الجمعة 29 مارس 2024
فن وثقافة

سخرية المراكشيين من فرنسا والباشا لكلاوي بأغنية "أَلَالَّةْ طَاطَا. يَا ذِيكْ اَلْغَيَّاطَةْ"

سخرية المراكشيين من فرنسا والباشا لكلاوي بأغنية "أَلَالَّةْ طَاطَا. يَا ذِيكْ اَلْغَيَّاطَةْ" عبد الرحيم شراد
إهداء إلى "صديقي الأستاذ الباحث حسين فاسكا وإلى الفنان الباحث والمجدد، أيقونة مراكش البهجة مولاي الطاهري عبد العزيز، بعد أن سألني بالأمس الباحث حسين فاسكا عن قصة أغنية "أَلَالَّةْ طَاطَا. يَاذِيكَ اَلْعِيَّاطَةْ"، ولم أتردد في كتابة هذه الورقة".
 
لقد عادت بي الذاكرة إلى سنة 2010 عندما شاهدت مسرحية "قَايْدْ اَلْقِيَّادْ" التي قدمها النادي الفني المراكشي - كوميديا- من تأليف الأستاذ عبد الإله بنهدار، وإخراج الأستاذ حسن هموش. وقد تمنيت وقتها لو أن المخرج والمؤلف انتبها لهذه الأغنية و قاما بتوظيفها داخل العمل المسرحي.
 
اليوم عدت إلى نص عبد الإله بنهدار من جديد، وإلى المشهد الذي يجمع بين أرملتي "بوبكر بلبشير الغنجاوي" و الباشا الكلاوي و القاضي البياز، لو أتيحت لي فرصة إخراج هذه المسرحية سأجعل من الزوجة الأولى للمرحوم بوبكر خير نموذج لشخصية "لَالَّةْ طَاطَا".
 
قد يعتقد البعض أن "لَالَّةْ طَاطَا" هي من أغاني المهد التي نغنيها للأطفال الصغار، لكن الحقيقة أنها عكس ذلك. هذه الأغنية وغيرها من الأغنيات الطريفة مثل أغاني "جْرَادَةْ مَالْحَةْ " و "لَالَّةْ مَنَّانَةْ" و "آ اَلَقْرَعْ مَالَكْ زَرْبَانْ" و "الشْتَاتَاتَا"...
 
"لَالَّةْ طَاطَا" هي من القصائد التي كان يسميها الفنان المسرحي المرحوم المحجوب الراجي "الشَّمْشَاقِيَّاتْ". و هي قصائد قصيرة يتم فيها التلميح إلى أمور كبيرة، مثل قصائد الجَّفْرِيَاتْ في فن الملحون، التي كانت ترمز للطغاة من خلال توظيف أسماء الحيوانات. كذلك أغنية "لَالَةْ طَاطَا"، كلها تلميح لبعض ما قاساه أهل مراكش من غطرسة الباشا التهامي الكلاوي.
 
لقد اعتاد هذا الباشا أن يتزوج أو يزوج بعض رجاله وأعوانه بالنساء الأرامل بقصد الإستيلاء على الأملاك التي ورثنها من أزواجهن. و"لَالَّةْ طَاطَا" واحدة من بين هذه النساء.
من المعلوم أن أهل مراكش هم أهل "الَقْوَافِي و الَمْعَانِي" وطبعهم مرح، لذلك فإن لقب "لَالَّةْ طَاطَا"، هو رمز للمرأة الثرثارة. (ألا نقول مثلا: "فُلَانْ صَدَّعْ لِيَّا رَاسِي بِالْهَضْرَةْ اَلْخَاوْيَةْ. مَنْ الصّْبَاحْ وُهُوَ طَاطَا. طَاطَا". أما قولهم: "آ ذِيكْ اَلْغِيَّاطَةْ"، فمعناه أنها من شدة فرحتها لم تترك بيتا في مراكش إلا و قد بلغه خبر زواجها من الباشا.
 
"آ رَاهْ احْزَامَكْ طَاحْ"، كل نصيبك و نصيب الأبناء من تركة زوجك سيلهفه الباشا ويسطو عليه: "ادَّاوْهْ لِيكْ الَرْيَاحْ"، أي بمعنى: لقد ذهب الميراث أدراج الرياح: "لَرْيَاحْ اَلصَّرْصَارَةْ وُ ارْيَاحْ السَّمْسَارَةْ"..(الصرصارة جمع صرصار) وفي هذا سيأتي وصف الباشا بأنه كبير الصراصير بقولهم: "الْقَايْدْ بُوجَعْرَانْ". وهذه سخرية من شخصية الباشا لأن بُوجَعْرَانْ هو الصرصار الكبير "سَرَّاقْ الزِّيتْ".
 
والمعروف عن "سَرَّاقْ الزِّيتْ" أنه يخيف النساء فقط وكذلك كان الباشا يخيف النساء الأرامل، بعد أن يعلم السماسرة بخبر ترملهن فيخبرون الباشا الذي يستغل موت الرجل لكي يستولي على تركته: "أَدَّاوْهْ اَلسَّمْسَارَةْ وُ اَلْمُوتْ اَلْغَدَّارَةْ". بالإضافة لقولهم: "وَالْقَايْدْ بُوجَعْرَانْ. شْرَى لِيَّا بَلْغَةْ. وُ جَاتْنِي قَدِّي. رَبِّي بَيَّضْ سَعْدِي. اَلْقَايْدْ بُوجَعْرَانْ مْشَى يَشْرِي بَغْلَةْ. بَغْلَةْ عَلَّالِيَةْ. طَلْعَاتْ فُوقَ اَلسُّورِ وُ تْعَيَّطْ يَا مَنْصُورْ".
 
إن المقصود بـ "اَلْبَغْلَةْ اَلْعَلَّالِيَةْ" هي "لَالَّةْ طَاطَا" المرأة الثرثارة التي تذيع خبر زواجها بين الناس علانية، أي "بِالْعَلاَّلِي".
وتسمتر سخرية ابقصيدة بالقول: "وَ تْعَيَّطْ يَا مَنْصُورْ. يَا ذَبَّاحْ اَلزَّرْزُورْ. فِي اَلْغِيرَانْ كْلَاوْهْ شِي فِيرَانْ" بمعنى أن الأغنية تشبه أتباع الباشا بالفئران. أما "اَلْمَنْصُورْ وُ ذَبَّاحْ اَلزَّرْزُورْ" فهي سخرية من شخصية الباشا.
 
في جزء من نفس الأغنية يقول المراكشيون: "يَا حْمَامَةْ بِيَّاضَةْ. عَيْطِي لْبَابَا خُويَا. بِالسّْبَانِي وُ الْكُمِّيَةْ": حيث يتضح أن نفس السيناريو كان يتكرر مع كل أرملة. على اعتبار أن عبارة "حْمَامَةْ بِيَّاضَةْ" أشبه بالمثل الشعبي الذي يقول: "مَا حَدْهَا تْقَاقِي وُ هِيَّ تْزِيدْ فِي اَلْبَيْضْ".
 
أما "بَابَا خُويَا" فهي إشارة إلى الأخ الأكبر للباشا و هو المدني الكلاوي الذي كان يشغل منصب الصدر الأعظم و قد كان سند أخيه الباشا التهامي الكلاوي . و أما التلويح " بِالسَّبْنِيَةْ وُالكُمِّيَةْ"، فمعناه أن الباشا كان مستعدا أن يجنح للسلم كما كان مستعدا للقتال والحرب. ولهذا كانت الإشارة للكُمِّية أي الخنجر .
 
إن النصيب من كل ما يحصل عليه الباشا بسبب احتياله على الأرامل كان المستفيد الأول منه هو المستعمر الفرنسي: "اَعْطِينِي أَزْرَيْزِيرَةْ. وَ اللهْ لَا خْذِتِيهْ. حْتَى تْجِي خَيْتِي حْلِيلِيفَةْ"
 
هكذا سخر المراكشيون من الإقامة العامة الفرنسية لقد سموها "حْلِيلِيفَةْ". و ليست فرنسا وحدها المستفيدة من هذه الكعكة: "حْتَى تْجِي حْلِيلِيفَةْ وُ تَّاخُذْ خْبِيزَتْهَا. هِيَ وُ بْنِيَتْهَا. فِي بِيتْهَا" . إن المقصود بـ "بَنْتْ حْلِيلِيفَةْ"، هي شركة "سوكوما" الشركة التجارية المغربية التي أسسها اليهودي "ج . ف إسرائيل" سنة 1912، والتي استطاعت بمساعدة الباشا التهامي لكلاوي والإقامة العامة الفرنسية الإستيلاء بالمكر والحيلة والتخويف على الكثير من أراضي العائلات المراكشية .
 
هذه هي قصة "لَالَّةْ طَاطَا". و هذه أول مرة في المغرب يتم فيها الكشف عن معانيها، بقي أن أشير إلى أن هذا النوع من الأغاني ذات الطابع السياسي كانت تكتب دائما بأسلوب قريب إلى الإتجاه الأدبي في الكتابة المسرحية المعروف باللامعقول أو مسرح العبث . هكذا هي "الشَّمْشَاقِيَاتْ" كما سماها الفنان المحجوب الراجي رحمة الله عليه.
ألم يقل يوما الكاتب المصري توفيق الحكيم "يا طالع الشجرة / هات لي معك بقرة/ تحلب و تسقيني بالملعق الصيني" .