافتتاحية، انطلقت الفقرات الفنية لتمنح الحفل رونقه الإبداعي، حيث عُرض شريط توثيقي يلخص محطات مشرقة من مسار فرع خريبكة، من إعداد شباب الفرع الذين أرادوا أن يترجموا حبهم للجمعية بعمل بصري يستعيد الذاكرة ويوثق العطاء. ثم قدم اليافعون لوحات راقصة بأداء مفعم بالحيوية، تبعها عرض مسرحي فلسطيني من إبداع أطفال الجمعية تعبيرا عن تضامنهم الانساني مع الشعب الفلسطيني البطل، وتوالت العروض الفنية تحمل رسائل تربوية عميقة جسدت براءة الطفولة وقوة الخيال وأهمية القيم الإنسانية في بناء مجتمع متضامن.
ولم يكن الفن الملتزم بعيدا عن هذا الموعد الثقافي، فقد أضفت فرقتا “الفوانيس” من الفقيه بن صالح و“الشفق” من خريبكة أجواء موسيقية راقية، غنت للوطن والكرامة والإنسان، وأعادت إلى الأذهان تلك المرحلة الجميلة التي كان فيها الغناء أداة للتعبير والمقاومة والنهوض بالوعي الجمعي. تناغمت الألحان مع تصفيقات الجمهور الذي وجد في هذا الفن الهادف صدى لقيم الشعلة وذاكرة حية لمبادئها.

أما الشعر فقد كان حاضرا كصوت الروح في هذا المساء الثقافي حيث ألقى الأستاذ بوسلام حسن قصيدة مهداة إلى جمعية الشعلة عبر فيها عن عمق الانتماء وامتداد الحلم الذي لم ينطفئ رغم تقلب الأزمنة. كلماته انسيبت في القاعة مثل نهر من الوفاء، تذكر الحاضرين بأن الثقافة تظل أجمل أشكال المقاومة، وأن الجمعيات لا تقاس بعمرها الزمني بل بعمق أثرها الإنساني.

وفي لمسة وفاء رمزية، كرمت الجمعية إثنين من مؤسسي فرع خريبكة، هما الأخ خالد مصباح والأخ محمد الصادق، عرفانا بإسهامهما الكبير في تأسيس الفرع ودعمه منذ البدايات. لحظة التكريم كانت مؤثرة، حملت بين طياتها معاني الامتنان والاعتراف بالجميل، وترجمت وفاء الشعلة لمن حملوا مشعلها في سنوات التأسيس الأولى. تصفيقات الحاضرين ودموع الفرح التي اختلطت بالذكريات جسدت مدى عمق هذا الاعتراف الذي ظل أحد أسرار استمرارية الجمعية، خاصة لحظة استحضار روح فقيد الجمعية المرحوم محمد أوحلي أحد رموز العمل الجمعوي الجاد الذي أفنى زهرة حياته فداء لقناعاته اتجاه الطفولة و الشباب.

ومع اقتراب إسدال الستار على هذه الأمسية الاحتفالية، كانت القاعة تغمرها أجواء من البهجة والاعتزاز، وارتسمت على الوجوه ملامح الفخر والانتماء، حيث لم يكن الحفل يقتصر على  الاحتفاء بمرور خمسين عاما بقدر ما شكل إعلانا متجددا عن الإيمان الراسخ بقدرة الثقافة على التغيير، وبأن إشعال شمعة في عتمة الواقع ما زال فعلا ممكنا من أجل مغرب جدير بأطفاله و شبابه.
 خريبكة المدينة العمالية التي صنعت مجدها بعرق أبنائها بدت في تلك الليلة مدينة تحتفي بالروح والفكر والإبداع وتستعيد ذاكرة جمعية ستظل شاهدا على أن العمل الجاد والالتزام الصادق هما الطريق الأجمل نحو بناء مجتمع متوازن. وفي ختام الحفل جدد الأستاذ سعيد العزوزي العهد باسم الجمعية قائلا: "ما دمنا نؤمن بالإنسان وبقدرة الثقافة على البناء فالشعلة ستظل مشتعلة مهما تغيّرت الأزمنة" وكانت تلك الكلمات بمثابة وعد للأجيال القادمة، بأن الشعلة ستبقى رمزا للنور والإصرار، وفضاء مفتوحا للتربية والإبداع والمواطنة الفاعلة.

هكذا أسدل الستار على ليلة من أجمل ليالي الشعلة التي امتزج فيها الماضي بالحاضر، والذاكرة بالأمل، في مشهد احتفالي يختزل مسيرة نصف قرن من العمل الجاد والعطاء الثقافي، مسيرة تؤكد أن جمعية الشعلة للتربية والثقافة لم تكن يوما مجرد جمعية عادية ، بل كانت فكرة وحلما وإنسانا يكتب فصول الحكاية المغربية المضيئة بحبر الالتزام والإبداع الذي لا ينطفئ.