الخميس 28 مارس 2024
فن وثقافة

جعفر : تثمين وتحصين تراث التبوريدة وفن العيطة مدخلا للعدالة الثقافية بالمغرب (1/2)

جعفر : تثمين وتحصين تراث التبوريدة وفن العيطة مدخلا للعدالة الثقافية بالمغرب (1/2) سعيد جعفر

في حوار لجريدتي "الوطن الآن" و "أأنفاس بريس" مع الباحث سعيد جعفر رئيس مركز التحولات المجتمعية والقيم في المغرب وحوض المتوسط. و مقرر ـ لجنة البرنامج الانتخابي ـ القطب الثقافي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، تم تسليط الضوء على توجيهات الملك بخصوص تثمين وتحصين التراث. حيث أكد ضيف الحوار قائلا: "اليوم نحن سعداء جدا لتبلور قناعة وطنية باستثمار التراث اللامادي لإنتاج المعنى والثروة. إننا نجد في التوجيه الملكي باحتساب الثروة اللامادية وتثمين الرأسمال اللامادي دعما وانتصارا لما آمنا به، ونرى فيه دفعة قوية للعقل والحداثة ببلاد لا زالت تجترح طريقها كل يوم".

وشدد الباحث الأستاذ سعيد جعفر بالقول على أننا اليوم "امتلكنا حافزية إضافية للخروج من موقع الدفاع عن التراث ومن مقام الاقتراح المضبوط إلى شساعة الاقتراح والفعل"، ليخلص إلى أن من نتائج ذلك " قفزت اَلتْبَوْرِيدَةْ و اَلْعَيْطَةْ واَلْكُسْكُسْ والزَّرْبِيَّةْ والجَّلَابَةْ واَلْحَلْقَةْ إلى مركز برامج المسؤولين حتى ولو لم يقتنعوا بها لتأويلهم السابق، ومن دون شك سنستمر في هذا الضغط حتى نطمئن لتحييد الايديولوجيا الطبقية في عمل المسؤولين وحتى تعود الثقافة شأنا عاما وملكا مشاعا لكل العائلات وكل الأفراد".

واعتبر سعيد جعفر أن المغرب قد "نجح في معارك كبيرة آخرها معركة العدالة اللغوية وسيكون اعتراف اليونسكو بالتبوريدة تراثا انسانيا مدخلا لعدالة ثقافية تتساوى فيها تعبيرات الجميع بغض النظر عن طبقتها الاجتماعية".

 

+ يبدو أن مركز التحولات المجتمعية والقيم في المغرب وحوض المتوسط قد تملك اليوم حافزية إضافية للخروج من موقع الدفاع عن التراث اللامادي إلى آلية الاقتراح والفعل والضغط. في أفق إنتاج الثروة والمعنى. هل توافق هذا الرأي؟

يضع كل مثقف وسياسي أفقا لعمله واشتغاله، ولا بد أن يضع أفقا ومنطقا لما يتصوره ويؤمن به. وقد تتوفر عناصر وطقوس اضافية تجعل اهتمامات السياسي والمثقف تسمو إلى مصاف العقيدة والقناعة فيكبر حلم نقل هذا الإيمان إلى فضاء أكثر رحابة وأكثر اتساعا.

لم نكن نتخيل ونحن صغارا نتلصص على الشيخات والشيوخ في أعراس قبائل السّْمَاعْلَةْ بسهول وهضاب ورديغة، أو "نَتَنَاقَزْ" على الجياد والأحصنة في محارك موسم الولي الصالح بُوعْبِيدْ اَلشَّرْقِي بأبي الجعد أو في فدادين دواوير السَّمَاعْلَةْ أن هذا الشغب الطفولي سيتحول إلى شغف، ثم إلى اهتمام، ثم إلى هوية ومعركة وطنية لترسيخ المعنى عبر تأويل طبقي سلطوي للثقافة يضع قالبا رسميا جامدا للثقافة تعزز سياسيا فتحولت معه الثقافة إلى عنصر إضافي للضبط والاخضاع لتصبح الثقافة شأنا سياسيا مركزيا قبل أن يتم تفويت جزء منه لجمعيات الهضاب والوديان ولشخصيات موسومة بعقلية مركزية يعقوبية. وتأويل فقهي متشدد جعل من كل التعبيرات الفنية ومظاهر الفرجة والفرح سلوكات غير مقبولة أخلاقيا ومحرمة في ميزان الشرع متأثرا أولا بسطوة شيوخ الزوايا قبل الاستعمار ثم مع السلفية التقليدية وصولا إلى الاختراق الوهابي. و وسط هذين التأويلين كان لنا اقتناع مسنودا بهاجس تقدمي أن هذين التأويلين يضرّان بالرأسمال الوطني وبممكنات التوازن في الشخصية المغربية وبإمكانات استثمار هذه العناصر الفنية.

كانت مؤشرات كثيرة أمام أعيننا تشجعنا على المضي في هذا الاختيار، وهذا الطريق، رغم الاتهامات والتكفير الذي كان يطالنا ويطال إيماننا بالفن وبالتعبيرات الفنية الشعبية. تثمين هذه الممارسات والطقوس والتعبيرات الناضحة بالحياة، وعبر كل اللحظات والمحطات والمنصات التي يمكن أن نعبر من خلالها عما نتنفسه ونؤمن به، كنا ملحين في الكف عن التأويلات الارستقراطية والطبقية للثقافة وكنا غالبا نصطدم بتأويلين متناقضين لما نتنفسه ونعتبره هويتنا المغربية الأصيلة والمبدعة التي نجانس فيها بإبداع بين كل عناصر الحياة خيرها وشرها، فنقدم على المسجد وعلى الأعراس، نجالس الفقيه ونجالس ندماء الخمر، نحترم أمهاتنا واخواتنا وبنات الخالة والعمة والجيران وندخل في علاقات حب و غرام مع بنات الدرب، نرقص في الأعراس ونؤدي الصلاة في المساجد.

اليوم نحن سعداء جدا لتبلور قناعة وطنية باستثمار التراث اللامادي لإنتاج المعنى والثروة، إننا نجد في التوجيه الملكي باحتساب الثروة اللامادية وتثمين الرأسمال اللامادي دعما وانتصارا لما آمنا به ونرى فيه دفعة قوية للعقل والحداثة ببلاد لا زالت تجترح طريقها كل يوم. وبهدي من هذا التوجيه امتلكنا حافزية إضافية للخروج من موقع الدفاع عن التراث ومن مقام الاقتراح المضبوط إلى شساعة الاقتراح والفعل وضغطنا بما يكفي لتكف المؤسسات الرسمية المكلفة بالشأن الثقافي عن تأويلها الرسمي الطبقي والسلطوي للثقافة عبر تبني خيار الثقافة العالمة، وكان من نتائج ذلك أن قفزت التبوريدة و العيطة والكسكس والزربية والجلابة والحلقة إلى مركز برامج المسؤولين حتى ولو لم يقتنعوا بها لتأويلهم السابق، ومن دون شك سنستمر في هذا الضغط حتى نطمئن لتحييد الايديولوجيا الطبقية في عمل المسؤولين وحتى تعود الثقافة شأنا عاما وملكا مشاعا لكل العائلات وكل الأفراد.

لقد نجح المغرب في معارك كبيرة آخرها معركة العدالة اللغوية وسيكون اعتراف اليونسكو بالتبوريدة تراثا انسانيا مدخلا لعدالة ثقافية تتساوى فيها تعبيرات الجميع بغض النظر عن طبقتها الاجتماعية وعرقها ولونها ودينها واختياراتها السياسية وعقائدها..

+ ما هي حصيلة مرافعاتكم عن الموروث الثقافي والتراث الشعبي وما هي حصيلة توصياتكم بخصوص رياضة التبوريدة وروافدها الإنتاجية، خصوصا أنكم مقررا للقطب الثقافي بحزب الاتحاد الاشتراكي؟

نحن ملتزمون بقيم التحرر والمساواة والعدالة المجالية والاجتماعية التي ناضل من أجلها مناضلات ومناضلي الحزب. لقد جعل مثقفو الحزب من الثقافة عموما ومن الثقافة الشعبية صمام أمان ضد كل أشكال الاغتراب والاستشراق الثقافي، وعندما كان الجابري و جسوس وعياد والحيمر وحميش وغيرهم يضعون البناءات الأساسية لثقافة مغربية أصيلة، وكان نجمي و البحراوي وآخرين يضعون التطبيقات العملية لفن كابح للمد الفقهي والديني الخارجي، فإنهم كانوا يؤسسون لخط ثقافي يعتبر الثقافة ملكا مشاعيا مشتركا من حق كل الأفراد الاستمتاع به والاستفادة من الخير والسعادة اللذان يوفرهما.

ولهذا نعمل من داخل المؤسسة الحزبية على استمرار تحرير الذوق العام من الإغترابات الممكنة الآن ومستقبلا عبر الاستمرار في الدفع بمصالحة فئات واسعة من المجتمع مع تراثها الفني وعبر تحريرها من سطوة السلط المجتمعية التي إما رَسْمَلْتْ الفن طبقيا، أو حرّمت الفن والتعبيرات الفنية، أو حولته إلى مجرد تجارة خاوية من المعنى والأفق والقيمة وعرقها ولونها ودينها واختياراتها السياسية وعقائدها.

ولهذا اقترحنا من داخل لجنة البرنامج الانتخابي- القطب الثقافي التي كنت مقررها، والتي استدعينا عددا من الخبراء للمساهمة فيها بالعديد من المقترحات العملية لتحقيق هدفين: الاستمرار في مصالحة الوعي الجماعي مع الفرجة والفرح كجواب وطني على نزوعات التشدد والاغتراب الفكري والفني والقيمي، ومن ذلك اقتراح جامعة رياضية لِلتْبَوْرِيدَةْ وثانويات للموسيقى والفنون الجميلة وأكاديميات جهوية للفنون التقليدية.

ونعتبر أن التمثل الجيد للفلسفة الملكية في باب تثمين التراث اللامادي وإدراجه كعنصر إنتاج للثروة لن يتحقق إلا بوعي مزدوج بضرورة التعامل مع الثقافة كمعيار للتحول الاقتصادي والاجتماعي، وهذا الرهان يجب أن يرقى إلى مرتبة الإرادة السياسية الصادقة التي عبر عنها الملك، ولهذا سيكون من اللازم التحرر من كل العقائد والايديولوجيات التي تكبل الثقافة إن طبقيا أو فقهيا. وسأساهم من موقعي كمثقف عضوي منخرط من داخل حزب يجعل من الثقافة أوكسجين للتحليل الاقتصادي والاجتماعي على الدفع في اتجاه ثقافة اقتصادية منتجة للقيم والثروة.