الجمعة 29 مارس 2024
كتاب الرأي

خالد فتحي: روسيا والأطلسي..المواجهة المحتومة

خالد فتحي: روسيا والأطلسي..المواجهة المحتومة خالد فتحي

هناك تفصيل مختلف بخصوص الأزمة الروسية الاوكرانية غالبا ما يتم تجنب الحديث عنه. إذ كيفما ستكون نتيجة الحرب التي تخوضها موسكو، وسواء أدت إلى انتصارها أو الى هزيمتها، وسواء خرج حلف الأطلسي منتصرا ظافرا أو انتهى مدحورا فاقدا لهيبته، ستشتعل المواجهة بين الحلف الـطلسي وروسيا. وسيكون الاصطدام المحتوم بين روسيا الأطلسي، ذاك هو القدر الذي لا مفر للعالم منه.

إذا ما نظرنا إلى الفارق بين القوتين العسكريتين، سيبدو لنا النصر كما لو كان شبه مؤكد للجيش الروسي. فهو ماض في قضم التراب الأوكراني منطقة منطقة، وتأخره عن الحسم ليس سوى نتيجة لرغبته في تفادي مجازر وحشية قد تثير حفيظة الرأي العام الدولي، وتنمي مشاعر العداء والكراهية في نفوس الاوكرانيين، وتزيد في حصار روسيا الاقتصادي   .

في هذه الحالة الأولى الأكثر ترجيحا، والتي يفترض فيها أن تطيح روسيا بنظام كييف، ستصبح رؤوسها النووية على تخوم بولندا العضوة في الناتو. وايضا على تخوم كل من سلوفاكيا والمجر، ورومانيا، ومولدوفيا، وبالتالي سنكون مرة أخرى أمام عودة الستار الحديدي الذي نظر عنه هنري كيسنجر ذات حرب باردة، والذي قد ظن الغرب أنه لن يعود والى الأبد بسقوط حائط برلين.

هذا مآل قابل للتحقق، وهناك مآل آخر ممكن للحرب، وهو أن تتمكن الجهود الأمريكية والأوربية في دعم أوكرانيا بالسلاح والمال، و ينجح تكثيف العقوبات ضد روسيا في هزم هذه الأخيرة، وبالتالي سيكون الناتو في هذه الحالة قد استخلص لنفسه اوكرانيا، فصار مرة أخرى على تخوم روسيا، وبالتالي ينشأ هذا الستار الحديدي على الحدود الغربية لروسيا هذه المرة .

إذن كيفما تكون الطرق التي ستسلكها الحرب، سنعود حتما إلى الحرب الباردة في أحسن الأحوال، أو إلى ما هو أفظع منها إذا تعقدت هذه الأحوال قليلا. نحن أمام خياران اثنان لا يعنيان في النهاية إلا خيارا واحدا: أن يتقدم الناتو نحو روسيا او ان تتقدم روسيا نحو الناتو، وبالتالي ستكون هواجس ومخاوف بوتين من اقتراب الناتو وتماسه مع روسيا قد تحققت على يدي جيشه .

أشد ما تخافه دول اوروبا الشرقية هو هذا السيناريو الذي يبدو ألا مفر منه، ولذلك تضغط على الناتو لأجل ضمان "تورطه "الواضح في الدفاع عنها،هي تخشى أن تكون الفريسة الثانية للقيصر بعد اوكرانيا. أنها شبه واثقة بأن سقوط كييف سوف يعني سقوط كل اوروبا الشرقية وانبعاث روسيا سوفياتية من جديد، ولربما لن يتوانى بوتين عن الانتقام منها والتنكيل بأنظمتها لتنكرها لأيام الاتحاد السوفياتي الخوالي. ولذلك تعمل هذه الدول ليس على هزيمة روسيا العسكرية فقط، بل على ما أضحت تسميه بهزيمتها الاستراتيجية التي تعنى الهزيمة القصوى التي تجعلها، فتكتفي من الغنيمة بالإياب، وتتقزم أهدافها، وتطلق للأبد أحلام العودة كقوة عالمية تتزعم جزءا من العالم ...ان تتحول إلى محض دولة مفلسة محبطة منزوعة المخالب والأنياب متروكة لاحتمالات التفكك والثورة الداخلية، ومن ثمة ضمان دخولها دورة الاضمحلال والانقسام إلى جمهوريات صغيرة تدور في الفلك الامريكي الغربي.

هذا السيناريو الوحيد الذي يهدئ روع دول اوربا الشرقية التي تريد أن تبرمج موتا ثانيا للاتحاد السوفياتي من خلال انهيار الاتحاد الروسي.

هذه المخاوف هي ما عبر عنه وزير الخارجية البولندي الذي اعتبر أن قرار إرسال مقاتلات إلى اوكرانيا يجب أن يكون قرارا جماعيا لحلف الأطلسي. كأنه يدعو بهذا التصريح الولايات المتحدة الا تدير المعركة من خلاف وإلى تحمل وزر كل القرارات. أن تحرق قاربها وتركب معهم نفس السفينة. أن هذه الدول تعرف أنها قد خانت العشرة القديمة، وجاءت بالعدو إلى تخوم شقيقتها الكبرى روسيا . ولذلك يتملكه الخوف من اكتساح روسيا للجناح الشرقي للناتو. وإذا لم يدافع الغرب الآن عن اوكرانيا، وسلمها لروسيا من يضمن لها غدا أن لن يكون لهذا التسليم تأثير الدومينو المحتمل، وكيف ستثق آنذاك أن حلف الناتو لن يكيل بمكيالين بين أعضائه فهناك الدول الغربية التي سيستبسل في الدفاع عنها وهناك هي ..الدول الشرقية سليلة الاتحاد السوفياتي التي قد يعتبرها مجرد غنيمة حرب آن أوان ردها إلى  صاحبها الحقيقي ،فهي ليست مجالا حيويا للغرب ،ومجرد عبئ عليه ،ولا داعي لحرب نووية من أجلها.

لذلك ستكون الحرب الروسية الأوكرانية في نظري طويلة جدا. فكل الأطراف ستحاول الانتصار. وبالتالي لن يكون هناك مهزوم واضح في السنين القليلة القادمة، لا حل أمام الولايات المتحدة سوى التضحية باوكرانيا، وتحويلها إلى افغانستان جديدة لاستنزاف موسكو.

لكن واشنطن التي كانت تسعى للتحلل من كل حروبها واعبائها في مناطق مختلفة من العالم لتطويق الصين، ستجد نفسها في هذه الحالة تغوص بدورها في وحل هذه الحرب. وربما لن تكون بعدها قادرة على مناجزة بكين حول قيادة العالم. وبالتالي ستكون الهزيمة الاستراتيجية لروسيا هزيمة استراتيجية للولايات المتحدة الامريكية. كل السيناريوهات تدل على أن العالم يسير إلى نظام دولي ثنائي القطبية تتزعمه الصين والولايات المتحدة الأمريكية او نظام ثلاثي القطبية تتقاسمه أيضا الصين مع كل من روسيا والولايات المتحدة.