Tuesday 2 September 2025
كتاب الرأي

عبد الرزاق وردة: إنتخابات 2026 .. تعديلات ورهانات

عبد الرزاق وردة: إنتخابات 2026 .. تعديلات ورهانات عبد الرزاق وردة

بمناسبة عيدالعرش، وجه جلالته خطابا تطرق فيه إلى ما حققته بلادنا من منجزات وبرامج على عدة مستويات، كما توقف بالمناسبة عند بعض مظاهر النقص والإختلال مشيرا إلى مظاهر الفقر والهشاشة بسبب النقص في البنيات التحتية والمرافق الأساسية وخاصة في العالم القروي، لهذا دعا جلالته إلى الانتقال من المقاربات التقليدية للتنمية الإجتماعية إلى مقاربة للتنمية المجالية المندمجة.
...
ونحن على بعد سنة تقريبا من إجراء الانتخابات التشريعية المقبلة، في موعدها الدستوري والقانوني العادي، نؤكد على ضرورة توفير المنظومة العامة المؤطرة لانتخابات مجلس النواب، وأن تكون معتمدة ومعروفة قبل نهاية السنة الحالية.
وفي أفق تحضير الاستحقاقات المقبلة، أعطى جلالته توجيهاته لوزير الداخلية من أجل الإعداد الجيد للانتخابات التشريعية، وفتح باب المشاورات السياسية مع مختلف الفاعلين.


وبالفعل عقد وزير الداخلية اجتماعين متتاليين مع قادة كافة الأحزاب السياسية، حيث ذكر البلاغ الصادر في هذا الشأن؛ ان الإجتماعين يندرجان في إطار التنفيذ الفوري للتعليمات الملكية، كما أشار البلاغ إلى أنه على إثر المناقشات البناءة التي طبعت أشغال هذين اللقاءين، تم الاتفاق على أن تقوم الأحزاب السياسية بموافاة وزارة الداخلية داخل أجل أقصاه نهاية شهر غشت الجاري، باقتراحاتها المتعلقة بالإطار المنظم للانتخابات التشريعية لسنة 2026وذلك حتى يتأتى دراستها والتوافق في شان التدابير ذات الطابع التشريعي التي يتعين صياغتها وعرضها على المسطرة التشريعية خلال الدورة البرلمانية الخريفية المقبلة، في أفق إخراجها إلى حيز الوجود قبل متم السنة الحالية.


مما لا شك فيه أن الخطاب الملكي لهذه السنة كان متميزا؛ حيث يعكس الارادة الملكية القوية لتكريس الأسس الديمقراطية ومواصلة البحث عن السبل الكفيلة لتحقيق التنمية الاجتماعية والمجالية في أفق كسب الرهانات المطروحة على بلادنا ورفع التحديات التنموية على اختلاف مستوياتها.


إن التحضير والاستعداد للانتخابات التشريعية المقبلة، وان كانت تعني في المقام الأول كافة الأحزاب السياسية، فلا ينبغي الاقتصار عليها في المشاورات، فالانتخابات تعتبر شأنا عاما مما يستدعي نهج المقاربة التشاركية بدعوة كافة الفاعلين والمهتمين والمعنيين والباحثين للمساهمة في النقاش العمومي والذي يعود الفضل في إثارته وتدشينه إلى صاحب الجلالة بخطابه الأخير.


إن العمل على تجويد النصوص القانونية المؤطرة للعمليات الانتخابية يستوجب العودة بالتحليل والتمحيص إلى ما لا يقل عن3 قوانين ناهيك عن المراسيم ذات الصلة؛ بدء بالتعاطي مع القانون رقم57.11 المتعلق باللوائح الانتخابية العامة، ومرورا بالقانون التنظيمي رقم 21.07 المتعلق بالأحزاب السياسية وما يعتريه من فجوات ونواقص و وصولا إلى القانون التنظيمي رقم 04.21 المتعلق بانتخاب مجلس النواب.


إن انتظامية تجديد الولايات الإنتخابية، التي أكدها الخطاب الملكي الاخير، يعد مكسبا قانونيا وسياسيا، فإذا كنا على بعد حوالي سنة من انتخابات مجلس النواب، فإن متابعة النقاش العمومي حول الموضوع، وتفريغ مذكرات كافة الأحزاب السياسية والوقوف على مقترحاتها وتعديلاتها وإقرار التوافق السياسي الضروري حولها، قبل الشروع في مباشرة المسطرة التشريعية في الدورة البرلمانية الخريفية، فإننا أمام إكراه زمني؛ حيث لا نتوفر إلا على حيز ضيق لا يتجاوز حوالي 4 اشهر، علما أن الدورة الخريفية التي سيفتتحها جلالة الملك يوم الجمعة 10 اكتوبر القادم، تعد دورة الدراسة والتصويت على مشروع قانون المالية بامتياز. فنحن أمام رهان صعب ولكن ليس بالمستحيل إذا توفرت الإرادات السياسية وانصهرت مختلف الجهود في بوثقة المصلحة العامة لبلادنا بعيدا عن التجاذبات والبحث عن المنافع الذاتية والمصالح الحزبية الضيقة.


والجدير بالتذكير أنه كلما قربت الانتخابات، يتجدد النقاش وتتكرر الطروحات حول نفس القضايا والإشكالات لتخلص الاحزاب، تحت إشراف وزارة الداخلية، كل مرة إلى توافق سياسي لا تلبث الهيئآت التي لم تسعفها النتائج، إلى نقد ما تم التوافق حوله.
ولقد سبق لوزير الداخلية الحالي أن ترأس في صيف سنة 2020 سلسلة من الاجتماعات مع الأحزاب السياسية لنفس الغرض؛ أي دراسة ومناقشة التعديلات والمقترحات لتضمينها النصوص القانونية المؤطرة للعمليات الانتخابية لسنة 2021
تخيلوا معي أني عدت إلى مقال كنت كتبته منذ حوالي عشرين سنة حول هذا الموضوع فوجدته لازال ذو راهنية، لهذا اقتبست منه بعض المقاطع لأعزز به ما سبق ذكره.
تقول الورقة: لماذا كلما أوشك موعد الانتخابات نعيد النظر في القوانين والمقتضيات المؤطرة لهذه الاستحقاقات دون فسح المجال لخلق التراكمات اللازمة بإعطاء الوقت الكافي قبل الحكم على هذه الصيغة او تلك؟

صحيح ان التجربة الديمقراطية المغربية لا زالت فتية في الوقت الذي تقاس فيه في البلدان الديمقراطية بالقرون، لكن لا ينبغي أن يشكل هذا مبررا ودافعا للانتقال كلما حل موعد الانتخابات من صيغة الى اخرى، وكأن ما نقوم به يدخل في إطار المنطق التجريبي وكأننا اعتمدناه عن وعي منهجا نسلكه بحثا عن الصيغ الأكثر ملاءمة لأوضاعنا وخصوصياتنا، في الوقت الذي علينا أن نكون ملمين بواقعنا واعين بما نريد. وانطلاقا من ذلك، نحدد سلفا بكل دقة، الأهداف والغايات التي نروم تحقيقها، فيسهل علينا بذلك اختيارمدونة انتخابات تليق بنا وتتماشى مع احوالنا.


وإذا كان من البديهي إدخال بعض التعديلات على النصوص الانتخابية على ضوء نتائج الاحصاء العام للسكان والسكنى لسنة 2024 فإن المتتبع للشأن الانتخابي في بلادنا منذ حوالي 3 عقود، يجد نفسه أمام نفس العناصر والمقتضيات التي لا تلبث أن تستقر على حال حتى يتم تغييرها ليلة كل استحقاق؛ وأذكر في هذا السياق أن الأمر يتعلق غالبا ويتكرر مع اللوائح الإنتخابية العامة والتقطيع الانتخابي ونمط الاقتراع والتمويل العمومي وعدد أعضاء مجلس النواب في ارتباط مع تمثيلية النساء والشباب والاطر وربما مغاربة العالم ..

 

إن قراءة بنية اللوائح الانتخابية العامة تبين مدى طبيعة التأثيرات التي تمارسها المؤشرات النوعية على نتائج الانتخابات، فالفئة العمرية ما بين 18 و24 سنة، على سبيل المثال، لم تكن تمثل سوى 3% من عدد المسجلين في اللوائح الانتخابية العامة التي تم حصرها بتاريخ 31 مارس 2021 والتي لم تكن تضم سوى 17.286.278 مسجل؛ أي ما يمثل بالكاد نصف سكان المغرب آنذاك، لنتساءل عن "الباقي استخلاصه" أي عدد الملايين من المغاربة الذين يمتنعون عن التسجيل وبالتالي لا يدلون بأصواتهم يوم الإقتراع، ومن تمة ضعف نسبة المشاركة التي لا ترقى إلى المستويات المرغوب فيها.


إن العزوف عن التسجيل والتصويت مرده في اعتقادنا إلى هزالة العرض السياسي وابتذال الممارسة السياسية وإلى الإحباطات و النكسات المتوالية جراء سلوكات "نخبة" فاسدة متهالكة تسللت إلى مواقع التمثيلية والمسؤولية في بعض المؤسسات الدستورية المنتخبة المحلية منها والوطنية، وما التقارير السنوية للمجلس الأعلى للحسابات وما تتناقله وسائل الإعلام على اختلاف منابرها إلاعلامية إلا دليل ساطع على استشراء الفساد وتمدده...


فقد رفض474 مرشحا في الانتخابات السابقة إيداع حسابات حملاتهم الإنتخابية لدى المجلس الأعلى للحسابات رغم المراسلات و الإنذارات التي وجهت لهم، كما أن تسعة أحزاب لم ترجع مبالغ الدعم الواجب إرجاعها إلى خزينة الدولة، في الوقت الذي عجز فيه 17 حزبا عن تبرير المصاريف، وفي محاولة بئيسة لتبرير بعض المصاريف أدلت أحزاب بفواتير تحمل اسماء الغير.
هذا ناهيك عن عدد القضايا الرائجة في المحاكم متابع فيها العشرات من المنتخبين جراء أعمال التزوير والغش واستغلال النفوذ وتبذير المال العام إلى غير ذلك من الاتهامات التي نالت من مصداقية المؤسسات الدستورية المنتخبة ومن المنتخبين الذين أصبحت صورة السواد الأعظم منهم سيئة ومشروخة.


والغريب في الأمر، انه في هذه الظروف، تجرأ بعضهم " بلا حشمة بلا حياء" مطالبا برفع عدد أعضاء مجلس النواب من 395 إلى 495؛ يعني إضافة 100 مقعد آخر تحت ذريعة تمثيلية النساء والشباب. علما أن هذه الفئة الأخيرة قد تم التخلي عنها في الانتخابات السابقة جراء ما شهدته التزكيات من ترضيات وزبونية وريع سياسي ..

وخلاصة القول: كفانا من التجارب؛ فنظام التمثيل النسبي بواسطة القوائم يعد مكسبا سياسيا ينبغي تنقيحه وتطويره في أفق تثبيته وتحصينه انسجاما مع تعداد 2024 وتجاوبا مع التحولات التي تعرفها بلادنا وذلك نحو الديمقراطية الحقة وتكريس مبادئها وقيمها تقوية للجهة الداخلية والتفرغ لتحقيق التنمية بكل أبعادها البشرية والمجالية.

 

من هذا المنطلق ، لنا القناعة الراسخة أن اعتماد نمط الاقتراع باللائحة، جهويا ووطنا، مع رفع نسبة العتبة ( 8% مثلا) واعتماد القاسم الانتخابي على اساس الأصوات المعبر عنها، كماهو متعارف عليه في البلدان ذات التجربة الديمقراطية العريقة، وتوزيع ما تبقى من الأصوات على اساس أكبر معدل، مع ما يتطلب ذلك من لوائح محينة وخالية من الشوائب واعتماد تقطيع انتخابي وفق معايير علمية موضوعية؛ إنها بعض الآليات والميكانزمات التي من شأنها أن تحد من بلقنة المشهد السياسي وتساهم في توضيح الخريطة الحزبية وتسهل التقاطبات وعقد التحالفات.

 

ومهما يكن من امر، فإن التعاطي مع العمليات الانتخابية بالتركيز على النصوص القانونية لوحدها، مهما بلغت جودة مقتضياتها، يظل ناقصا ومعيبا ما لم ترافقه مجموعة من القرارات والآليات في ظروف مكتملة العناصر والعوامل التي تحدد المعادلة الانتخابية. فالمدخل الأساس الذي يؤهل بلادنا لتتبوأ مكانة ضمن الدول الديمقراطية هو التوفر على الارادة السياسية القوية للقطع مع الأساليب البائدة التي علقت بعموم الاستحقاقات السابقة لكي يتسنى لنا التطلع لإجراء انتخابات حقيقية حرة ونزيهة بعيدة عن الخطابات والشعارات.