الخميس 24 أكتوبر 2024
كتاب الرأي

إدريس الأندلسي: محنة خروف في خريف القدرة الشرائية للمواطن

إدريس الأندلسي: محنة خروف في خريف القدرة الشرائية للمواطن إدريس الأندلسي
توصلت بدراسة اعتمدت على استطلاع شمل شريحة من المغاربة بلغ عددها 1007. موضوع هذه الدراسة، التي أجراها "المركز المغربي للمواطنة"، هو انطباعات المغاربة بشأن عيد الأضحى. وخلص الباحثون إلى تجميع آراء حول عيد الأضحى والتعامل مع ما يرتبط بشراء الخروف. خلاصة هذا البحث أن الأسرة المغربية تضحي بمدخراتها ومداخيلها من أجل الخروف، ويصل الأمر إلى اللجوء إلى الاستدانة. ويتبين أن هناك تراجعًا من طرف الكثير من الأسر عن الشعيرة دون ربط الموضوع بمخالفة سنة يقال إنها "مؤكدة". يُطرح مشكل شعيرة الأضحية في يومنا خصوصًا في الأحياء الهامشية والفقيرة، بينما تقل حدتها في أحياء الطبقة الوسطى، وتكاد تدخل في حكم الاستثناء لدى الطبقة الغنية.
يمكن التأكيد، بكثير من التحقق، أن من يحرصون على بذل الغالي والنفيس، هم في الأساس من المحرومين من خدمات المرافق العمومية ومن دخل ثابت ومريح. أكد 48% من شريحة البحث أنهم يفضلون عدم الاحتفال بعيد الأضحى، وصرح 55% من المستجوبين أنهم يجدون صعوبة في مواجهة مصاريف الأضحية. ونشرت المندوبية السامية للتخطيط معطيات تبين أن بنية الأسرة الصغيرة جدًا تلعب دورًا في الامتناع عن شراء الأضحية بنسبة تصل إلى 56%، وأن 25% من الأسر الميسورة لا تقوم باقتناء خروف حسب الشريحة المستجوبة. وقد تطورت الأرقام المتعلقة بممارسات عيد الأضحى منذ آخر إحصاء للسكان والسكنى الذي جرى في صيف 2014.

ورغم كل التطورات التي شهدها المجتمع المغربي، يظل عيد الأضحى مناسبة تُضخّم أهميتها من يستفيد منها في سوق الوساطة التجارية. ويصبح أمر صرف كل ما توفر من مال لدى الأسرة مسخّرًا لشراء خروف، والتضحية بما تتطلبه مصاريف الدراسة والصحة والسكن ومواجهة المصاريف غير المتوقعة.

يمكن القول إن سياسة الحكومة ماضية في تقديم الدعم لأولئك الذين يفرحون بتضخم رصيدهم البنكي بمناسبة عيد الأضحى، على غرار كل المستفيدين الكبار من الكرم الحكومي في قطاعات عدة. وتتم السيطرة على وسائل الإعلام، خصوصًا الشبكات الاجتماعية، التي تنظم برامج يصبح عريسها خروفًا "أقرن وأملح" ممنوحًا من بنك أو شركة كبرى أو شركة اتصالات تربح مليارات الدراهم سنويًا. المستفيدون من دعم يصل إلى 500 درهم للخروف لا يحاسبون عن أرباحهم وما لها من الآثار على الأسعار. واعتدنا منح الدولة للكبار في كل القطاعات من العقار إلى الخروف، ولم تكن المحاسبة أبدًا وسيلة لاسترجاع أموال عامة تم تسخيرها لبناء مجتمع متوازن يتمتع بالاستقرار والتوازن والسلم الاجتماعي.

تظل محاور هذا الاستطلاع، الذي قام به مركز المواطنة، محدودة في ظل علاقة المغربي مع هذا العيد وطقوسه الاجتماعية وآثاره على القدرة الشرائية والتضخم وسوء تدبير ميزانية الأسرة وبنية المستفيدين من مناسبة دينية تذر أرباحًا كبيرة لا تصل إلى الفلاح. لا يزال خطاب الحكومة يتمايل بين وزير الفلاحة، الذي كان كاتبها العام الدائم قبل منحه منصب الوزير، وبين وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية. الأولى تؤكد أن ثمن الأضحية في متناول الجميع، والثانية لا تفعل شيئًا في الواقع الاقتصادي للأسرة، ولو على سبيل النصيحة التي تصرف عليها آلاف الرواتب لأئمة ومرشدين ومرشدات.

يستمر الصمت في غياب وضوح رسمي للبحث عن من يضعف القوة الشرائية للكثير من الأسر التي لا تزال متمسكة بشعيرة عيد الأضحى. يختفي، في نفس الوقت، فقيه يؤسس كلامه على عقل، كان من قبل، أساسًا لاتخاذ قرار عدم تطبيق شعيرة الأضحى سنة 1963 لظروف تتعلق بالحرب، وفي سنتي 1981 و1996 بسبب الجفاف وما ترتب عليه من تراجع لأعداد حظيرة الخرفان والأبقار.

لن يختلف اثنان على وجود ظروف قاهرة كانت تستوجب اجتهادًا فقهيًا مدعومًا برأي علماء الفلاحة والاقتصاد والطب والمناخ ومهندسي المياه. يستمر الصمت المدوي لأولئك الذين يؤمنون بفقه المصلحة العامة. لاحظت أن أغلبهم، إن سُئلوا، يجيبون أن الأمر يتعلق بسنة مؤكدة، ولا يهتمون بجيب المواطن، ولا يحاولون إعمال العقل لرفع الحرج عن ذوي الدخل المحدود عبر برامج القنوات المفتوحة خصيصًا لهم. وما أكثر من يجدون أنفسهم مضطرين إلى التضحية بمدخراتهم لتطبيق "سنة مؤكدة" ومن يلجأ للسلفات لدى الأقارب أو لدى الأبناك. أغلب هؤلاء يبحثون عن نصيحة تُفعّل قوة الفتوى التي تغلب دفع الضرر قبل جلب المنفعة.

أريد أن أقول إن الدين وكل مكوناته وطقوسه لا تكتمل إلا بإقبال المؤمن بحرية، ودون حرج أو اضطرار، على العيش، دون "استفقار" بسبب شعيرة ليست ضرورية ولا مقدس تطبيقها على الصعيد الفردي. نعم، كنا نفرح ونبتهج بحلول عيد الأضحى ونحتفل مع كل سكان الحي بهذا العيد. ولكن يومنا يختلف عن ماضينا. هذا اليوم كثر فيه سماسرة الطماطم والأعلاف والدجاج والخرفان والبنزين. هذا اليوم الذي كان يحتفل به الفلاح كعيد يتوج جهوده من أجل تربية الأضاحي، تحول إلى سلب الأرباح منه واستغلالها من طرف سماسرة تساعدهم التسهيلات البنكية على الاغتناء، وهم الذين لا علاقة لهم بالقرية والأرض الفلاحية والسهر ليلا من أجل الحصول على الماء. يأتون من الأحياء الراقية بالمدن ليستغلوا هشاشة يعيشها الفلاح الصغير والمتوسط ويلقون شباك سماسرتهم لجني مئات الملايين. وهكذا يتم إلحاق الضرر بالمستهلك وبالفلاح. وهكذا تظل الدولة تتفرج على فوضى سوق من السهل القضاء على مفسديها. هل يصل ضعف الحكومة إلى الحد الذي تمتنع فيه عن إنشاء مراكز للبيع بقواعد مضبوطة على كافة تراب الوطن؟

أصبحت موقنًا أن من يقرأ القرار الاقتصادي والاجتماعي ويحاول أن يتناول قراءته بنقد نابع من حرقة الانتماء، هو ذلك الكائن الذي يخاف كثيرًا على بلاده وعلى مؤسساتها. أخاف لأنني أتجول في الأسواق ولدي رغبة في التقاط معاني كلام الناس في تعبيرهم العفوي والصادق. أحاول أن أتوجه بالكلام إلى من أثق في قدرته على إحقاق الحق لكي يتراجع هذا المد الهائج في كل المجالات من طرف أقلية لا يهمها أن نكون أو لا نكون.

خروف العيد مجرد كلمة في جملة في منظومة اجتماعية تضم السكن والصحة والبلدية والمدرسة وتضارب المصالح. أصبح الخوف على مستقبل الأسرة المغربية كبيرًا. وكم هم خطيرون من استفادوا من هدايا العقار والصحة والسياحة وحتى الاستثمار الذي نخصه بالكثير من الأمل. المستفيدون من الجشع والريع لا يهمهم أي استقرار، ولو كان على حساب الوطن والمواطن.