الجمعة 29 مارس 2024
مجتمع

إمونان: نطالب بضمان حقوق المغاربة المسيحيين ولكن نرفض أن يزايد علينا أحد في وطنيتنا

إمونان: نطالب بضمان حقوق المغاربة المسيحيين ولكن نرفض أن يزايد علينا أحد في وطنيتنا رشيد إمونان، أب كنيسة المياه العذبة المغربية بأكادير
هو شاب أمازيغي ينحدر من إقليم تيزنيت، تحول كغيره من المتمسحين المغاربة من الإسلام إلى المسيحية. سافر إلى العديد من البلدان الأجنبية ليدرس اللاهوت المسيحي، ثم استقر بمدينة أكادير حيث أسس كنيسة “الصخرة” ثم بعدها كنيسة “المياه العذبة المغربية” التي أصبح باستورا لها (أب الكنيسة). أخذ على عاتقه نشر المسيحية إما متنقلا بين مدن وقرى المغرب أو عبر برامج إعلامية ينشطها في مواقع التواصل الاجتماعي. زارته “الوطن الآن” بمقر كنيسته المنزلية بأكادير وأنجزت معه الحوار الآتي:
 
من مسلم إلى مسيحي، كيف حصل هذا التحول؟
إيماني بالمسيح جاء عن طريق الشك ثم البحث الذي أعقبه، فأنا ومنذ نعومة أظافري تقلبت بين تيارين متناقضين هما: تيار “الإخوان المسلمين” والتيار الصوفي وفق الطريقة “البودشيشية”. كنت ألاحظ بعض الأشياء التي كانت تثير غضبي، خصوصا التمييز الذي يحصل في مجالس هذين التيارين بين الأغنياء والفقراء، بين شيخ فقير لا حول ولا قوة له وبين شاب غني. وهو ما دفعني باستمرار إلى طرح أسئلة عديدة ضلت تقض مضجعي إلى أن تعرفت على شاب ينتمي إلى أسرة منفتحة أمدني ببعض الكتب الدينية المسيحية، كما أمدني بالطريقة التي استطاع بفضلها الحصول على تلك الكتب من إذاعة “مونت كارلو” التي كانت تنشط آنذاك في نشر رسالة المسيح. من هنا بدأت انطلاقتي في المسيحية، فلما قرأت تعاليم المسيح تأثرت كثيرا بالمعاملة السمحة والمحبة والمساواة بين كل البشر وحقوق المرأة أيضا، كل هذا جعلني أتعمق بشكل كبير في دراسة ومشاركة هذا الكنز مع الآخرين.
 
كم يبلغ تعداد المسيحيين المغاربة؟ وما هي خريطة توزيعهم الجغرافي؟
عدد المسيحيين في المغرب في تزايد كبير وملحوظ يمكن أن يقدر بحوالي 1% من الشعب المغربي. أما بالنسبة للتوزيع الجغرافي للمسيحيين فيمكن لي أن أقول إن الجنوب يحظى بعدد مهم منهم، ثم منطقة الحوز والدار البيضاء الكبرى وحتى الشمال في طنجة وتطوان والحسيمة والناظور، نزولا إلى منطقة الصحراء الشرقية. كما يمكنني أن أقول أيضا إن أغلبية المسيحيين المغاربة هم من الناطقين بالأمازيغية.
 
معلوم أن المسيحية شأنها شأن بقية الأديان السماوية تعج بالمذاهب والتيارات، إلى أي مذهب ينتمي المسيحيون المغاربة؟ ما هي الخصوصيات التي تميز هذا المذهب عن بقية المذاهب؟
نعم صحيح، فالعالم يعج بمذاهب وفرق كثيرة. والمغرب أيضا له نصيب من هذا التعدد المذهبي، لكن الأغلبية هم “بروتستانت” ينتمون للكنيسة الإنجيلية. وفي “البروتستانتية” نفسها طوائف أيضا، فهناك من ينتمي للكنيسة المعمدانية وهناك من ينتمي للكنيسة الخمسينية أو الرسولية وغيرها كثير. أما بالنسبة للخصوصية التي تميز كل فرقة عن الأخرى فتكون فقط في الطريقة أي في بعض الجزئيات أما العقائد فلا توجد اختلافات.
 
لماذا لا يعتنقون المذاهب الأخرى؟ وهل لديكم مع كنائسهم اتصالات أو تنسيق؟
هنا يبقى الاختيار متاحا للشخص المعني، كل حسب اختياره ودراسته وقناعته وارتياحه لهذا المذهب دون ذاك أو لتلك الكنيسة دون غيرها.
 
ما هي أهم الشعائر والطقوس الدينية التي يمارسها المسيحيون المغاربة أولا أثناء دخول المسيحية لأول مرة وثانيا خلال الأوقات العادية؟
لا توجد طقوس خاصة يجب أن يقوم بها المؤمن بعد الإيمان ما عدا دراسة وفهم أساسيات الإيمان، ثم بعد ذلك إن كان المؤمن مقتنعا ويريد إعلان إيمانه أمام الكنيسة تقوم الكنيسة بتعميده معمودية الماء. أما بالنسبة للعبادة فهي عادية، تكون بشكل منظم أسبوعيا، حيث يسبح فيها للرب وتقام الصلوات ويتم الاستماع لكلمة الواعظ وينتهي الاجتماع بحفل صغير من شاي وحلويات.
 
أسستم تنسيقية وطنية وراسلتم العديد من المسؤولين المغاربة بشأن ملفكم المطلبي، ما هي المشاكل التي تعانون منها، قانونيا واجتماعيا وسياسيا؟
نعم، قمنا نحن مجموعة قليلة من المسيحيين بمبادرة تأسيس “تنسيقية المغاربة المسيحيين” وفتحنا حوارا مع الدولة، حيث راسلنا المجلس الوطني لحقوق الإنسان الذي تفضل باستقبالنا استقبالا مشرفا نشكره عليه. كما تم الاستماع لمطالبنا العادية والعادلة أيضا، وهي مطالب لا تتعلق إلا بحقنا الطبيعي في المزيد من الحريات والاعتراف بنا كمغاربة مسيحيين. ولعل أهم الإشكالات القانونية التي نعاني منها هي قضية التبشير التي تعتبر جريمة في نظر القانون المغربي، علاوة على موضوع الزواج الذي نطالب بأن يكون زواجا مدنيا وأيضا السماح لنا ببناء مقرات وكنائس خاصة للعبادات المسيحية.
 
هل تشعرون حقا بأنكم مضطهدون في المغرب؟
بكل صراحة، فأنا كمسيحي لا أشعر بالاضطهاد، ولكن لما ترى عامة الشعب تدخل معابدها بحرية أو لما تجد شابين مسيحيين مغربيين يفرض عليهما الزواج على الطريقة الإسلامية لا يمكنك إلا أن تحس بغصة في الحلق أو تشعر بالاضطهاد، لأنك تحس فعلا بأنك مجبر على فعل شيء لا تعتقده ولا تؤمن به.
يمكنني أيضا أن أتحدث عن جانب مهم من الاضطهاد الذي يطالنا، أقصد الاضطهاد المجتمعي الذي يعاني منه كل المسيحيين المغاربة، وخصوصا من الأهل والمجتمع بشكل عام. في ما عدا ذلك، والحق يقال، فنحن لم نسجل يوما ما تعرض أي مسيحي مغربي لحالة اضطهاد جسدي.
 
هناك من يتهم المتمسحين المغاربة بالعديد من الاتهامات، أقصد هنا اتهامكم بالبحث فقط عن السفريات وتمويلات المؤسسات التبشيرية الأجنبية. كيف تردون على ذلك؟
يمكنني أن أؤكد لكم أن المسيحيين الحقيقيين المتشبعين بالتعاليم المسيحية يستحيل أن يفكروا في العالم المادي أو تكون لهم أهداف دنيوية أو علاقات سياسية خارجية يمكن أن تضر بالوطن. بالعكس، المسيحيون المغاربة يحبون وطنهم ومتشبتون بملكهم لدرجة كبيرة جدا. ولكن إن كانت هناك بعض الحالات فلا تمثل المسيحين بشكل عام.
أضرب لكم المثل بنفسي كنموذج للمسيحي المغربي، فأنا مازلت كما كنت قبلا، أعيش بشكل بسيط في حي شعبي وأصارع الزمن من أجل لقمة العيش وهذا هو حال معظم المسيحيين، وإن كانت هناك حالات خاصة فلن تجدها في الساحة، بل تكون متوارية عن الأنظار وبعيدة عن أي نضال أو ظهور، وبالتالي فهذه الفئة لا تمثلنا نهائيا.
 
يقول البعض إن الاستقرار الذي ينعم به المغرب راجع بالأساس إلى تمكنه من تحقيق الأمن الروحي بفضل وحدة العقيدة الإسلامية لدى المغاربة وأنكم أنتم الآن تهددون هذه الوحدة الوطنية ، كما أنكم خطر سيتسبب مستقبلا في زرع بذور الصراع الطائفي، ما ردكم؟
نعم، المغرب ينعم بالاستقرار بفضل جهود أمير المؤمنين الذي نجح بسياسته الحكيمة في أن يجمع بين كل الأديان تحث صفة أمير المؤمين، وأيضا بفضل مجهودات المؤسسات الأمنية للدولة. أما المسيحيون المغاربة فلا يشكلو أي تهديد أبدا، لأن إيماننا بالمسيح جاء عن بحث ودراسة واقتناع، لدينا قناعة راسخة في أذهاننا بأن المسيحية هيا ديانة أجدادنا مع اليهودية طبعا وحتى الوثنية. ولا تنسى أخي الكريم أن المسيحية انطلقت من شمال أفريقيا لتنتقل إلى الغرب. تبعا لذلك وجب التأكيد على أننا كمسيحيين مغاربة لا نسعى البتة لتهديد استقرار الوطن، بل نحن سفراء محبة وسلام ولا نقبل أن يزايد علينا أحد في وطنيتنا. أما ما سبق وأن صرح بيه الوزير الأسبق مصطفى الرميد بأن المسيحية المغربية ستشكل خطورة ما على الدولة مستقبلا، عقب لقائنا بالأمين العام السابق للمجلس الوطني لحقوق الإنسان محمد الصبار، فأعتقد أن ما قاله ليس إلا أوهاما وتهيؤات لا توجد سوى في مخيلته، لأن المغرب هو بلد التعايش بين كل الأطياف.
 
تصرون على نفي تبعيتكم لجهات أجنبية، غير أن هناك من يتهمكم بأنكم مجرد أدوات لتنفيذ مؤامرة خارجية ضد المغرب. هل هذا صحيح؟
نعم، مازلت أقول وسأظل أردد أننا لا نوالي أي جهة خارجية ولا نتلقى أي دعم ولا يتم تسييرنا من أي جهة خارجية. بل العكس هو الصحيح، نحن المسيحيين المغاربة أو حتى في عموم شمال أفرقيا نسعى لانتزاع الاعتراف بنا، وقررنا مراجعة التاريخ لتعود المنطقة لسابق عهدها حيث تكون منارة ومهدا للمسيحية والعلم والثقافة، ونحن ضد أي تسييس لمواقفنا ومطالبنا المشروعة. إذا كنت أشدد على استقلاليتنا باعتبارها فوق كل الشبهات، فإنني لا أنفي احتمالية أن تكون هناك أيادي خفية لديها نية التلاعب بقضيتنا وتشويه مسارنا الصحيح الذي نسير عليه، لكن نحن في دولة مؤطرة بقوانين ولديها مؤسسات وأجهزة قادرة على رصد مثل هذه الألاعيب المرفوضة منا نحن المسيحيون المغاربة.