الجمعة 19 إبريل 2024
كتاب الرأي

سعيد جعفر: حتى لا نضيع مزيدا من الوقت الثقافي

سعيد جعفر: حتى لا نضيع مزيدا من الوقت الثقافي سعيد جعفر
لا زال بإمكان الاتحاد الاشتراكي أن يتملك فهما ثقافيا وقيميا للتحولات الثقافية الجارية يساعده في استكمال دوره التاريخي في دمقرطة المجتمع.
بدون شك هناك مزايدة كبيرة من سلط كثيرة ومن خصوم كثر على دور الاتحاد الثقافي، وهناك أيضا أعطاب داخلية كبيرة يرتبط جزء منها ليس بالمعركة الثقافية للاتحاد، ولا بالمشاريع والبرامج الثقافية التي تسطرها قيادة الحزب، ولكن في الغالب في قدرة المكلفين بهذه المشاريع في اكسابها الروح والهوية الاتحادية وعزلها عن الحسابات الآنية والتكتيكات.
ما نحتاجه في هذه المرحلة، وهذه مسؤولية القيادة الجديدة المتمتعة بشروط فعل أفضل، هو أن نتوجه لعمق المجتمع لفهم تحولاته وتحدياته.
غالبا هناك توجه للتجديد والعمل الميداني لدى قيادة الحزب وهناك توجه للقطع مع مرحلة معينة كانت فيها الشروط التنظيمية والسياسية غير مريحة، وسيكون من غير الموضوعي ألا يتم استثمار كل هذه الامكانات الداخلية والخارجية لبعث روح ونفس جديدين في المعارك الكبرى للاتحاد وعلى رأسها المعركة الثقافية التي اعتبرت دوما قاطرة للتغيير.
في السياسة ليس هناك تأمين ولا يمكن أبدا الاطمئنان الى العناصر المتوفرة الآن سواء كانت سياسية أو انتخابية أو غيرها، وقد علمتنا التجارب أننا دوما في حاجة للتأهب والاستعداد وفي حاجة ضرورية لعناصر احتياط للعمل الميداني وللمواجهات الثقافية.
لقد خضنا معركة الإسلام السياسي لعشر سنوات دون هوادة وحدث في مرات كثيرة أن مكلفين بقيادة المعركة الثقافية في الحزب تخلفوا عن هذه المعركة ومنهم من تحالف لأسباب مختلفة مع مكوناته، وفي كل مرة كنا كمثقفين ننخرط في المعركة الثقافية الاتحادية بشكل عضوي وقصدي دفاعا عن الحزب.
لا بأس من التذكير بأن الحفريات الفكرية التي قمنا بها في مواجهة الأساسات الفكرية للإسلام السياسي والتي بلورنا من خلالها الأدوات النظرية للجدل السياسي الذي يغذي الصراع السياسي، اصبحت في لحظة معينة مفاهيم وأدوات للسلطة نفسها في مواجهة الإسلام السياسي.
في 2009 وفي ندوة لفرع الحزب بوادي زم قلنا أنه في مواجهة هذا الاغتراب الهوياتي يجب أن نطلق حملة تمغربيت نعود بها لعمق الاسلام الوسطي المعتدل، ولرحابة الجمال في التراث اللامادي في الفنون الشعبية والفنون التقليدية، ونبلور من خلال هذه ال"تمغربيت" خطابا لمواجهة الاغتراب الديني والايديولوجي وهزمه.
وفي تحضيرات المؤتمر 10 للاتحاد اقترحنا بأن يخوض الحزب في معركة تجديد ديني تمس فقه الواقع كمدخل للتنوير. كانت المقاومة شديدة من إخوان وأخوات معتبرين ذلك نوعا من انزياح الحزب عن هويته الاشتراكية الديمقراطية.
لقد تحمل الأخ الكاتب الأول مسؤولية جسيمة ليجعل من الشأن الديني جزء من الورقة السياسية للمؤتمر ويصبح لاحقا مكونا ثابتا من مكونات البرامج الانتخابية والأوراق السياسية للحزب ملتزما بالخطاطة العامة ممثلة في إمارة المؤمنين والمذهب المالكي والعقيدة الأشعرية وتصوف الجنيد، ومهتما بالتجديد الديني في الوقائع المجتمعية.
إننا نعتبر أن أكبر المعارك القادمة هي معركة تلحيم الجبهة الوطنية في مواجهة كل أشكال التطرف والانفصال، سواء كان فكريا أو ايديولوجيا او جغرافيا أو سياسيا، ونتخوف من أن ما يجري عالميا سيؤثر لا محالة في المعطيات الداخلية لكل البلدان.
والاتحاد الاشتراكي بتراكمه الثقافي التاريخي وبوضوح تصوره لما يمكن أن يكون عليه المجتمع يمكن أن يلعب دورا في التلحيم الثقافي والقيمي للجبهة المجتمعية عبر فهمه للبنية الثقافية المتنوعة للمجتمع وعبر قدرته على إكساب مكونات الهوية المغربية العربية والأمازيغية وروافدها الأندلسية العبرية والصحراوية الحسانية والإفريقية معنى وحضورا ميدانيا يساعد على توطيد الرابط الاجتماعي وانتاج المعنى والثروة والاستقرار.
لا يمكن تحقق هذا إلا بإطارات فكرية وثقافية فاعلة وبحوامل مستلهمة لهذا الأفق ومتشربة له.
يحتاج التأسيس لهذا الأفق إلى عناصر حاملة لكيمياء متميزة لها القدرة على الجمع والتوليف بين تملك الفكر والمعنى وعمق الرؤية والتاصيل والانتاج الفكري والنظري لها، والقدرة على التطبيق العملي لهذا الأفق ميدانيا من خلال تحمل مسؤولية الاطارات الفكرية والثقافية والتعبير عنها في ساحات الاحتجاج بكل مستوياته.
إن الفكر هو ميدان خاص ولا يمكن لأي كان غشيانه وتملكه، فهو ليس حرفة أو مهمة تقنية يتم تعلمها، إنها أفكار معجونة بقناعات خاصة يستولدها المثقفون من افئدتهم ومن إيمانهم فتكون سابقة لزمانها وغريبة عنه ولكن يكون لها مستقبلا وقع في المجتمع ومساراته.
سعيد جعفر، رئيس مركز التحولات المجتمعية في المغرب وحوض المتوسط