Sunday 6 July 2025
كتاب الرأي

عبد الحكيم الزاوي: ماذا تعني الوطنية في عهدنا الجديد؟ 

عبد الحكيم الزاوي: ماذا تعني الوطنية في عهدنا الجديد؟  عبد الحكيم الزاوي
 بِتَحَصُّل البلد على استقلاله تجاذبت ثلاث فئات صراعات القوة والنفوذ: فئة أولى بحثت عن معنى الاستقلال، وفئة ثانية قرنت بين تحققه وإنجاز مسار الإصلاحات السياسية، وفئة ثالثة أحالت الكلمة إلى مضمون فارغ...الثابت في التاريخ، أن الكلمة لا تحيل على شيء إذا لم تُفضِ نحو تحرير الفرد من القهر الاجتماعي أولا، واستبداد السلطة ثانيا...
حقَّقت الحركة الوطنية هدفها بفسخ عَقد الحماية، لكنها لم تهتم بالفرد تاليًّا. ظلَّ الفرد في حالة فقر وجهل ومرض...يتدخل المؤرخ هنا ليطرح الأسئلة الآتية: كيف يجب أن نَنظر إليها بعد استكمال المهمة؟ هل نَستبين الفرق بين وطنية الحزب ووطنية المجتمع؟ ماذا عن المجتمع؟ هل يَظهر في حالة انسجام اليوم أقوى من زمن الحماية؟
 ماذا عن مفهوم السيادة الوطنية؟ حينما نقترب من العروي، ونُعيد معه تشكيل صورة السلاطين المغاربة، نصل إلى جوهر الفكرة التي تقول بأن الحسن الأول جَسَّد السيادة المغربية، وفرض على الدول الاعتراف بها، والملك الحسن الثاني جسَّد السيادة المغربية بكيفية لم تُرض جزءًا كبيرا من النخبة المثقفة، بينما محمد الخامس ومحمد السادس جسَّدا سيادة مغربية بموافقة الأغلبية الكبرى من المغاربة، أميين ومثقفين...
ماذا تعني الوطنية في وضعنا الجديد؟ الوطنية كأدلوجة، هي تعبير بالمفاهيم والألفاظ، لكنها، لا تعدو أن تكون إلا استحضارًا لمسار تاريخي يريد أن يَظهر في حالة صفاء وتميز خالٍ من الشوائب...التاريخ الوطني هو ما يُروى من ناقلٍ لآخر، من شاهدٍ لآخر، مُبسطا، مُنسقا، مُقومًّا، ومُرسخا في وجدانيات الناس، لا تاريخ الباحثين والنقاد...يَجري باستمرار صناعة تاريخ يُدرجه البعض ضمن تاريخ مُؤسطر، أو تاريخ يخدم "الأسطرة الذهبية".
هل للوطنية دور في صناعة مستقبل الأمة؟ الوطنية تحضر كوصية على الماضي، ومُتعهدة بمهمة التبليغ. تُمثلها بالضرورة أقلية، تدَّعي لنفسها الجدارة والأهلية، هكذا، كان طبعها قبل وبعد الحماية، أَوَ لا تحمل علامة ضعفها في ذاتها ولذاتها؟ ضُعفها هو ضعف النخبة الحاكمة، وضعف المجتمع برمته، بل ضعف سردية التاريخ المُشيدة عليها، لأنها، تختزل التاريخ في تاريخ يُمجد الموحدين والسعديين، ويتجاهل عهد الوطاسيين، والفترة التي سبقت السقوط في جحيم الحماية...  
الوطنية ضرورة لا يمكن بحالٍ إهمالها أو تجاوزها، لكنها بالتعريف مختلفة عن الواقع، والأمر ليس خاصا بالوطنية المغربية، بل يوجد في وطنيات جميع الشعوب، وقد لا تفهم ذلك نخبة الدولة، وقد تظهر للبعض أقل وطنية، ومستوى وعي شبابها اليوم عالٍ من الوجهة التقنية، واطئٌ من الوجهة التاريخية والسياسية...
ماذا عن المخزن؟ المخزن أولا هو هيئة ونظام له عقلية وطريقة عمل ووسائل تنفيذ معينة...يبدو اليوم مُعرَّض للازدراء، أو الرفض الصريح، إما عن جهل، وإما عن مُدارسة وتمحيص...قد يقال هذه وطنية ضد وطنية، ثورة داخل ثورة، أي وطنية الشعب ضد وطنية الحكام...
نشهد اليوم تحولا يُشبه ما حدث في ثلاثينات القرن الماضي عندما توازت وطنية الشبان مع وطنية الأعيان...