الخميس 25 إبريل 2024
فن وثقافة

دوالكيفل: قراءة في كتاب "البرلمان المغربي وحقوق الإنسان"..ممارسات ومرجعيات

دوالكيفل: قراءة في كتاب "البرلمان المغربي وحقوق الإنسان"..ممارسات ومرجعيات بوشعيب دوالكيفل (يمينا) إلى جانب عبد الرزاق الحنوشي وغلاف كتابه الجديد
نظمت حلقة الوفاء لذاكرة محمد الحيحي بتعاون مع جمعية المنصور للتضامن و التنمية فطور مناقشة لكتاب الباحث عبد الرزاق الحنوشي حول :" البرلمان و حقوق الإنسان مرجعيات و ممارسات"، الأربعاء المنصرم بالرباط وقد شهدت هذه الأمسية تقديم مداخلات كل من: محمد الصبار الأمين العام السابق للمجلس الوطني لحقوق الإنسان و د. عبد العالي زنيدر و ذ. احمد ايت ابراهيم و ذ. بوشعيب ذوالكيفل والذي خص "أنفاس بريس"، بمداخلته ننشرها كاملة :
 
شكل كتاب "البرلمان المغربي وحقوق الإنسان" الذي ألفه الصديق عبد الرزاق الحنوشي، والصادر عن مطبعة دار المناهل (مارس 2022) 285 صفحة، شكل تناولا جديدا ومتميزا لموضوع حقوق الإنسان من زاوية السلطة التشريعية في المغرب بغرفتيها، مع حرص كبير على تسليط الأضواء على المرجعيات والممارسات بناء على وثائق ومعطيات من قلب البرلمان ودواليبه، فضلا عن ملاحق هامة جدا.
صحيح أن موضوع السلطة التشريعية في بلادنا، عبر تاريخ المؤسسة البرلمانية تشوبه مناطق رمادية تميل، أحيانا كثيرة إلى السواد.
ويُحسب لمؤلف الكتاب أنه عثر على زاوية نظر وافتحاص ومقاربة تسلط الأضواء على نقطة ضوء ما زالت في حاجة ماسة وضرورية إلى توسيع مساحاتها وتعميقها أكثر وتقوية عضلاتها الحقوقية.
عبر صفحات الكتاب سوف يقف القارئ المهتم والمتخصص( ولاسيما النبيه) على دروب حقوق الإنسان وحاراتها ومساربها وزواياها "المظلمة" في علاقتها بالبرلمان المغربي.
إن مرارة الديمقراطية المغربية وخباياها وهشاشاتها تشكل تحديا لمن تابعها ويتابعها ويقرأ بين سطورها والمسكوت عنه بشؤونها، لكن كتاب عبدالرزاق الحنوشي يترك بارقة أمل للتعامل مع المؤسسة البرلمانية من زوايا حقوق الإنسان والوقوف على ركائز هذه الحقوق وكافة أطرافها وعضلاتها، الرخوة منها والصلبة. وهو ما نجد توضيحا بشأنه منذ بداية الكتاب، لاسيما الصفحة 15 تحت عنوان "مسوغات اختيار الموضوع"، حيث يعترف المؤلف بأسباب ومبررات "اقتراف" هذا المنتوج، حيث يقر، في الصفحة 16، أن هناك "محدودية" لدور البرلمان في مجال الممارسة الاتفاقية، وكذا ورش ملاءمة الترسانة القانونية الوطنية مع الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان التي صادق عليها المغرب.
ويورد المؤلف تدقيقا هاما عندما يؤكد " أن قيم حقوق الإنسان، عندما تُنقلُ إلى أرض الواقع الاجتماعي، تواجه بالفعل تناقضات بين مضامينها السامية، من جهة، وبين وقائع وحقائق السياسة في عالم اليوم"، وبدوري أضيف إلى ذلك أيضا : " وخاصة عندما تُطرح فعلية الحقوق ومسألة التقاضي بشأنها -
la justiciabilité des droits – l’effectivité des droits-
وقد حرص المؤلف على مد القارئ المهتم، وكذلك المتخصص، بتذكير ضروري ومفيد بمسار المنظومة الدولية لحقوق الإنسان، عبر كل من السياق التاريخي ومفهوم حقوق الإنسان وسماتها وترابطها وعدم قابليتها للتجزيء وعدم تراتبيتها، مع التذكير أبضا بالنصوص المرجعية الأساسية لحقوق الإنسان.
وعلى المستوى المؤسساتي أبرز مؤلف الكتاب إحدى الآليات الدولية التي تُعرض فيها جهود البرلمانات، عبر العالم، في مجال حقوق الإنسان من خلال الاستعراض الدوري الشامل UPR، الذي تقدم فيه الحكومات تقاريرها، وبهذه المناسبة تجدر الإشارة إلى أن المغرب سيقدم تقريره الرابع خلال شهر نونبر 2022. وفي الكتاب إشارة إلى أن البرلمان المغربي معني، أيضا، بالتوصيات والإجراءات الصادرة بمناسبة الاستعراض الدوري الشامل الذي تقدمه السلطات الحكومية المعنية.
وعلاوة على ذلك تناول صاحب الكتاب، من خلال تسليط الأضواء على الحصيلة التشريعية في مجال حقوق الإنسان، عدة قضايا ذات صلة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وبالحقوق المدنية والسياسية. وتشمل هذه المادة الدسمة من الكتاب ما ورد في العديد من مشاريع القوانين، حيث تشكل "هذه المادة الخام" مرجعا للباحثين والمتخصصين، سواء في الوسط الأكاديمي أو في أوساط المجتمع المدني الحقوقي، الذي يعلم الكثيرون المهام المنوطة به والأدوار التي يقوم بها في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان والنهوض بها والترافع بشأنها، سواء داخل المغرب أو في محافل المنتظم الدولي، من خلال تقاريره الموازية.
وبالنسبة للمعطيات الرقمية/الإحصائية المتعلقة بعدد الأسئلة البرلمانية المقدمة، في غرفتي البرلمان، والتي وردت بدءا من الصفحة 163 تحت عنوان الأسئلة البرلمانية: مؤشرات كمية، فأنا أفضل التعامل معها ليس كميا فقط وإنما نوعيا، لأن واقع العديد من الأسئلة البرلمانية ( الكتابية والشفهية) ووزنها ومدى توفرها على مقومات الأسئلة الحقوقية ينكشف عندما تفحصها نباهة المتخصص والمهني والأكاديمي الحقيقي والخبير المحترف في حقوق الإنسان.
كما أشار الكتاب إلى تمثيلية البرلمان في بعض المؤسسات والهيئات المشار إليها في الفصول من 161 إلى غاية الفصل 170 من هذا الدستور، وهي الواردة في الباب الثاني عشر تحت مسمى مؤسسات الحكامة الجيدة، ويطرح اختيار "الأشخاص" للعضوية في المؤسسات المذكورة باسم البرلمان بناء على مقاربة "التوافقات" بين الفرق البرلمانية، يطرح مدى استحضار مسألة التعامل بجدية ونزاهة مع مقاصد هذا المقتضى الهام، الذي يتعرض لإفراغ من فحواه ومراميه النبيلة كما نجده في ممارسات فضلى في بلدان ديمقراطية. وهنا أتهم/ J’accuse التوافقات التي تفضي إلى أخطاء، بل إلى خطايا، في هذا الأمر لاسيما مدى الالتزام بمعيار "الشخص المناسب في المكان المناسب"، وهو موضوع يستدعي التقيد بمعايير موضوعية ومهنية وبالتجرد من الشخصنة الضيقة.
وبخصوص فقرات الكتاب، المتعلقة بتفعيل الفصل 160 من الدستور، الواردة في الصفحات من 206 إلى 208، فأنا أعتبرها متميزة من حيث التوثيق والاستناد إلى مراجع وأحكام المحكمة الدستورية. كما يتعين التنويه بالملاحق التي اعتمدها الكاتب.
وشخصيا أتمنى صادقا ( بل أحلم، من منطلق الحق في الحُلم) أن يشكل هذا المرجع الهام Le livre de chevet لأعضاء وعضوات البرلمان المغربي وللهيئات الحزبية التي يمثلونها، ومن ضمنه ومكوناته أساسا "الملاحق" الهامة والغنية وعلى رأسها مبادئ بلغراد التي تنظم العلاقة بين المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان والبرلمان ( 2012) ص 227 إلى ص 233 من الكتاب.