إلى الدكتور عبد الفتاح نعوم...
لم أكن محتجزا كما يتصور البعض، ولم تكن هناك قضبان من حديد، ولا سلاسل في قدمي، ولا سجان يتلو علي الأوامر في كل صباح...
غير أنني ورغم ذلك لم أكن حرا.
عشت في مخيمات لحمادة سنوات طويلة. تربيت على رواية واحدة، وسمعت نشيدا واحدا، وتعلمت أن أشك في كل شيء خارج تلك الخيام...
قيل لي إن الوطن خذلني وإن العودة خيانة..وإن العالم يتآمر علينا، وإن خلاصنا في جمهورية لا أحد يعرف كيف ستكون...
لم يكن هناك سجن بالمعنى المادي...
لكنني كنت أسكن في سجن من الكلمات والشعارات والشحن الإيديولوجي..
كنت جزءا من جماعة تخشى أن تفكر وتخاف أن تسأل وتلوذ بالشعارات بدل الحقيقة..
لم أكن محتجزا في مكان، بل في ذهني...
كانت الخرائط المعلقة على جدران المدارس المبنية من الطين ترسم لي عالما من الأحلام، لا تفتح نوافذه على أي أفق واقعي...
وكان "الآخر" دائما هو العدو: المغرب، الدولة، الإعلام، التاريخ، وحتى بعض الأهل...
وكلما كبرت واتسع مجال الرؤية بما يكفي لاكتشاف الحقيقة ، كبرت الأسئلة في داخلي: لماذا لا يسمح لنا بالعودة؟
لماذا لا يوجد إحصاء؟
لماذا لا نملك الحق في اختيار مصيرنا كما نطالب به؟ لماذا من يعود يتهم بالخيانة؟
وهل حقا الوطن خيانة؟
حين قررت العودة إلى المغرب، لم أهرب من "سجن مادي" وإنما تحررت من سجن رمزي سكنته وسكنني: سجن الخوف والجهل والتوجيه المسبق وغسيل الدماغ الممنهج..وجدت في وطني أرضا وسماء، وشوارع لا تخبرني ماذا أفكر، وأناسا يختلفون في الرأي دون أن يتراشقوا بالتهم...
وجدت دولة فيها ما فيها من نواقص، لكن فيها أيضا حق العودة وحق الشك وحق أن أكون أنا...
اليوم، لا أنكر أن بعض الخطابات تثير في نفسي الأسى، خاصة حين يختزل الماضي في مفردة واحدة: "محتجز"...
أنا لا أرفض المصطلح، لكنني أطلب من إخواني الذين يرفعونه أن يفهموا أنه ليس كل من عاش في مخيمات لحمادة كان عدوا، أو مغررا به بالكامل، أو محتجزا..
نحن أبناء قضية كبيرة، وحين نعود، نعود بوعينا، لا بخوفنا...
نعود لأننا اخترنا المصالحة مع التاريخ ومع الوطن وليس لأن أحدا فتح لنا الباب لنخرج..
لم أكن محتجزا… لكنني لم أكن حرّا...واليوم، فقط، عرفت الفرق.
غير أنني ورغم ذلك لم أكن حرا.
عشت في مخيمات لحمادة سنوات طويلة. تربيت على رواية واحدة، وسمعت نشيدا واحدا، وتعلمت أن أشك في كل شيء خارج تلك الخيام...
قيل لي إن الوطن خذلني وإن العودة خيانة..وإن العالم يتآمر علينا، وإن خلاصنا في جمهورية لا أحد يعرف كيف ستكون...
لم يكن هناك سجن بالمعنى المادي...
لكنني كنت أسكن في سجن من الكلمات والشعارات والشحن الإيديولوجي..
كنت جزءا من جماعة تخشى أن تفكر وتخاف أن تسأل وتلوذ بالشعارات بدل الحقيقة..
لم أكن محتجزا في مكان، بل في ذهني...
كانت الخرائط المعلقة على جدران المدارس المبنية من الطين ترسم لي عالما من الأحلام، لا تفتح نوافذه على أي أفق واقعي...
وكان "الآخر" دائما هو العدو: المغرب، الدولة، الإعلام، التاريخ، وحتى بعض الأهل...
وكلما كبرت واتسع مجال الرؤية بما يكفي لاكتشاف الحقيقة ، كبرت الأسئلة في داخلي: لماذا لا يسمح لنا بالعودة؟
لماذا لا يوجد إحصاء؟
لماذا لا نملك الحق في اختيار مصيرنا كما نطالب به؟ لماذا من يعود يتهم بالخيانة؟
وهل حقا الوطن خيانة؟
حين قررت العودة إلى المغرب، لم أهرب من "سجن مادي" وإنما تحررت من سجن رمزي سكنته وسكنني: سجن الخوف والجهل والتوجيه المسبق وغسيل الدماغ الممنهج..وجدت في وطني أرضا وسماء، وشوارع لا تخبرني ماذا أفكر، وأناسا يختلفون في الرأي دون أن يتراشقوا بالتهم...
وجدت دولة فيها ما فيها من نواقص، لكن فيها أيضا حق العودة وحق الشك وحق أن أكون أنا...
اليوم، لا أنكر أن بعض الخطابات تثير في نفسي الأسى، خاصة حين يختزل الماضي في مفردة واحدة: "محتجز"...
أنا لا أرفض المصطلح، لكنني أطلب من إخواني الذين يرفعونه أن يفهموا أنه ليس كل من عاش في مخيمات لحمادة كان عدوا، أو مغررا به بالكامل، أو محتجزا..
نحن أبناء قضية كبيرة، وحين نعود، نعود بوعينا، لا بخوفنا...
نعود لأننا اخترنا المصالحة مع التاريخ ومع الوطن وليس لأن أحدا فتح لنا الباب لنخرج..
لم أكن محتجزا… لكنني لم أكن حرّا...واليوم، فقط، عرفت الفرق.