إن استشراء الفساد في أي مجتمع بشري هو ظاهرة طبيعية في غياب إعمال المسؤولية والمحاسبة. ليس غريبا أن يكون الفساد حاضرا في مجالات مجتمعية حيوية ولا يطال الجامعة، لأن هذه الأخيرة ليست بمعزل عن محيطها السوسيو-الاقتصادي. ألم يتم منذ بداية أول إصلاح جامعي -مع بداية الألفية الثالثة- الحديث عن انفتاح الجامعة على هذا المحيط الذي لم يتم تحصينه بالشكل الكافي وربطه فعليا بالمسؤولية والمحاسبة مما يجعل الجامعة في تعاملها معه -بأي شكل كان- بعيدة عن أي انزلاقات محتملة؟
أي انزلاقات وأية أخطاء؟
أي انزلاقات وأية أخطاء؟
أخطاء وتجاوزات تواجه بحملات وكلمات الأخطاء أو التجاوزات أو الانزلاقات -أكانت صغيرة أو كبيرة- هي واردة وتحدث في أي مجال حيوي ولكن يجب احتواءها ومعالجتها داخليا دون التشهير بها أو حتى قبل حدوثها، يتم استشرافها ومنع كل ما من شأنه المساهمة في إحداث الخلل أو الاختلال. التصرف بهذه الطريقة هو في الأساس حماية للقطاع دون السماح لأطراف خارجية التدخل فيه وتضخيمه وإخراجه عن سياقه. وبدل حصر المشكل في بدايته أو في الشخص أو المؤسسة المسؤولة عن ارتكابه، يتم توسيع نطاقه وإعطائه حجما وبعدا أكبر يطال كل القطاع الجامعي من حيث سرعة التداول وكثرة التحاليل التي تجانب في معظمها الصواب. هكذا تصبح الاتهامات غير مقتصرة فقط على مرتكب فعل التلاعب (مثل الاتجار في الدبلومات الجامعية) والمؤسسة التي ينتمي إليها بحكم أن توقيع الشواهد يمر عبرها وبالتالي هي تشترك في المسؤولية لأنها لم تمارس الرقابة الكافية كما تنص عليها القوانين والمعايير طبقا لدفتر الضوابط البيداغوجية لسلك الماستر ومراعاة لأخلاقيات العمل الجامعي، بل يتم توجيه الاتهامات المجانية إلى الجامعة المغربية، فهذا في حد ذاته تجني وعمل غير موضوعي وغير بريء. زد على ذلك أن الحملة الإعلامية التي انطلقت وبقوة مع الإعلان عما حدث في قضية الماستر المعني حتى لا أقول بيع وشراء مادام القضاء ينظر في الأمر.
حملات وأهداف غير مبرّرة
حملات وأهداف غير مبرّرة
إن الحملة الإعلامية -مرئية ومكتوبة- والكلمات المستعملة غير بريئة ولها أهداف غير مبررة، فحين نقول بيع الشواهد الجامعية دون حصرها في حالة معينة، فهذا في حد ذاته ضرب في مصداقية الجامعة المغربية ونسف كل الإنجازات والتي يرجع الفضل فيها إلى مجموعة من الأساتذة الأكفاء الذين ضحوا بكل شيء من أجل الدفاع عن الجامعة العمومية والرفع من مستواها وتكوين العقول اليافعة المتعطشة للعلم والمعرفة. لا شيء يدعو إلى تحجيم دور الجامعة في لحظة يأس وإحباط للمدافعين عن الجامعة العمومية وفي لحظة اقتناص الفرص للنيل منها ممن يرون أنها صارت عبئا في زمن ابتلعت التفاهة كل شيء جاد وهادف. وصار الاستثمار مباحا ولا حدود له حتى طال الأمن التعليمي، فلا المدرسة الابتدائية ولا الثانوية ولا الجامعة نجت منه، وكان المطلب الملح عبر عقود من الزمن هو إصلاح المدرسة والجامعة. أكيد توالت الإصلاحات وضخت الأموال الهائلة لإنجاحها وغالبا ما كان الفشل سيد الميدان يتم الإعلان عنه بعبارات بعيدة عن معناه الحقيقي ويتم إرفاقه بوعود جديدة بإصلاح سريع أو إصلاح الإصلاح. هكذا عشنا حقبا زمنية ننتقل من إصلاح إلى أخر دون التوقف لحظة لمعرفة نواقص الإصلاح المراد الخروج منه.
استعصاء القضاء على الفساد
استعصاء القضاء على الفساد
من جانب آخر، يمكن القول أن الحضور القوي لكل المؤسسات المخول لها النظر في قضايا الفساد من نيابة عامة ومجلس أعلى للحسابات وهيئة وطنية للوقاية من الرشوة ومفتشيات عامة في كل القطاعات، لم ينفع في تطويق الفساد إن لم ينجح في القضاء عليه. السؤال الذي يجب طرحةه هنا وبكل شجاعة هل هذه المؤسسات محصنة بشكل قوي يقيها من كل اختراق أو ابتزاز أو إغراء. بالإضافة إلى أن استعصاء القضاء على الفساد يطرح بقوة إشكاليات العقليات السائدة وعجز المؤسسات القانونية للتصدي بحزم لكل من له صلة بالفساد كيفما كان نوعه ومصدره.
ولا يمكن اتهام المجتمع المغربي بالفساد أو القول أن الفساد أصبح الركيزة الخامسة في البلاد، هذا تجنّي ولا يمكن وصف حالة فرضتها مجموعة من المعطيات إن توفرت الإرادة السياسية لإزالتها فستصبح في خبر كان. في الحقيقة كل مجتمع بشري هو وليد صناعات وسلوك منتخبيه ومؤسساتيه المحلية التي من المفروض أنها تسهر، ليس فقط على حماية أمنه الإنساني، بل أيضا توفير كل أنواع الأمن المرتبطة به من الغذائي إلى الصحي إلى التعليمي. فكيف لنا أن نسعى إلى بناء البلد (مدن- بنيات تحتية- قطارات فائقة السرعة...) ونهمل الأهم ألا وهو العنصر البشري رأسمال أي دولة متقدمة. لا يمكن وضع الجامعة المغربية في قفص الاتهام وتحميلها أكثر من طاقتها، فالمشكل لا يحل بتهويل الأمر، وإنما في التفكير بهدوء وتأني وجدية في الحلول التي تحصن الصرح الجامعي من أي تجاوزات ولو كانت بسيطة. بخلاف ذلك، سيتم الحكم على أجيال مستقبلية بالفراغ الفكري والاكتفاء بما هو آلي وتقني وآنذاك لا يمكن إعادة عقارب الساعة إلى ما كانت عليه. الجامعة -إن لم نقل المدرسة- هي عمود رقيّ أي مجتمع بشري، هي من الركائز الأساسية -إلى جانب الصحة- التي تصنع المواطن الصالح الخالي من آفات الفساد والمحسوبية والغشّ، ولا يمكن ذلك إلا في ظل دولة القانون والمؤسسات.
ولا يمكن اتهام المجتمع المغربي بالفساد أو القول أن الفساد أصبح الركيزة الخامسة في البلاد، هذا تجنّي ولا يمكن وصف حالة فرضتها مجموعة من المعطيات إن توفرت الإرادة السياسية لإزالتها فستصبح في خبر كان. في الحقيقة كل مجتمع بشري هو وليد صناعات وسلوك منتخبيه ومؤسساتيه المحلية التي من المفروض أنها تسهر، ليس فقط على حماية أمنه الإنساني، بل أيضا توفير كل أنواع الأمن المرتبطة به من الغذائي إلى الصحي إلى التعليمي. فكيف لنا أن نسعى إلى بناء البلد (مدن- بنيات تحتية- قطارات فائقة السرعة...) ونهمل الأهم ألا وهو العنصر البشري رأسمال أي دولة متقدمة. لا يمكن وضع الجامعة المغربية في قفص الاتهام وتحميلها أكثر من طاقتها، فالمشكل لا يحل بتهويل الأمر، وإنما في التفكير بهدوء وتأني وجدية في الحلول التي تحصن الصرح الجامعي من أي تجاوزات ولو كانت بسيطة. بخلاف ذلك، سيتم الحكم على أجيال مستقبلية بالفراغ الفكري والاكتفاء بما هو آلي وتقني وآنذاك لا يمكن إعادة عقارب الساعة إلى ما كانت عليه. الجامعة -إن لم نقل المدرسة- هي عمود رقيّ أي مجتمع بشري، هي من الركائز الأساسية -إلى جانب الصحة- التي تصنع المواطن الصالح الخالي من آفات الفساد والمحسوبية والغشّ، ولا يمكن ذلك إلا في ظل دولة القانون والمؤسسات.