السبت 20 إبريل 2024
كتاب الرأي

العثماني: شهر رمضان.. مدرسة قرآنية بامتياز  

العثماني: شهر رمضان.. مدرسة قرآنية بامتياز   الصادق العثماني
مدرسة رمضان هي مدرسة القرآن الكريم بامتياز؛ ففيها نزل على قل نبينا العدنان وهو يتعبد الله في غار حراء، قال تعالى: "شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن، هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان" وفيها كان النبي صلى الله عليه وسلم يخص رمضان بالإكثار من تلاوة القرآن وتدارسه مع جبريل عليه السلام، ففي الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "كان النبي صَلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلمَ أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن.." لهذا شهر رمضان هو شهر القرآن؛ بل أصبح في عالمنا الإسلامي موسما وعيدا لقراءته وتلاوته وتجويده وحفظه، وهذا في حد ذاته أمر جميل ومهم؛ لكن هناك مفارقات عجيبة وتناقضات غريبة تقلقني وتحرجني مع نفسي، ومع بعض الغربيين من أصدقائي، فإذا كان هذا الحضور القوي والوازن للقرآن الكريم في هذا الشهر العظيم، فأين ثمار تعاليمه وقيمه، كمحبة الوالدين والعدل والرحمة والشورى والمساواة والحرية والكرامة ومساعدة الفقراء والضعفاء من مخلوقات الله تعالى..؟ فبجولة بسيطة في دول المسلمين فلن تجد لهذه القيم القرآنية أي أثر يذكر! وهذا الانحراف عن قيم القرآن ونهجه وتعاليمه وقيمه قد حصل مبكرا؛ وبدايته كانت في فترة خلافة عثمان رضي الله عنه، -حسب رأيي الشخصي- وخصوصا بعد مقتله رضي الله عنه، ومن ثم انطلقت شرارة الفتنة رويدا رويدا بين المسلمين وصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم تكن معركة صفين بين الإمام علي رضي الله عنه، ومعاوية، إلا إحدى نتائجها السلبية التي انقسم المسلمون من خلالها إلى فرقتين كبيرتين؛ فرقة السنة وفرقة الشيعة؛ لكن الأخطر من هذا كله هو استعمال هذا القرآن العظيم كأيديولوجية وكخدعة للوصول إلى سدة الحكم خلال هذه المعركة؛ ففرقة معاوية حين شعرت بقرب هزيمتها التجأت إلى فكرة الاحتكام للقرآن الكريم لكي تخلص نفسها من الهزيمة، الإمام علي رضي الله عنه وهو العالم بأسرار القرآن الكريم انتبه للخطة والحيلة وقال قولته الشهيرة: " القرآن محصور ما بين دفتي المصحف، وهو لا ينطق بلسان وإنما لا بد له من ترجمان" هنا كانت الطامة الكبرى والتي لم تظل محصورة في اغتيال الشورى وتحويل الحكم الإسلامي من حكم شوري ديمقراطي بلغة العصر، إلى حكم شمولي ديكتاتوري؛ بل الأمر تعدى إلى أخطر من هذا كله وهو اغتيال عقل المسلم وروح القرآن من جهة، وتحويل علاقة المسلم بالنص القرآني وربطه بالسيف والمصالح الشخصية والقبلية من جهة أخرى، هذا الانحراف عن سبيل القرآن الكريم ومقاصده النبيلة وقيمه العظمى أسس لنمطية خطيرة في مجتمعاتنا المسلمة تجلت في تقديس هيكل القرآن الكريم، وقتل جوهره وروحه ومعانيه وفعاليته في ضمائرنا وفي حياتنا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية والدينية؛ لهذا نرى ازدواجية وتناقضات عجيبة وخطيرة في واقع المسلمين اليوم، تجدنا في المساجد نقرأ القرآن كملائكة الرحمن، وفي أسواقنا وشوارعنا ومدارسنا وتجارتنا ومؤسساتنا نقوم ببعض الأفعال يخجل منها حتى الشطان نفسحه، ونعاكس بأفعالنا هاته ما تلوناه وجودناه في صفحات هذا القرآن، وبدون أن نشعر بأي حرج أو خجل !!. مع العلم ان أهمية القرآن الكريم لا تكمن في ترتيله وتجويده وحفظه أو إجراء مسابقات دولية فيه أو افتتاح القنوات التلفزية وبعض المحاضرات الإسلامية بآياته وسوره فقط؛ بل الأهمية الكبرى للقرآن تكمن فيما اشتمل عليه من هداية وتزكية وأخلاق كريمة، وتشريعات عادلة وقيم إنسانية كونية، وما اشتمل عليه كذلك من تعاليم وتوجيهات حكيمة لبناء الأسرة والمجتمع الفاضل، وتنظيم الدولة القوية الآمنة، يسودها العدل والشورى والديمقراطية والرحمة والمساواة والكرامة وحرية الرأي والعقيدة. 
الصادق العثماني باحث في الفكر الإسلامي وقضايا التطرف الديني