الطريق الرابع وإميل زولا – قراءة أولية
المقدمة:
يمثل مفهوم "الحاشية السفلى" مركزًا محوريًا في مشروع "الطريق الرابع"، حيث يتحول هذا المفهوم من مجرد توصيف اجتماعي إلى أداة نقدية وسياسية تهدف إلى إعادة الاعتبار للفئات المهمشة في المجتمع المغربي، ولإثارة الانتباه لأوضاعها التي تقتضي أوضاع اهتمامًا خاصًا ومركّزًا من الأحزاب السياسية في برامجها الانتخابية ومذكراتها التوجيهية. هذا المفهوم يتقاطع مع الرؤية الأدبية لإميل زولا ( 1840 - 1902) الذي كرّس رواياته لتسليط الضوء على الواقع المعيش للفئات العاملة والمهمشة، ولا سيما في روايته الشهيرة "جيرمينال"* التي قدم فيها دراسة موسعة لحياة عمال المناجم في فرنسا.
الحاشية السفلى في مشروع الطريق الرابع
لقد اعتبرنا منذ الانطلاقة الأولى لمشروع الطريق الرابع في سنة 2017، أن "الحاشية السفلى" تمثل المجال المنسي في خطاب النخب والأحزاب السياسية، حيث يُنتج الألم والمعاناة الحقيقية، ويتجلى فيها "الوطني الحقيقي" (المريزق، 2022). كما أكدنا في العديد من المناسبات على أن أي شروع سياسي فعلي يجب أن ينبني على واقع هذه الحاشية وأمثالها وليس على الخطابات النظرية المجردة:
"لا يمكن لأي مشروع سياسي أن يتجاوز أزمته الحقيقية دون أن يرتكز على معرفة مباشرة بمعاناة من في الحاشية، أولئك الذين صمتهم هو تاريخ يُعاد إنتاجه يوميًا." (المريزق، 2022).
لقد قمنا بمجموعة من الزيارات الميدانية إلى مدن المناجم المغربية مثل خريبكة، جرادة، وواد زم، حيث وثّقنا ميدانيًا ( بالصوت والصورة) أوضاع الفئات المهمشة وضحايا مدن المناجم، ونشرنا بيانات ومقالات تعكس هذه الأوضاع وتطالب بتغيير جذري لأوضاع هؤلاء (المريزق، 2023).
هذه الزيارات أضافت مصداقية قوية لمشروع الطريق الرابع، الذي يصوغ رؤيته انطلاقًا من الواقع الاجتماعي والاقتصادي لتلك المناطق.
إميل زولا: رواية "الحاشية السفلى" وتحليل البنية الاجتماعية
في الأدب الأوروبي، يُعد إميل زولا من أبرز من انتقلوا بالرواية من مجرد سرد قصصي إلى تحليل اجتماعي دقيق من منظور الواقعية الطبيعية (وهو في الواقع يُعد مؤسس هذه المدرسة وممثلها الأبرز في فرنسا)، في جيرمينال (1885)، يقدم زولا وصفًا مفصلًا لحياة عمال المناجم في فرنسا:
"كانوا يُدفنون أحياء تحت الأرض، ليس فقط بحجارة المناجم، بل بقسوة النظام الذي استغل عرقهم وحياتهم. كما تحكي الرواية قصة "Étienne Lantier"، عامل عاطل ينضم إلى منجمي الفحم في "مونسو"، حيث يكتشف البؤس، الفقر، والاستغلال الذي يعاني منه العمال. يقود لاحقًا إضرابًا احتجاجًا على ظروف العمل القاسية، لكن الإضراب يفشل، ويزداد الوضع مأساوية. رغم ذلك، تترك الرواية بصيص أمل في التغيير والنهوض".
يتميز عمل زولا بأنه لم يكتفِ بوصف المأساة، بل جعله وسيلة للفضح الاجتماعي، مؤكدًا على ضرورة إدماج هذه الفئات في المشروع الاجتماعي والسياسي.
الطريق الرابع كامتداد مدني وحقوقي لرؤية زولا الأدبية
يُشكل مشروع "الطريق الرابع" امتدادًا مدنية وحقوقيا للرؤية الإنسانية والاجتماعية التي جسدها زولا أدبيًا، حيث لا يكتفي بتمثيل الفئات المهمشة وإنما يسعى لتمكينها سياسيًا. كما يهدف إلى تصوير الواقع كما هو، دون تجميل، مع التركيز على الطبقات الكادحة والمهمشة:
"لم أجد في خريبكة أو جرادة أو واد زم مجرد أرقام إحصائية، بل وجوهًا تحمل إرادة الحياة رغم الظروف القاسية، وهذا هو مدخلنا إلى مشروع الطريق الرابع، حيث يكون صوت الحاشية هو صوت القرار." (المريزق، 2023، بيان ميداني).
الخاتمة:
حاولنا في هذه الشذرات من كتاب الطريق الرابع- الجزء ، مقاربة إحدى روايات إميل وزولا، الأديب الفرنسي الشهير، للقول بأن "الحاشية السفلى" ليست عبئًا على المجتمع، بل هي جوهره الصلب وحجره الأساس، لا يمكن لأي مشروع تغييري أن ينجح دون إشراكها.
هذا التفاعل بين الأدب والسياسة يشكل دعوة قوية لإعادة صياغة التاريخ من منظور الهامش، حيث يبدأ التغيير الحقيقي.
تعدّ رواية "جرمينال واحدة من أشهر كلاسيكيات الأدب الفرنسي. ورغم أنها جزء من السلسلة الروائية "أسرة روغون ماكار"، إلا أنها تزيد عن جميع الروايات شهرة، بل إنها أشهر من السلسلة في مجملها ( العربي الجديد، 2021).
المصطفى المريزق /مؤسس الطريق الرابع