Sunday 11 May 2025
مجتمع

ندوة بالدار البيضاء تنتقد مسار الإصلاحات التعليمية وتدعو لبناء مشروع حضاري مجتمعي

ندوة بالدار البيضاء تنتقد مسار الإصلاحات التعليمية وتدعو لبناء مشروع حضاري مجتمعي جانب من الندوة
احتضن مقر الكونفدرالية الديمقراطية للشغل بالدار البيضاء ندوة فكرية، نظمتها الأكاديمية المهدي بن بركة للدراسات الاجتماعية والثقافة العمالية، حول "المسألة التعليمية بالمغرب"، بحضور ثلة من الباحثين والأساتذة الجامعيين الذين ناقشوا أزمة التعليم من زوايا متعددة، متقاسمين تشخيصًا نقديًا للمنظومة الحالية ومقترحات لإصلاح جذري يتجاوز الشعارات التقنية.

الندوة، التي سير أشغالها الأستاذ عثمان باقة، عرفت مشاركة كل من عبد الله ساعف، نور الدين العوفي، إدريس قصوري، معروف الدفالي، ويونس فيراشين، حيث أجمع المتدخلون على أن التعليم المغربي يمر من أزمة بنيوية تتطلب رؤية استراتيجية شمولية تتجاوز المقاربات التجزيئية المعتمدة منذ عقود.

في افتتاح الندوة، أشار عثمان باقة إلى أن تعدد الإصلاحات منذ الاستقلال لم ينجح في تخطي الأعطاب البنيوية، معتبرًا أن "ازدواجية التعليم بين العمومي والخصوصي أصبحت تكرس فوارق اجتماعية صارخة"، ومؤكدًا أن إصلاح التعليم "ليس مجرد مطلب نفعي بل معركة ثقافية وسياسية لبناء مجتمع ديمقراطي وعادل". وأضاف أن المدرسة ينبغي أن تنتج مواطنين فاعلين لا رعايا طيعين، وأن تحرير التربية من الهيمنة الإيديولوجية شرط لبناء تعليم منصف وفعال.

من جهته، دعا الأستاذ الجامعي ووزير التعليم الأسبق عبد الله ساعف إلى تجاوز الخطاب السوداوي الذي يهيمن على تقييم وضعية التعليم، معتبرًا أن أزمة التعليم تُوظف سياسيًا منذ الاستقلال، رغم أن "المدرسة ليست مسؤولة عن حل كل مشاكل المجتمع، بل عن أداء وظيفتها البيداغوجية". وانتقد ساعف "الطوباوية في الدعوة لتغيير جذري وفوري"، مؤكدًا أن الإصلاح الحقيقي يأتي عبر تراكمات زمنية تركز على مجالات محددة.

أما الاقتصادي نور الدين العوفي، فقد قدم قراءة تفكيكية لخارطة الطريق الجديدة، معتبرًا إياها إعادة تدوير لمرجعيات قديمة، وتبنيًا لمقولات تقنية لا ترقى إلى مستوى الأزمة العميقة التي يعيشها التعليم العمومي. وانتقد العوفي ارتكاز الخارطة على فرضيات "تبجيل القطاع الخاص وتهميش المقاربة العمومية"، مؤكداً أن الحل لن يأتي من "طرق تدبيرية" بل من مراجعة الأسس الفكرية للنموذج التعليمي. كما حذر من تصاعد نفوذ المدارس الأجنبية، ورأى أن خارطة الطريق "انتقت الجزء الأضعف من وثائق المجلس الأعلى للتعليم"، خاصة على المستوى البيداغوجي.

وفي مداخلة نقدية معمقة، وصف الدكتور إدريس قصوري الرؤية الاستراتيجية 2015-2030 بأنها استمرارٌ لإصلاحات "فاشلة منذ 70 سنة"، معتبرًا أن ما يُقدَّم كإصلاحات ليس سوى "اجترار بدون جديد". وشدد على غياب تحليل علمي مستقل للمنظومة، داعيًا إلى تجاوز التوصيفات الدبلوماسية وإنجاز "مشروع حضاري شامل يقوم على الاستقلالية والكفاءة والإرادة السياسية الحقيقية". واعتبر أن ربط التعليم بمشروع مجتمعي وهمٌ، لأن "ما يوجد هو فقط إجراءات تدبير قطاع، لا رؤية استراتيجية".

من زاوية تاريخية، أكد المؤرخ معروف الدفالي أن "المسألة التعليمية في المغرب ليست مؤطرة بتاريخ تعليمي حقيقي، بل بتاريخ إصلاحات متكررة وفاشلة"، ما يعكس عمق الأزمة المزمنة التي لم تبارح مكانها منذ الاستقلال.
 
أما يونس فيراشين، الكاتب العام للنقابة الوطنية للتعليم (كدش)، فقد اعتبر أن الندوة تعكس الموقف الكونفدرالي من فشل السياسات التعليمية المتعاقبة. وقال إن "تاريخ الإصلاحات هو تاريخ الفرص الضائعة، وكل مرحلة اتسمت بقطيعة مع سابقتها". وشدد على أن التعليم العمومي "ليس كارثيًا كما يُروّج"، داعيًا إلى نموذج تعليمي وطني موحد، يضمن المجانية والإنصاف والجودة، وراصدًا اختلالات تمويل التعليم، إذ تتحمل الأسر المغربية نحو 30% من كلفته، وهي نسبة مرتفعة تثقل كاهل الطبقات المتوسطة والفقيرة.
 
في ختام الندوة، اتفق المتدخلون على ضرورة التحول من منطق الإجراءات الظرفية إلى استراتيجية مستدامة لإصلاح التعليم، تقوم على إعادة الاعتبار للمدرس والمدرسة العمومية، وتحرير الإصلاح من الهيمنة التقنية، وربطه بمشروع مجتمعي حقيقي لبناء المواطن القادر على المساهمة في نهضة وطنية شاملة.