حلت الذكرى 22 للتفجيرات الإرهابية التي هزت الضمير والوجدان المغربيين ليلة 16 ماي 2003 بعد طول اطمئنان في "منطقة الراحة" التي عنوانها "الاستثناء المغربي"، وتجدد معها السؤال: أين المغرب من خطر الإرهاب وتكرار الفاجعة؟
فاعلية أمنية عالية.
يُحسب للسلطات المغربية تعاملها مع خطر الإرهاب وتهديدات التنظيمات المتطرفة بحكمة لم تجعل الحرب على الإرهابيين هوَس المغاربة وموضوع انشغالهم اليومي. إذ ما أن تعلن الأجهزة الأمنية عن تفكيك خلية إرهابية وعرض المحجوزات حتى يخرج الخبر من دائرة اهتمام الرأي العام بعد الإشادة بالجهود الأمنية الفعالة. وقد لعبت الأجهزة الأمنية، بفضل ما راكمته من خبرات واسعة وما تتميز به من يقظة دائمة وجاهزية عالية للتعامل مع الخلايا الإرهابية، على مستوى الرصد والتتبع والتفكيك، دورا أكثر أهمية في إشاعة الطمأنينة في نفوس المواطنين وتحصينهم ضد الخوف والهوس والهلع (مؤشر ثقة المغاربة في المؤسسة الأمنية تجاوز 85%). لهذا لا يساور الخوفُ عموم المواطنين بعد الإعلان عن اعتقال العناصر الإرهابية وتفكيك مخططاتها التخريبية (ما يفوق 300 خلية إرهابية تم تفكيكها منذ 2002 وأزيد من 500 مخطط إرهابي تم إحباطه).
وعي عام متنامي.
يُظهر المغاربة تأييدهم الكبير للأجهزة الأمنية في جهودها لمحاربة التطرف والإرهاب، معربين عن امتنانهم الصادق لدور هذه الأجهزة في ضمان وحماية أمن المواطنين واستقرار الوطن. وقد تراجعت، إلى حد كبير، خطابات التشكيك في البلاغات الأمنية عقب تفكيك الخلايا الإرهابية، خصوصا تلك كانت تصدر عن تنظيمات الإسلام السياسي التي كان يزعجها تشديد الخناق على العناصر المتطرفة لما بينها من تبادل الخدمات والأدوار. ولطالما خرجت وجود من تلك التنظيمات ومعها بعض المحسوبين عليها من أشباه المثقفين، عبر قناة الجزيرة، تتهم الدولة المغربية بفبركة ملفات الإرهاب بدافع تصفية الحساب مع الإسلامويين.
خطاب التهييج والتجييش ضد الدولة.
رغم الجهود التي بذلتها الدولة في سبيل إعادة هيكلة الحقل الديني وضبط مجال الفتوى وحمايته مما عرفه من تسيّب فظيع قبل 2003، والذي استغلته التنظيمات المتطرفة وكذا الإسلاموية في التحريض ضد الدولة ومؤسساتها وتشريعاتها القانونية والدستورية؛ فإن ذات التنظيمات، عادت لما كانت عليه قبل تفجيرات الدار البيضاء من تحريض وتهييج الشارع العام لابتزاز الدولة وإضعافها. لقد استغلت تلك التنظيمات غزو أفغانستان ثم العراق لتجييش المواطنين خلف شعاراتها. وها هي اليوم تستغل أحداث غزة لضرب أسس الدولة وزعزعة استقرارها عبر المسيرات والوقفات الاحتجاجية التي لا تنتهي والمظاهرات التي تطوّق الموانئ لخنق الاقتصاد وتعطيل شرايينه. لقد كشفت تلك التنظيمات عن مخططها الانقلابي المستهدف للنظام الملكي.
إن دعاة التكفير والكراهية يستغلون مناخ التهييج والتجييش لاستقطاب الشباب وتجنيدهم كوقود لإحراق الأخضر واليابس. فلا وطن للتنظيمات الإسلاموية والإرهابية ولا ولاء لها له. لهذا يسعون لاستغلال الحرب على غزة للتجييش ضد النظام والدولة والوطن. وقد لا تأتيهم أحداث تخدم مخططاتهم مثلما تخدمها قضية غزة التي ألفت بين قلوبهم رغم ما بينهم من تنافر عقدي وإيديولوجي.
تمدد الإرهاب وتزايد خطره.
تختلف الظروف المحيطة بالمغرب بين 2003 و2023. فبعد أن كان مركز استقطاب المتطرفين والإرهابيين هو أفغانستان ثم العراق وسوريا، صار، بعد اندحار القاعدة وداعش في بلاد الشام والرافدين، هو منطقة الساحل والصحراء. وخطورة هذا الأمر تتمثل في:
1 ـ إن منطقة الساحل والصحراء تشكل المعقل الرئيسي للتنظيمات الإرهابية، حيث يتم التخطيط والتمويل وإدارة العمليات الإرهابية.
2 ـ ارتباط الخلايا الإرهابية التي تم تفكيكها في السنوات الأخيرة في المغرب بتنظيم داعش في منطقة الساحل والصحراء وسعيها إلى تنفيذ مخططاته الإجرامية.
3 ـ تحالف عصابات البوليساريو مع التنظيمات الإرهابية في المنطقة وتبادل المصالح بينهما.
4 ـ تواطؤ النظام الجزائري مع التنظيمات الإرهابية وتوظيفها لزعزعة استقرار دول المنطقة.
5 ـ امتلاك التنظيمات الإرهابية للطائرات المسيرة واستخدامها لتنفيذ الهجمات الإرهابية ضد الأماكن الأكثر تحصينا وحراسة (لأول مرة استخدم داعش وبوكو حرام الطائرات المسيرة لمهاجمة قاعدة عسكرية في بلدة وولغو الحدودية، الواقعة في ولاية بورنو شمال شرقي نيجيريا، في مارس 2025). الأمر الذي يمكن أن تستغله تلك التنظيمات لمهاجمة المغرب، خصوصا وأن المسافة التي تفصل مثلا مالي (معقل الإرهابيين) عن المغرب، قصيرة جدا (462 كلم). ومعلوم أن طائرات درون يمكنها قطع مسافات طويلة وهي محملة بالأسلحة والقنابل مثلما يحدث في هجوم جماعة الحوثي على إسرائيل بالمسيرات التي تقطع المسافة الفاصلة بينهما (2200 كلم) دون توقف. ففي مقال نشره معهد الدراسات الأمنية بجنوب إفريقيا، يقول المحلل تايو أديبايو: ”يمثل استخدام المسيَّرات المسلحة في العمليات الميدانية مرحلة جديدة وخطيرة في تمرد داعش غرب إفريقيا، مرحلة تتحدى استراتيجيات مكافحة الإرهاب المتبعة في المنطقة حالياً، وهذا تطورٌ مثيرٌ للقلق من حيث التكتيكات والتطور، ويجعلنا نتساءل كيف تتأقلم القوى الإقليمية مع هذه الحرب الجديدة.“
مشروع المنفذ على الأطلسي.
تندرج المبادرة المغربية بمنح دول الساحل منفذا على المحيط الأطلسي ضمن مقاربة شمولية لا تهدف، فقط، إلى تمكين تلك الدول من استغلال المنفذ على المحيط الأطلسي في التصدير والاستيراد، بل أساسا خلق الشروط الضرورية للتنمية المستدامة لفائدة شعوب المنطقة، ودعم جهود الدول في محاربة الفقر والتهميش اللذين تستغلهما التنظيمات الإرهابية في إيجاد بيئة حاضنة لها. فالمغرب يدرك جيدا أن منطقة الساحل والصحراء تشكل مجاله الأمني الحيوي. أي أن أمنه من أمن محيطه الإقليمي. إذ لا أمن في بيئة ينخرها الفقر والجوع والصراعات الإثنية، وفي منطقة من أبرز سماتها ضعف الدولة المركزية وعدم قدرتها على مراقبة وتأمين حدودها ما يشجع على انتشار اقتصاد التهريب والجريمة المنظمة والصراعات القبلية. وهذه كلها عوامل تستغلها التنظيمات الإرهابية في الاستقطاب والتجنيد والتمدد.
إن نجاح هذا المشروع يقتضي من المغرب توفير مظلة أمنية وعسكرية إستراتيجية عبر توقيع اتفاقيات مشتركة تسمح بنقل خبراته في مجال محاربة الإرهاب وتأمين الحدود إلى دول الساحل التي لم تسعفها "مجموعة فاغنر" في دحر الإرهابيين في بلدة تين زواتين.