الجمعة 19 إبريل 2024
كتاب الرأي

محمد اصريدي: الجزائر بين مطرقة القرارات وسندان النكسات

محمد اصريدي: الجزائر بين مطرقة القرارات وسندان النكسات محمد اصريدي
هي الجزائر...الجار الشرقي للمملكة المغربية الشريفة. هي الجزائر...البلد الذي استمد أنفاس ثورته من رحم المملكة المغربية، هذه الأخيرة التي احتضنت الثوار وأطرت قادتهم بالعتاد والقرار، حتى انتصرت الثورة وباء المستعمر الفرنسي بالخيبة والاندحار...
هي الجزائر...فبعد أن بزغ فجر استقلالها سنة 1962 حتى تفرغ قادتها للمناورة والكيد للمغرب إثر مطالبة هذا الأخير بتسوية موضوع الحدود المشتركة والتي رفض الملك محمد الخامس رحمه الله مناقشتها مع المستعمر الفرنسي، وهكذا انتهى المطلب المغربي المشروع بقوة التاريخ والجغرافيا إلى هجوم مسلح جزائري غادر على بلد ساند كفاحه المسلح من أجل الاستقلال بكل غال ونفيس، بل وقاد هذا الهجوم إلى نشوب حرب الرمال سنة 1963 ، هذه الحرب التي فرضت على المغرب ، انتصرت لكلمة الآباء والجدود ، وخدشت كبرياء اللؤم والجحود ، وصدق الشاعر إذ قال : "ومن يجعل المعروف في غير أهله يكن حمده ذما عليه ويندم " وفي نفس السياق قال أحد الشعراء أيضا : " إذا انت أكرمت الكريم ملكته وإن أنت أكرمت اللئيم تمرد " أجل ياسادة...! هو الجحود والحقد الدفين وعقد من لا تاريخ له...هو هذا وذاك من دفع بالدولة الجزائرية الحديثة المؤسسة بمرسوم فرنسي إلى ولادة جمهورية وهمية لا تكاد تكون عاصمتها وأركانها إلا في مخيلتهم وإن كانوا ولازالوا ينفقون عليها مليارات الدولارات على حساب لقمة عيش شعبهم ونماء وتقدم دولتهم الفتية المبنية أصلا على حساب أراضي جيرانها إبان حكم الفرنسيين الذين توسعوا بالجزائر غربا وشرقا وعبر كل الجهات ظنا منهم أنهم مقيمون هناك للأبد...
ومنذ حرب الرمال التي فرضت على المغرب فانبرى لها الرجال...اختارت الجزائر تكوين تلك الدويلة الوهمية على ترابها كي تحارب بها المغرب بالنيابة وهي بذلك تهدف إلى زعزعة استقرار المغرب وتفكيك وحدته الترابية وفصل جنوبه عن شماله حتى تخنق امتداده بعمقه الإفريقي وبالتالي يتأتى لها العبور عبرها إلى المحيط الأطلسي الذي يؤهلها لتكون دولة اقليمية ذات منافذ استراتيجية...لقد كانت الولادة القسرية للمولود الجديد سنة 1976 ، ولادة عسيرة كلفت أطباءها ملايير الدولارات ولازال الثمن باهضا دون أن يكبر الطفل الهجين ولا أن تكبر أحلامه...ولازالت مستشفيات الطفل العاق تستنزف خزينة سوناطراك البترولية...فالطفل ولد مريضا لا يقوى على الحياة لهذا أرهق والده بالتبني واستنزف قواه ، فشاخ الوالد الجحود دون أن يخرج الطفل العاق للوجود...أجل شاخ الوالد بالتبني وما خرج الطفل من عنق الزجاجة لهذا لم تسطع له كينونة...
واستقر المغرب في صحرائه وباشر نماءها وإعمارها رغم سنوات التدافع بين المغرب والإبن العاق نيابة عن الأب غير الشرعي إلى غاية سنة 1994 حيث تم الاتفاق على وقف إطلاق النار تحت الرعاية الحصرية للأمم المتحدة سنة 1991 ومنذ هذا التاريخ والمغرب يباشر بناء هذه الأقاليم الجنوبية عبر استثمارات ضخمة رغم بعض الرجات والشطحات الكلينيكية التي كانت البوليساريو تخلقها من حين لآخر على مستوى الشريط البحري أو على مستوى معبر الكركرات الحدودي الرابط بين المغرب وعمقه الإفريقي...فكانت البوليساريو وبتخطيط من مهندسي المرادية تتجرأ على قطع شرايين التجارة وتنقل الأشخاص بين الفينة والأخرى إلى غاية سنة 2020 حيث وضع المغرب حدا لهذه الصعلكة السياسية عبر عملية تطهيرية ناجحة كان لها ما بعدها ألا وهو سيطرته على كافة المناطق العازلة وتعزيزها بمزيد من دفاعات الجدار الأمني...وقد كانت هذه العملية التكتيكية لحد بعيد ذات أبعاد جيوسياسية إذ ضرب المغرب من ورائها أكثر من هدف إن على المستوى الإقليمي حيث أسقط المغرب أقصوصة المناطق المحررة ، وأمن بذلك كافة حدوده الجنوبية، أو على المستوى الدولي لما لاقته هذه العملية من إشادة أممية ودولية واسعة مقابل تنديد وإدانة للجبهة الوهمية ومن وراءها...أجل لقد كانت هذه العملية ضربة قاسمة للقوة "الضاربة" حيث انقلب السحر على الساحر وشرب من مكره ماءه العاكر. ...
ولم تتأخر المطرقة عن السندان كثيرا، إذ بعد دحر مخططات قصر المرادية عبر هاته العملية النوعية التي أرخت لمرحلة جديدة جاءت الضربة القاضية التي قسمت ظهر البعير : إنه الاعتراف الأمريكي التاريخي بمغربية الصحراء الذي دفن وهم الانفصال قلب تندوف والمرادية حيث يربض حلم الذل والظلال.
ومرة أخرى كان للمطرقة موعد مع السندان إذ مازال قطار الدبلوماسية المغربية يسير ثابتا على سكته الحكيمة ويدوس تخوم الانفصال والمؤامرة في طريقه، بل ويكثم أنفاس الأعداء دون هوادة : وقد كان الموعد هذه المرة مع المحطة الأندلسية بعد أن توقف هنيهة بالمحطة الألمانية حيث أقبر النزعة الميركلية بكل شموخ ومهنية...أجل، هاهي مدريد تقر للمغرب بما يريد ، وتزلزل عرش جنيرالات الجزائر ورئيسها العنيد بل وجبهتها الوهمية التي مافتئت تتغنى بلغة النار والحديد...فقد تلقى الديوان الملكي المغربي رسالة من الرئيس الإسباني فخامة السيد بيدرو سانشيز أعرب لجلالته فيها عن وعيه الكامل لما تشكله قضية الصحراء المغربية من أهمية للمغرب والمغاربة وأنه يرى في المباراة المغربية للحكم الذاتي الأساس الأكثر جدية وواقعية ومصداقية وأنه بناء على ذلك سيتخذ خطوات ثابتة لبناء علاقة تضمن الاستقرار والوحدة الترابية للبلدين، علاقة مبنية على التواصل والتنسيق والاحترام المتبادل للإتفاقيات والإلتزامات الثنائية والإمتناع عن أية قرارات أحادية الجانب...هذا الموقف الإسباني الذي يعتبر خطوة كبيرة في الإتجاه الصحيح إذا ما استحضرنا كون إسبانيا هي أكبر معاقل الإنفصاليين بالقلعة الأوروبية، وكذا كونها المستعمر السابق للصحراء المغربية والذي يملك من أرشيف التاريخ ما يثبت أحقية المغرب على صحرائه وزيف ادعاءات صعاليك المرادية..هذا الموقف الإسباني الذي خرج من عنق الزجاجة على إثر دخول ابن بطوش للديار الإيبيرية قصد الاستشفاء، أصاب النظام الجزائري ومعه الجبهة الوهمية في مقتل وكأن الجرعة الاستشفائية تحولت إلى سم قاتل للضيف والمضيف لكن هذا الأخير عاد للحياة من جديد بعد أن علم بالوصفة الطبية التي تنجيه...
وهكذا تلقف المغرب الرسالة بنخوة الجار الكريم ورد التحية بأحسن منها حيث لم يتأخر كثيرا على إرسال سفيرته السيدة المقتدرة كريمة بنيعيش، فكان دخولها للديار الإسبانية بمثابة طرد للسفير الجزائري المكلف بإدارة ملف الصحراء هناك حيث يعمل على تمويل وتأطير الشرذمة الانفصالية ، ذلك أن الجزائر استدعت سفيرها للتشاور وهو ما يورطها أكثر في هذا الملف باعتبارها الطرف الرئيسي في هذا النزاع المفتعل..
وإذا كانت المملكة المغربية قد رحبت برجوع اسبانيا إلى جادة الصواب فإن الخطوة الدبلوماسية الجريئة تلقتها العديد من الأحزاب والشخصيات الإسبانية بارتياح عميق: فقد خرج كذلك الرئيس الإسباني السابق فخامة السيد خوسي لويس رودريغو ثاباتيرو ليصرح لراديو "كادينا سير " قائلا :"يجب أن نهنئ أنفسنا لأننا استعدنا اليوم شيئا مهما لإسبانيا، يتعلق في علاقة الثقة مع المغرب...فاستقرار اسبانيا ومحاربة الهجرة والإرهاب هي قضايا تعتمد على إقامة علاقة جيدة مع المغرب..."
هذا وتوالت ردود الفعل الإيجابية عبر كل بقاع العالم وتفاعلت معها جمعيات المجتمع المدني في إطار الدبلوماسية الموازية بكل ارتياح واعتزاز ، وهذا ما عبر عنه السيد عبد العزيز منار رئيس اتحاد جمعيات المغاربة بالألزاس حيث يرى أن الخطوة كانت متوقعة بحكم تضارب مصالح البلدين وللعلاقة الاستراتيجية التي تجمعهما..أما السيد عبد الرحيم الصلح رئيس جمعية الصداقة المغربية الفرنسية بالألزاس فنعث هذه الخطوة بالشجاعة والتي ستؤسس لعلاقة مستقبلية مبنية على الاحترام والتعاون...بدوره عبر السيد بيطار الحسين وهو موظف بالإدارة الفرنسية عن كون هذه الخطوة ستكون إضافة إلى ما قيل بشرى خير على الجالية المغربية المقيمة بالديار الأوروبية حيث ستؤسس لعملية مرحبا جديدة خصوصا ونحن على أبواب العطل الصيفية بالقدر نفسه الذي ستخدم هذه الخطوة القضية الوطنية..