بعد اربع سنوات من ولاية حكومة السيد عزيز أخنوش، تكشف الأرقام والبيانات الرسمية عن صورة قاتمة للوضعية الاقتصادية والمالية، حيث تتعثر الجهود الرامية إلى تحقيق التوازنات الكلية في شبكة من التحديات الهيكلية والظرفية، تاركة المواطن والمقاولة يحملان تبعات سياسات يغلب عليها طابع الترقيع وغياب الرؤية الاستراتيجية بعيدة المدى.
تباطؤ النمو وارتفاع الكلفة الاقتصادية للجفاف
تشير أحدث التوقعات من وزارة الاقتصاد والمالية إلى أن وتيرة النمو الاقتصادي ستبقى متواضعة حيث يُتوقع أن تصل إلى نحو 3.2 % بنهاية عام 2024، بعد أداء معتدل قدره حوالي 3.4 % في 2023. ويُعزى هذا النمو المحدود إلى استمرار تداعيات موجة الجفاف التي اجتاحت المغرب، والتي تسببت في أداء ضعيف للقطاع الفلاحي، إذ شهد هذا القطاع انكماشًا يُقدَّر بحوالي -4.9 % في 2024، رغم كونه يشكّل دعامة أساسية للاقتصاد بنحو 14 % من الناتج المحلي الإجمالي. تعكس هذه الصدمة المناخية نقطة ضعف هيكلية في الاقتصاد تتمثل في الاعتماد الكبير على الأحوال المناخية.
انفجار غير مسبوق في فاتورة الدعم
أوضحت معطيات قانون المالية لسنة 2024 أن نفقات تعويض أسعار المحروقات والطاقة والسكر والدقيق قفزت إلى 40 مليار درهم حوالي 4 مليارات دولار) في عام 2023، بعد أن كانت قد سجلت 28.8 مليار درهم في عام 2022. هذه القفزة الهائلة، التي تمثل ما يقرب من 3% من الناتج المحلي الإجمالي، تحولت إلى ثقاب يصعب على الخزينة العامة تحمله، مما دفع بالعجز إلى مستويات خطيرة.
عجز مالي مرتفع ومستدام
من المتوقع، حسب نفس قانون المالية، أن يبلغ العجز المالي 5% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2024، بعد أن اختتم عام 2023 بعجز يقدر بنحو -5.2%. ورغم أن هذا العجز يظل في حدود المسموح به في إطار اتفاقيات الصندوق، إلا أنه يعكس استمرار عدم التوازن بين الإيرادات والنفقات، مع اعتماد شبه كلي على الاقتراض لسد الفجوة.
استمرار منحى المديونية المقلق
تبعًا لبيانات الخزينة العامة، من المتوقع أن يرتفع الدين العمومي إلى 75.6% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2024، مقارنة مع 71.2% في عام 2021. هذا الارتفاع المستمر يزيد من خدمة الدين، والتي استأثرت بما يقارب 34.2 مليار درهم في مشروع موازنة 2024، وهو مبلغ يفوق حجم الاستثمارات المخصصة لبعض القطاعات الاجتماعية الحيوية.
تضخم مستشرٍ وتردي القوة الشرائية
ظل معدل التضخم عند مستويات مرتفعة، مسجلاً 6.1% على أساس سنوي في سبتمبر 2023، وفقًا للمندوبية السامية للتخطيط. وكانت أسعار المواد الغذائية، المحرك الرئيسي للتضخم، قد قفزت بأكثر من 11.4% في المتوسط. هذا الارتفاع الصاروخي دفع بأكثر من 1.7 مليون شخص إلى هوة الفقر أو الهشاشة، وفقًا لتقرير حديث للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، مما يعني تراجعًا ملموسًا في جودة المعيشة للطبقة المتوسطة والفقيرة.
تراجع الصادرات وضعف التنافسية
على الرغم من ارتفاع صادرات قطاع السيارات، فإن الميزان التجاري لا يزال يعاني من عجز هيكلي. ففي الأشهر التسعة الأولى من عام 2023، بلغ العجز التجاري 252.3 مليار درهم، بزيادة قدرها 3.2% مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي. هذا العجز يظهر محدودية تأثير "صندوق التحدي" في تعزيز تنافسية القطاعات الإنتاجية التقليدية في ظل ارتفاع كلفة الطاقة والمدخلات.
أزمة التشغيل المستعصية
لا تزال نسبة البطالة عند مستوى مرتفع بلغ 13.5% على الصعيد الوطني في الربع الثالث من عام 2023، وفقًا للمندوبية السامية للتخطيط. والأخطر من ذلك، أن بطالة حاملي الشهادات العليا ارتفعت إلى 21.1%، مما يشير إلى فجوة عميقة بين مخرجات النظام التعليمي ومتطلبات سوق العمل، وهو إخفاق تتحمل الحكومة جزءًا كبيرًا من مسؤوليته.
تراجع الاحتياطي النقدي وضغوط سعر الصرف
شهدت احتياطيات المغرب من العملة الصعبة تراجعًا ملحوظًا، حيث بلغت حوالي 332 مليار درهم (نحو 33 مليار دولار) في نهاية أكتوبر 2023، وهو ما يعادل حوالي 6 أشهر من الواردات. هذا التراجع، رغم أنه لا يزال في منطقة الأمان، يزيد من هشاشة الاقتصاد أمام الصدمات الخارجية ويحد من قدرة بنك المغرب على التدخل للحفاظ على استقرار سعر صرف الدرهم.
ضعف أداء قطاع السياحة والتحويلات
على الرغم من تعافي قطاع السياحة، حيث بلغ عدد الوافدين حوالي 11 مليون سائح حتى نهاية سبتمبر 2023، فإن الإيرادات ظلت دون المستوى المتوقع. كما أن نمو التحويلات المالية للمغاربة المقيمين بالخارج شهد تباطؤًا، مسجلاً زيادة بنسبة 2.5% فقط في الأشهر التسعة الأولى من 2023 مقارنة بالعام الماضي. هذه المصادر الحيوية للعملة الصعبة لم تشكل حاجزًا كافيًا ضد العجز التجاري المتزايد.
الاستثمار العام: وعود كبيرة وتنفيذ محدود
رغم الحديث المتكرر عن "دفع الاستثمار العام"، تشير تقارير المجلس الأعلى للحسابات إلى وجود تأخير كبير في تنفيذ برامج الاستثمار. فمعدل تنفيذ ميزانية الاستثمار لم يتجاوز 54% في نهاية سبتمبر 2023، مما يعني ضياع فرص تشغيلية واقتصادية كان من شأنها أن تنعش الطلب الداخلي وتخفف من حدة الركود.
خلاصة مريرة
الأرقام لا تكذب. المشهد الاقتصادي الكلي في عهد حكومة أخنوش يرسم صورة لمسار محفوف بالمخاطر، حيث تتفاقم الاختلالات الهيكلية تحت وطأة الصدمات الخارجية وسياسات داخلية تفتقر إلى الجرأة والإبداع. لقد تحولت الأولوية من "تحقيق التوازنات" إلى "إدارة الأزمة"، مع تبعات اجتماعية ثقيلة يدفع ثمنها الأكثر هشاشة. السؤال الذي يفرض نفسه اليوم هو: إلى متى يمكن للموازنات أن تتحمل هذا العبء، وإلى أي مدى يمكن للصبر الاجتماعي أن يستمر في ظل غياب بارقة أمل حقيقية تعيد الثقة في المستقبل؟
حميد فايو، دكتور في الاقتصاد وأستاذ زائر