Friday 23 May 2025
فن وثقافة

كنوز الصناعة التقليدية.. ثقافة سنابك الخيل والبارود ومكونات "سَرْجْ" التبوريدة المغربية

كنوز الصناعة التقليدية.. ثقافة سنابك الخيل والبارود ومكونات "سَرْجْ" التبوريدة المغربية مشاهد للفروسية التقليدية
الكتابة في موضوع تراث الفروسية التقليدية يتطلب الإحاطة بكل تفاصيلها الدقيقة، ومعرفة طقوسها وعاداتها وتقاليدها، والإطلاع على كل مستلزماتها ومتطلباتها وعُدُّتِهَا التي يحلو لعشاق التبوريدة أن يصفوها بـ "سْنَاحْ الْعَوْدْ". 
 
طبعا، لن تكتمل ثقافة لغة سنابك الخيل والبارود، إلا بالإلمام بكل مكونات منظومة فن ورياضة التبوريدة في علاقة وطيدة بالصناعة التقليدية الأصيلة ومنتوجاتها المتعلقة بالفارس والحصان، باعتبارها موروث تراثي أصيل أبا عن جد. في هذه الورقة التراثية تقدم جريدة "أنفاس بريس" تفاصيل صناعة مكونات وأجزاء "سَرْجْ" فن ورياضة التبوريدة المغربية التي ارتقت من العالم القروي إلى العالمية.
 
من أهم المنتوجات التي برع في تقديمها الصّانع والحرفي التقليدي لفائدة فرسان التبوريدة ببعض المدن المغربية مثل مراكش وفاس ـ على سبيل المثال لا الحصر ـ يقودنا الحديث في هذه الورقة عن قيمة صناعة "السَّرْجْ" المغربي الأصيل، الذي يعتبر تاريخيا من أجود وأرقى الصنائع الجميلة التي اشتغلت عليها أنامل سخية، أبدعت وتفنّنت بإتقان هذا المنتوج الأصيل، من أجل المحافظة على قيمته الحضارية الممتدة عبر قرون، فضلا عن تحصينه من الشوائب والزيادات العشوائية التي تسيء للصناعة التقليدية المغربية، وأيضا من أجل ضمان ممارسة هذا الفن التراثي التليد بشكل أنيق وسلسل وآمن، سواء للفارس أو لخيول التبوريدة.
 
 من المعلوم أن صناعة "السَّرْجْ" تتقاسم مع عدة حرف تقليدية بعض مكوناته وأجزائه المهمة والضرورية، مثل حرف النجارة والحدادة والدباغة والخياطة والطرز والصباغة وعمليات فتل الخيوط ومزجها ببعض الحلي ـ النواقيس النحاسية ـ التي تحدث رنينا جميلا وسط مرحك التبوريدة، كسمفونية موسيقية تعزف على إيقاع سنابك الخيل والبارود، حيث يتحول علام الخيل لمايسترو رفقة كتيبة فرسانه الذين يعزفون أنشودة تراث موروثنا الثقافي الشعبي بكل تفاصيلها الرائعة.
 
إن مهارة الصانع التقليدي الذي تفنّن في صناعة "السَّرْجْ" المغربي وتزيينه وترصيعه بأجمل الرموز والرسوم والخطوط التشكيلية والفنية، مستمدة من أصالة وعمق التراث الوطني بجميع تفاصيله، حيث تجعل عشّاق فن ورياضة التبوريدة بالمواسم والمهرجانات والتظاهرات الوطنية والدولية، من ممارسين وجمهور وسيّاح منبهرين أمام جودة منتوج الصناعة التقليدية وسحرها الأخاذ والمبهر.
 
إن الطقم الشّامل لخيول فن وتراث التبوريدة يتكون أساسا من "الدّرج" و "السّرج" و "الِّلجَامْ" و "الرْكَابَاتْ"، حيث يطلق عليه اسم "السّْنَاحْ" في إحالة على لفظة حربية ارتبطت تاريخيا بالجهاد والمقاومة أي "السْلاحْ"؟
 
في حين أن مفردة "السْقَطْ" فتحيلنا إلى الأجزاء اللينة والمطرّزة، وأول مكوناته هي "الزِّيفْ"، ويتعلق هنا الأمر بنوع من الفراش الإضافي المطرز والمزركش بتقنية فنية، حيث يصنف "الزِّيفْ" في عملية تزيين الحصان، على اعتبار أنه يلعب وظيفة جمالية دون الاعتقاد بأنه يخفّف من حدّة الاحتكاك بين السَّرْجْ والخيل.

وحسب العديد من التعاريف التي اعتمدها الإنسان منذ القدم، فإن "السَّرْجْ" هو رَحْلُ الدَّابَةِ، فهو إما "حلس" أو "بردعة"، لكن "السَّرْجْ" عند آهل الاختصاص على مستوى الفروسية التقليدية، فإنه يشكّل أحد أهم مكونات ومستلزمات تراث التبوريدة، نظرا لروعته وبهائه وزينته وتعدد أجزائه ومكوناته. 
 
في هذا السياق نتحدث عن تفرّد وتميّز "سَرْجْ" التبوريدة بجزئه المسمى بـ "الْقَرْبُوسْ" الأمامي، وهو أقل ارتفاعا من جزئه الخلفي على المستوى الهندسي، والذي يعتبر مسند ظهري مريح للفارس أثناء عروض التبوريدة. ويمكن أن نتطرق هنا إلى ـ القول المأثور ـ الذي يشبه هندسة صناعة "السَّرْجْ" بـ "الْقَبْرِ"، حيث نلاحظ تشابه "الْقَرْبُوسْ" لـ "الشَّاهِدْ" الذي يكتب عليه اسم الميت في المقبرة والذي يتم بنائه عند رأس جسده، في حين أن "الشَّاهِدْ" الثاني يوضع عند القدمين. لذلك يقول أهل التبوريدة بأن "قبر الفارس مفتوح" في إشارة إلى مخاطر البارود أثناء اللعب بـ "لَمْكَاحَلْ" بمحرك التبوريدة.
 
 ويتفرد "السَّرْجْ" المغربي بالإتقان والجودة وجمالية الألوان الساخنة التي تبهر المشاهد، حيث يعتبر مفخرة الصانع والحرفي التقليدي، ويمكن أن نتحدث عن اختلاف قيمته المادية وتباينها في السوق المغربية، حسب طريقة صناعته وجودة المواد المستعملة فيه، ثم عملية الإتقان والخياطة باليد، لذلك فلا غرابة في تفاوت قيمته المالية حسب قدرة الفارس المادية. ومن جهة أخرى لاحظ المراقبون والمهتمون كيف تم اكتساح "الْمَاكِينَةْ" لهذا النوع من الصناعة التقليدية، مما فسح المجال لإدخال مواد وسلع رخيصة حطت من القيمة والجودة. 
بخصوص مكونات "السَّرْجْ" التقليدي المغربي، فإنها تشمل ما يسمى بـ "الَّلبْدَاتْ"، وهي عبارة عن غطاء مصنوع من الصوف الموضب بإتقان وبشكل أنيق، وكانت "الَّلبْدَةْ" تتكون سابقا من ثلاثة إلى أربع طبقات توضع بطريقة مصفوفة على صهوة الجواد. ثم يوضع فوقها جزء آخر يسمى بـ "لَعْظَمْ" وهو بمثابة هيكل لـ "السَّرْجْ".
 
من المعلوم أن صناعة "لَعْظَمْ" كان يعتمد فيها عادة على مادة الخشب القوي والممتاز، مثل "الْعَرْعَارْ" أو "الْـﮜرْﮜاعْ" أو "الَّليْمُونْ"، ويتم كسائه بغطاء مصنوع من جلد الإبل أو الماعز، ويسمى في ثقافة الخيل بـ "الدْجَاجَةْ". وبعد وضع "الدْجَاجَةْ" يمرّ الفارس إلى وضع جزء آخر يسمى بـ "التَّرْشِيحْ"، وهو عبارة عن كساء يصنع من الجلد المرصّع بالصقلي والخيوط المطرزة.
 
لتثبيت "السَّرْجْ" على صهوة الخيول بشكل مضبوط وآمن، يضمن الثقة والسلامة للفارس، فلا بد من آليات أخرى ذات أهمية وضرورة ملحة، وتتحدد في أجزاء أخرى يطلق عليها اسم "لَعْوَانْ" و "الدِّيرْ"، وهما بمثابة أحزمة تربط "السَّرْجَ" بأسفل عنق الحصان، ويتم تزيينهما أيضا بنوع من الجلد المطرز والمزركش، فضلا عن  حزام جلدي يربط "السَّرْجْ" من اليمين إلى اليسار.
 
وهناك أيضا جزء أساسي من هذه المكونات ذات الصلة بتجهيز خيل التبوريدة، وهو الذي يسمى بـ "الرّْسَنْ"، ويتعلق الأمر بمجموعة من سيور تحيط برأس الحصان، بحيث تُمَكِّن الفارس/الْبَّارْدِي من التحكم وقيادة جواده بشكل متزن ومضبوط.
 
هذا بالإضافة إلى ما يتعارف عليه عند أهل الاختصاص بـ "الرْكَبَاتْ" الضامنتين للفارس توازنه على صهوة الجواد، وكانتا سابقا تتم صناعتهما من معدن النّحاس، لإضفاء الزينة والنخوة والجمال، بحيث يستعملهما الفرسان لوضع أقدامهم أثناء الركوب والنزول، علاوة على ضمان توازنهم ودعمهم فوق صهوة الخيول.
 
ومن أجمل أجزاء الزينة الإضافية التي تمنح الخيول الرقي والزينة، هناك جزء يسمى بـ "لَـﮜلَادَةْ" وهي عبارة عن قلادة يزيّن بها عنق الحصان لتضفي عليه جمالية الأناقة والنخوة بين الخيول وسط محرك التبوريدة، بالإضافة إلى مجموعة من "النواقيس" النحاسية التي يتم تعزيزها بالقلادة والتي تصدر رنينا وموسيقى ساحرة كلما اشتدت سرعة حركة الخيول في ميدان التبوريدة.
 
ويعتبر "الِّلجَامْ" من الآليات الأساسية للتحكم في قيادة الخيول، ويتكون بدوره من "شْكِيمَةْ" ومجموعة سيور تشدّ رأس الحصان، علاوة عن وضع "عْصَابَةْ" على رأسه معروفة باسم "النَّشَّاشَةْ" مصنوعة من القماش، وتتدلى منها أهداب مرصعة تكاد تغطي عيني الحصان.