الجمعة 29 مارس 2024
فن وثقافة

أحمري: مَحَارِكْ فارسات الوطن تستقطب جمهور التْبُورِيدَةْ النسائية حبا في التراث (ح/3)

أحمري: مَحَارِكْ فارسات الوطن تستقطب جمهور التْبُورِيدَةْ النسائية حبا في التراث (ح/3) كتيبة لمقدمة أمال أحمري

تستمر ممثلة جهة الرباط القنيطرة سلا لَمْقَدْمَةْ أمال أحمري في حكيها لجريدة "أنفاس بريس" لكي نسلط الضوء على مشكل منع وإبعاد فارسات التبوريدة من المشاركة في منافسات دار السلام منذ سنة 2010. ملف التبوريدة بصيغة المؤنث طاله النسيان أكثر من 12 سنة، ولم يوليه القائمون على حقل الفروسية التقليدية أي اهتمام يذكر (الجامعة و لاسوريك..) وكأن التبوريدة حكر على الرجال لوحدهم دون النساء في الوقت الذي أرّخت خطابات ورسائل الملك محمد السادس وانتصرت لضرورة الاهتمام بالموروث التراثي والثقافة الشعبية، وإبرازها كمعمار إنساني يصون الهوية المغربية.

في الحلقة الثالثة من سلسلة لقاءاتنا مع اَلْبَّارْدِيَّاتْ المغربيات، تساءلت بعض الفارسات الغيورات على فن التبوريدة عن غياب الجهات الوصية والمسؤولة عن تراث الفروسية التقليدية (جامعة، سوريك، وزارة..). وتساءلت قائلة: "أين الجامعة؟ وأين لاسوريك؟ أين وزارة الثقافة و وزارة السياحة والقطاعات ذات الصلة بموضوع الخيل والبارود؟ الكل يتملص من المسؤولية، والجميع خارج التغطية وكأن لا شيء يعنيهم في ملف التبوريدة النسائية في المغرب. ألم يحن الوقت بعد (12 سنة من الإبعاد) لاتخاذ إجراءات ترد الاعتبار لـ "الْبَّارْدِيَاتْ" وسربهن التي تتقاتل من أجل الحفاظ على موروثنا التراثي الذي أضحى مكونا إنسانيا كونيا باعتراف اليونيسكو؟".

لمقدمة أمال أحمري التي واكبت وشاركت في تظاهرات دار السلام لما يقارب 7 سنوات، (2003 إلى 2010) لم تستسغ طريقة تدبير الأزمة المختلقة في ملف الفروسية بصيغة نون النسوة، وتتحدث عن التبوريدة النسائية بحرقة نظرا لما طالها من شطط من خلال إبعاد الفارسات من ميدان المنافسة على جائزة الحسن الثاني بدار السلام مدة 12 سنة. لذلك فإن أمال أحمري تستغرب كون أن معالجة مشكل "اَلْبَّارْدِيَّاتْ" لم يتم بطريقة حكيمة وعادلة ومنصفة وكأن الأمر يتعلق بجريمة خطيرة شاركت وتورطت فيها كل لَمْقَدْمَاتْ والفارسات، في حين أن الأمر يتعلق بحالة معزولة ومنفردة كان من الممكن التعامل معها في حينه بطريقة قانونية وتأديبية دون المساس بحقوق الفتيات اَلْبَّارْدِيَّاتْ اللواتي أبعدن من ميدان التبوريدة ظلما.

في هذا السياق أكدت لمقدمة أمال أن قرار إبعاد سُرَبْ الفارسات من منافسات دار السلام كان له انعكاس سلبي على نفسية الْبَّارْدِيَاتْ، بحيث أنهن يفتحن نقاشا حادا في الموضوع كلما أتيحت لهن الفرصة فيما بينهن، لذلك كنّ يتمنين بصدق أن تحسم الجامعة الملكية المغربية للفروسية التقليدية الجدل في الملف بإصدار بلاغ توضيحي في حينه للرأي العام بخصوص ما وقع ومتى وكيف ومن يتحمل مسؤولية الاتهامات التي كانت سببا في قرار الإبعاد، (وَمْرِيضْنَا مَا عَنْدُو بَاسْ). لكن للأسف ينطبق على الجهات الوصية المثل القائل: "فاقد الشيء لا يعطيه" و "كم من حاجة قضيناها بتركها".

هذا الملف الشائك، أثر على الفارسات "اَلْبَّارْدِيَّاتْ" معنويا ونفسيا ومع ذلك وبعزيمتهن وإرادتهن القوية استطعن أن يفرضن وجودهن في مختلف المهرجانات والمواسم التي يتم استدعائهن لها لتقديم عروضهن للجمهور في مختلف جهات المملكة، كتعويض ومتنفس وليس بديلا عن تظاهرة دار السلام الوطنية.

 تقول أمال أحمري في هذا الصدد: "لقد استطاعت سُرَبْ الفارسات أن تحقق المتعة والفرجة، وتدخل الفرحة على القلوب، وتصنع السعادة في حضرة الجمهور الذي يعشق سَرْبَاتْ الخيل بصيغة المؤنث". وأضافت موضحة أن "جمهور الفتيات الْبَّارْدِيَّاتْ غفير جدا، وكلما سمع بتواجد سربة خيل نسائية إلا وحضر بكثرة للتشجيع والمؤازرة، فتكتمل الصورة بنساء يزغردن فرحا، ورجال يرقصون انتشاء، وشباب يصفق ويهتف طربا بموسيقى شعبية تعبر عن تكامل تراثنا داخل فضاء المحرك..."، هكذا رسمت أحمري مشهدا رائعا يعطي الإنطباع بأن المغاربة يعشقون تراثهم بإخلاص وأن موروثهم الثقافي الشعبي بخير ولا خوف على تامغربيت.

جمهور التبوريدة النسائية عريض جدا، ويحج بكثرة للمواسم والمهرجانات التي تستقطب سَرْبَاتْ خيل نسائية، ولهذا السبب كان يحج بشكل كبير لدار السلام من أجل مشاهدة فتيات فارسات يجدن التبوريدة وإطلاق البارود على صهوة خيولهن.

في هذا السياق روت لَمْقَدْمَةْ أمال أحمري حادثة طريفة قائلة: "ذات سنة، تم تنظيم مهرجانين للفروسية من طرف غريمين سياسيين في وقت واحد. وكانت المسافة الفارقة بين المهرجانيين لا تتعدى سوى عشرات الأمتار..(داخل الدائرة الانتخابية)"، وحسب حكايتها "فقد استقطب ممول مهرجان (أ) عدد كبير من سَرْبَاتْ الخيل الرجالية، وأنفق الشيء الكثير على التنظيم واللوجستيك واستقبال ضيوفه، لضمان حضور جماهيري قوي". لكن حيلة وثعلبية غريمه صاحب مهرجان (ب) كانت خطيرة، بحيث أنه فضلا عن دعوته للعدد الكافي من سُرَبْ الخيل والفرسان، فقد تفتقت عبقريته وقام باستدعاء سربة نسائية".

وحكت لَمْقَدْمَةْ أمال أنه رغم أن موقع مهرجان (أ) كان بجانب الطريق وعرف في اليوم الأول اكتظاظا مهولا للسيارات والشاحنات والدراجات النارية والعربات المجرورة والزوار، حيث حج إليه الجمهور من ساكنة المنطقة. إلا أن المفاجئة هي أن المهرجان (ب) ورغم أن موقعه داخل القبيلة فقد استطاع أن يحشد أكبر عدد من الجمهور، بل أنه استقطب أغلب ضيوف وزوار المهرجان (أ) وترك فضائه فارغا...والسبب هو شيوع خبر تواجد سربة فارسات بَّارْدِيَاتْ بالمهرجان (ب) يقدمن أحسن العروض تحت تصفيقات وزغاريد النساء والرجال والشباب والأطفال. لذلك تصر أمال أحمري على أن التبوريدة بصيغة المؤنث لها جمهورها العريض والواسع حسب تصريحها.

وتقاسمن عدة فارسات التعبير عن نشوة وألق لحظة دخولهن لمحرك التبوريدة على صهوة الجياد، أمام الجمهور العاشق لفن التبوريدة استعدادا للفرجة وإطلاق البارود في عنان السماء "إحساس بالنخوة والشهامة والعظمة فوق صهوة الحصان العربي والعربي البربري الأصيل. أشعر أنني فارسة مغربية أصيلة ترسم أروع لوحة فنية بلباسها التقليدي الذي يتكامل مع إبداع الصانع التقليدي الذي أتقن وتفنن بأنامله في صناعة السَّرْجْ واَلْمُكَحْلَةْ واَلْكُمِيَّةْ واَلسَّيْفْ والدَّلِيلْ وكل مستلزمات التبوريدة....إنها تَامَغْرَبِيتْ".

وفي سياق الحديث عن الآفاق المستقبلية قالت لَمْقَدْمَةْ أمال أحمري: "يجب أن نعمل على تحسين طريقة اللعب وركوب الخيل لدى الفارسات الْبَّارْدِيَّاتْ والرفع من مستواهم الفني والرياضي، ومن المفروض على رئيسة السربة قائدة الفارسات أن تفرض وجودها ميدانيا، وأن تسهر على حسن أخلاقهن واحترامهن لقدسية مهمتهن التراثية، ولن يتأتى ذلك إلا بانخراط كل المؤسسات ذات الصلة في ميدان الفروسية، وإقامة عروض وندوات ولقاءات تحسيسية وتأطيرية وتكوينات لفائدة الفارسات...".

في تواصلنا معهن، فإن أغلب الفارسات يلححن على ضرورة إشراكهن في منافسات دار السلام بالرباط، وفسح المجال لهن لتقديم عروضهن خلال صالون الفرس بالجديدة، مع العلم أنهن يطالبن بقانون منظم يضمن ويكرس الحقوق والواجبات، ويرفع من منسوب الثقة بين مختلف الفاعلين. ويحرك المسؤولين على صعيد كل جهات المملكة لإحداث محارك ومرافق ومدارس للتكوين والتعليم في مجال الخيل والبارود، والتنقيب والبحث عن فارسات وإعدادهن لميدان التبوريدة الذي هو ليس حكرا على الرجال فقط، وإنما ساهمت وشاركت فيه المرأة تاريخيا وحضاريا بجانب فرسان الوطن.

 

يتبع