Thursday 18 September 2025
خارج الحدود

ادريس الفينة : هل جاء ترامب لإنقاذ اقتصاد المملكة المتحدة؟

ادريس الفينة : هل جاء ترامب لإنقاذ اقتصاد المملكة المتحدة؟ ملك بريطانيا( يمينا) والرئيس الأمريكي
تتكشّف زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى بريطانيا (16–18 سبتمبر/أيلول 2025) في مزيجٍ من الرمزية الملكية والسياسة الاقتصادية؛ استقبال في وندسور، مأدبة دولة، ثم انتقالٌ إلى محادثات عمل في تشيكرز مع رئيس الوزراء كير ستارمر. هي ثاني زيارة دولة لترامب إلى المملكة، ما يجعلها سابقة بروتوكولية تُستثمر لبث رسالة ثقة في “العلاقة الخاصة” بقدر ما تُستثمر في الاقتصاد.
 
على مستوى الإعلانات، تقول الحكومة البريطانية إن الزيارة استحضرت تعهّدات استثمارية “قياسية” قوامها نحو 150 مليار جنيه إسترليني من شركات أميركية—أكبر حصيلة تُنسب إلى زيارة دولة—مع تقدير رسمي بخلق نحو 7,600 وظيفة. بالتوازي، تحدّثت تغطيات أخرى عن مسارٍ أوسع من “الاستثمارات المتدفقة في الاتجاهين” وصل به الخطاب السياسي إلى أرقام أعلى. المهم هنا ليس رقم العنوان بقدر ما هو سؤال التنفيذ: ما الذي سيُبنى، وأين، وبأي سلاسل توريد محلية؟  
 
المسار الأكثر وضوحًا هو ما وُقّع تحت مسمى اتفاقٍ تقني لتعزيز الاستثمار في الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمية والطاقة النووية؛ إطارٌ يَعِد بترقية “رأسمال التكنولوجيا” البريطاني إذا تحوّلت الوعود إلى إنفاق فعلي خلال 12–36 شهرًا، ومعه فرص لوظائف مرتفعة الأجر في منظومات البيانات والمختبرات ومراكز المعطيات. لكن أثره الكلي على النمو لن يكون فوريًا بحكم طبيعة دورات الاستثمار والإنشاء والمهارات.  
 
على الضفة المقابلة، بقي ملف التجارة والرسوم حاضرًا في النقاشات، وهو قناة تأثيرٍ أسرع على الصناعة البريطانية من وعود الاستثمار بعيدة الأجل؛ إذ إن أي انفراج ملموس—إعفاءات أو تخفيفات—يُحسّن فورًا هوامش المُصدِّرين ويُعيد تنشيط سلاسل القيمة العابرة للأطلسي. حتى لحظة الكتابة، ظلّ هذا الملف جزءًا من حزمة تفاوضية قَيْد التحريك أكثر منه واقعًا ناجزًا، ما يعني أن وزن “الإنقاذ السريع” يظل مشروطًا بما سيتبلور بعد المغادرة لا أثناء العناوين.  
 
الزيارة نفسها لم تخلُ من التوتّر السياسي والاجتماعي: حشودٌ مؤيدة وأخرى محتجّة في شوارع لندن ووندسور، ونقاشٌ عام محتدم حول جدوى “تأميم” وعود الشركات العالمية في اقتصادٍ يحتاج إلى إنتاجية أعلى، لا إلى صورٍ احتفالية فقط. ومع أنّ البروتوكول أظهر دفئًا استثنائيًا—وفضاءً إعلاميًا مواتيًا—يبقى تحويل الصورة إلى ثقة استثمارية مسألةَ وقتٍ ومعايير تنفيذية قابلة للقياس.  
 
فهل يريد ترامب “إنقاذ” الاقتصاد البريطاني؟ الأدقّ أن للرئيس الأميركي مصلحةً في صفقةٍ رابحةٍ تُوسّع نفوذ الشركات الأميركية في سوقٍ صديقة، فيما يسعى ستارمر إلى تسخير الزيارة لإعادة تموضع الاقتصاد البريطاني على منحنىٍ أرفع من الاستثمار والإنتاجية. ما بين المصلحتين، تظهر نافذة إمكانية حقيقية—لكنها مشروطة بثلاثة أمور: أولًا، ربط الاستثمارات بمكوّنٍ محلي واضح (سلاسل توريد، تدريب، ومحتوى تكنولوجي مُنتَج داخل بريطانيا) حتى لا تتسرّب القيمة للخارج. ثانيًا، إحراز تقدمٍ ملموس في ملف الرسوم لتخفيف الكوابح عن القطاعات المتصلة بالمعادن والتجهيزات. ثالثًا، إعلان جداول زمنية ومؤشرات متابعة علنية (مواقع المشاريع، الطاقات الاستيعابية، عدد الوظائف ونوعيتها) تعيد الوعد إلى أرض الواقع. عندها فقط يمكن الحديث عن “إنقاذ” بمعناه الاقتصادي لا الإعلامي.