الخميس 18 إبريل 2024
كتاب الرأي

محمد المهدي: مدى قانونية مشاركة العمداء ضمن لجان مباريات توظيف أساتذة التعليم العالي مساعدين

محمد المهدي: مدى قانونية مشاركة العمداء ضمن لجان مباريات توظيف أساتذة التعليم العالي مساعدين محمد المهدي
لوحظ في الآونة الأخيرة، خصوصا مع ظهور ما يسمى بشبكة عمداء كليات الحقوق بالمغرب، التي تشكلت دون احترام للمساطر القانونية المتبعة في تأسيس الجمعيات، وجود بعض العمداء مع كل أسف شديد بشكل متكرر في لجان مباريات توظيف أساتذة التعليم العالي مساعدين، بحيث لا تكاد تخلو مباراة دون وجود عميد ضمن عضوية لجنتها، كما هو الشأن بالنسبة لمباريات توظيف أساتذة التعليم العالي مساعدين، تخصص القانون الخاص، التي تمت برحاب كلية الحقوق بمكناس.
وهذه البدعة التي تشكل سابقة خطيرة وفريدة من نوعها في تاريخ الجامعة المغربية، فضلا عن كونها تسهم في إقصاء من هو في حاجة إلى المشاركة في لجان المباراة من الأساتذة الباحثين، لما تشكله هذه المشاركة من أهمية على مستوى احتسابها في ترقيته، فإنها تطرح الكثير من علامات الاستفهام، ما يهمنا منها في هذا المقال الوجيز، هو ما مدى قانونية تشكيلة اللجنة التي تضم ضمن عضويتها أحد العمداء؟، وبالتالي ما مدى سلامة نتائج المباراة التي تتم في ظل هذا الوضع مما يقدح فيها من موجبات الطعن، التي يمكن لكل متضرر الدفع بها أمام القضاء الإداري ؟.
إن الإجابة على هذا التساؤل بما يقتضيه المنطق القانوني السليم والقراءة الواعية تستدعي منا بداهة الإجابة على سؤال جوهري يرتبط به ارتباطا وثيقا، وهو: ما هي الوضعية القانونية للعمداء خلال فترة ولايتهم؟.
من المسلم به بداهة أن عميد الكلية قبل أن يكتسب هذه الصفة يكون أستاذا باحثا، يخضع بمقتضى صفته هاته، سواء في ترقيته أو في مهامه العلمية والبيداغوجية، للنظام الأساسي للأساتذة الباحثين، لكن بعد أن يتم تنصيبه عميدا، فإنه يخرج من جبة الأستاذية ليرتدي جبة رجل الإدارة، وهذا التغير المؤقت في صفته على امتداد ولايته ينعكس بداهة على مركزه القانوني، على الأقل من زاويتين أساسيتين، من زاوية الترقية من جهة، ومن زاوية طبيعة المهام الموكولة إليه من جهة ثانية:
أولا: من زاوية الترقية، فالعميد يصبح خاضعا على هذا المستوى لما يخضع له المسؤولون الإداريون عموما، وليس لما يخضع له الأساتذة الباحثون، شأنه في ذلك شأن الأستاذ الجامعي الذي يعين واليا مثلا، حيث يصبح خاضعا للنظام القانوني لرجال السلطة، أو الذي يعين سفيرا أو قنصلا، حيث يصبح والحالة هذه خاضعا لنظام السفراء أو القناصلة، وهكذا.
ثانيا: من زاوية طبيعة المهام، وهو بيت القصيد، فبمجرد تسلم المعني بالأمر قرار تنصيبه عميدا، فإن مهامه تصبح ذات طبيعة إدارية محضة، لأنه يعتبر في أبجديات القانون الإداري وفق هذه الصفة مسؤولا إداريا، ونتيجة لذلك لا يمكن مطالبته بالتدريس أو القيام بالمهام العلمية أو البيداغوجية، وحتى إذا ما قام بذلك، فإنه يقوم به لا بصفته الإدارية، وإنما بصفته أستاذا عرضيا، يتقاضى تعويضا على ذلك كغيره من الأساتذة العرضيين المتعاقدين مع المؤسسة.
وفي جميع الأحوال، فإنه بمجرد انتهاء ولايته، تعود إليه صفته الأصلية من كونه أستاذا باحثا، مع ما تستتبعه هذه الصفة من آثار، سواء على مستوى ترقيته أو على مستوى مهامه، علمية كانت أو بيداغوجية، أي أنه يخلع عنه رداء رجل الإدارة ليرتدي من جديد رداءه القديم.
وبناء عليه، وفي ضوء ما سطرناه، نستطيع أن نؤكد بكل ثقة بأن المباريات التي تتم في وجود عميد ضمن لجانها، إنما هي تتم في خرق سافر للقانون من جهة، ومحاولة لخلق عرف فاسد من جهة أخرى، لأن المادة الخامسة من قرار وزير التعليم العالي والبحث العلمي وتكوين الأطر الصادر بتاريخ 04/07/1997، تحت رقم 97/1125، بتحديد إجراءات تنظيم المباراة الخاصة بتوظيف أساتذة التعليم العالي المساعدين، تنص بشكل صريح على أنه:"تتألف لجنة مباراة توظيف أساتذة التعليم العالي المساعدين من خمسة أعضاء رسميين، كلهم أساتذة للتعليم العالي ينتمون لميدان المناصب المتبارى في شأنها، عضوان منهم غير تابعين للمؤسسة المعنية".
فهذه المادة كما هو ملاحظ بأدنى تأمل تحدد التشكيلة القانونية الواجب مراعاتها في لجان توظيف أساتذة التعليم العالي مساعدين، والتي تقتضي أن يكون أعضاء اللجنة يحملون صفة:"أساتذة التعليم العالي مرسمين" ساعة إجراء المباراة، وبالتالي فإن وجود العميد ضمن التشكيلة المذكورة، والحال أن صفته كأستاذ للتعليم العالي معطلة، مادامت ولايته بصفته عميدا لم تنته بعد، يعد إخلالا واضحا بالشرط المذكور، يتعين معه على الوزارة الوصية إلغاء نتائج المباراة التي يكون عضوا فيها لعدم قانونيتها.
كنا ننتظر من صاحبة السعادة مديرة الموارد البشرية بوزارة التعليم العالي والابتكار، وهي تلغي بجرة قلمها الشريف بحكم التفويض الممنوح لها من الوزير، نتائج مباراة توظيف أستاذ التعليم العالي مساعد بكلية الحقوق بمكناس، التي جرت يوم 05 نونبر 2021، أن تحتكم إلى منطق القانون في تعليل ما خطت يداها، فتبرر الإلغاء بوجود عيب شكلي ممثل في وجود عميد ضمن عضوية لجنتها، لا أن تعتمد على شكلية وهمية من صنع خيالها، وهي وجود عضو ضمن اللجنة حاصل على الدكتوراه في الشريعة، والحال أن هذا العضو معين بقرار وزيري في منصب القانون الخاص، وسبق له أن ساهم في التوظيف بذات الصفة على امتداد سنوات، والغريب أن ذلك الخيال خانها في مبارتين مماثلتين للمباراة المذكورة، إحداهما تهم الكلية متعددة التخصصات بتازة، وثانيهما تهم الكلية متعددة التخصصات بالرشيدية، فلم تثر الشكلية المذكورة لنسفهما بجرة قلمها الشريف كما فعلت في المباراة المشؤومة التى دارت رحاها بكلية الحقوق بمكناس، فوقعت بذلك في تناقض واضح أبان عن انتكاسة خطيرة في تسيير قطاع التعليم العالي بالمغرب، ليس له من مخرج سوى الاعتراف بالخطيئة، وإصلاح الأمر قبل أن يصلحه القضاء بعدله.
كانت هذه إذن وجهة نظر قانونية موجزة، أحببت مشاركة الرأي العام الوطني بها، ليعلم مدى حجم الاستهتار والعبث الذين أصبحت تعيشهما جامعتنا المغربية، في ضرب صارخ للقانون، ومن المؤسف أن العشرات من المباريات تمت في سلام تام رغم كونها كانت مشوبة بالعيب الشكلي المذكور، دون أن يتم التنبه لذلك، قصدا أو سهوا، ومن هنا نناشد الوزير الجديد الدكتور عبد اللطيف ميراوي أن يولي قطاع التعليم العالي الأهمية البالغة التي يستحقها، فيطهره من الشوائب التي تدنسه، ويقضي على معاقل الفساد الذي ينخره، أملا في أن تسترجع الجامعة المغربية تاريخها التليد ومكانتها العريقة.
 
ذ. محمد المهدي /كلية الحقوق بمكناس