الجمعة 29 مارس 2024
كتاب الرأي

الدبيش: حكام الجزائر غير واعين بما يمثله الحجم الجغرافي لدولتهم من خطورة عليهم

الدبيش: حكام الجزائر غير واعين بما يمثله الحجم الجغرافي لدولتهم من خطورة عليهم عبد الوهاب دبيش
هل يشكل حجم الجزائر خطرا عليها؟؟
المالكون لزمام الأمر في قصر المرادية بجزائر بني مزغنة يعلمون يقينا ان مشكلتهم تكمن في حجمهم الضخم والشاسع؛ فهل ارادت فرنسا ان تجعل من الجغرافيا اداة لتطويع نظام سياسي أهلكها طيلة سبع سنوات من الحرب!؟
أكيد أن فرنسا الخمسينات كانت منشغلة بحروب جنوب شرق آسيا في فيتنام قبل أن تسلم مشعل هذه الحرب إلى الولايات المتحدة الأمريكية بعد 1956 لتبدأ حربا أخرى في شمال إفريقيا ضد ثوار جبهة التحرير الجزائرية.
صحيح أن فرنسا نجحت في تحييد الحركة الوطنية بتونس والمغرب، فبدأت مفاوضات لمنحهما الاستقلال الذي تم مع كل طرف على حدة، اتفاق مع المغاربة وقع في 2 مارس 1956؛ وآخر مع تونس أعطاها بموجبه استقلالا يحتفل به يوم 20 مارس من كل سنة، لتتفرغ لحربها مع جبهة التحرير التي كانت حربا ضروسا بكل المقاييس.
استقلال المغرب وتونس كان يمكن أن يفيد فرنسا إذا هي سلمت كلا البلدين أراضيهم المحتلة من قبلها تباعا في بدايات القرن العشرين وبعضها خصوصا بالمغرب احتلته منذ ثورة الأمير عبد القادر الجزائري وهزيمة المغرب في معركة إسلي سنة 1845، وبعد توقيع اتفاقية لالة مغنية المذلة.
فقد تم منذ ذلك التاريخ اعتبار ان منطقة جوج بغال هي الحد بين المغرب والجزائر الفرنسية، وهكذا أصبح وادي زوزفانة هو الحد الجديد بعد ان كان وادي تافنا هو الحد الفاصل بين المغرب والجزائر.
ثم بدأت عمليات ضم الأراضي المغربية الموجودة في بشار وورارة والقنادسة التي اصبحت تابعة إداريا لمقاطعة وهران قبل أن تفكر في ضم توات عبر الهجوم على فجيج أحد أبرز المناطق المحورية في الطريق إلى توات.
في تونس تم الاستيلاء على بجاية التي تعد أهم المدن الحفصية في تونس وما يواليها قبل أن تمتد فرنسا إلى مناطق أخرى خصوصا حاسي مسعود التي سمح فيها بورقيبة خوفا من هجوم بومدين عليه في بداية سبعينيات القرن الماضي!
أما ليبيا؛ فإن أراضيها المحتلة من قبل فرنسا فقد مثلت مساحات واسعة في الجنوب خصوصا معقل الطوارق الذين يعدون أحد أهم التجمعات الإباضية؛ واستمرارا لإخوانهم بالجنوب الليبي انتهت حرب التحرير وتسلم جيشها المدعوم من قبل عبد الناصر أراضي شاسعة فاقت أكثر من مليوني وربع المليون كم مربع في دولة جديدةُ لم تكن جبهة التحرير تحلم بها في بدايات حربها التحريرية.
هذا المعطى الجغرافي الجديد تعزز الإيمان بضرورة الحفاظ عليه بأي ثمن، وهو الذي حذا بأعضاء الحكومة المؤقتة إلى الانقلاب على بعضهم البعض قبل الاستقلال حتى لا يتم التفريط في المساحة الكبيرة للدولة الجزائرية؛ ولأنهم كانوا يعلمون أن الاستقلال عن فرنسا مسألة وقت، فإنهم جاؤوا إلى طنجة، ولم يعطوا أي التزام لإخوانهم المغاربة بالتخلي عن أي شبر من الأراضي المغربية المغتصبة من قبل فرنسا أو على الأقل هذا ما صرح به عبد الحميد مهري إلى قناة الجزيرة في برنامج شاهد على العصر.
أصبحت الجزائر دولة بحجم قارة، ولأن المنتظم الدولي والفاعلين في سياسات العالم أدركوا ويدركون أن هذا يعد أكبر عائق في تطور هذه الدولة، فقد التزموا الصمت لنصف قرن حتى تنضج الظروف لتقسيم هذا المجال الحيوي الذي يمثل معطى اقتصاديا كبيرا ومهما للغاية بالنسبة لمختلف القوى الاقتصادية الدولية.
فهل الجزائر بحجمها الجغرافي تمثل مشكلا لنفسها ام للمنتظم الدولي ولقواه الاقتصادية!؟ في اعتقادي أن الجزائر تمثل خطرا على شعبها أو أن خريطتها الكبيرة تمثل تهديدا حقيقيا لشعبها وفي نفس الوقت المنتظم الدولي الذي ألف أن تكون المساحات الجغرافية الكبرى من حجم شعوب كبيرة ومتقدمة؛
الجزائر الدولة على يقين بخطورة وضعيتها في هذا الإطار، وهذا ما يفسر الأهمية التي يحتلها العسكر في بنية النظام السياسي أنه نظام نشاز يدفع إلى القول إن هذه الوضعية غير قابلة للتفاهم أو التفاوض مع أي كان.
لهذه الغاية لجأت الجزائر إلى الاحتماء بالدب الروسي حتى تضمن عدم المساس بمساحتها الجغرافية؛ واعتبرت أن المغرب هو عدوها الاستراتيجي الأول، والأهم على الإطلاق لأنه البلد الأكثر تضررا من مساحة الجزائر!! فالبقعة المغربية الخالصة التي احتلتها فرنسا وسلمتها للجزائر تمثل أكثر من سبعمائة ألف كم مربع اي أن المغرب إذا تمكن من أراضيه المغتصبة في الصحراء الشرقية، سيعجل بنهاية دولة لم يكن لها وجود تاريخي ونظام عسكري ليس له مقومات وجود مادي؛
المسؤولون بالجزائر غير واعين بما يمثله حجم دولتهم من خطورة على دولتهم؛ وهجومهم على المغرب لا مبرر له غير الدفاع عن جغرافية ومساحة تفوق حجم دولتهم وتتجاوز قدرة حكامهم على الاستفادة من مجال مثل هذا؛ ويفسر ذلك بتصريحات بوتفليقة المقرة بمغربية اقاليمنا بالساقية الحمراء ووادي الذهب أو ما سماه هو بنفسه أنها الحصى التي يجب أن تمنع قدم المغرب والمغاربة من المضي إلى عالم التقدم والازدهار.
هذا التفكير كان يحمل في ذاته عناصر تقويض الدولة الجزائرية بل إنها خلقت جوارا مكفهرا مع كل من يجاورها وهذا لوحده كاف لتمزيق الجزائر من الداخل ومن الخارج؛ ودون اعتبار أن أحد الجيران هو المسؤول عن ذلك، لم ينتبه حكام الجزائر إلى أنهم يعيشون في مساحة صنعوا فيها أعداء عوض أن يصنعوا أصدقاء!!
في الداخل شعب مقهور ومصادر في حقه الدستوري الذي يضمن له حرية الاختيار وحرية الممارسة الديموقراطية والسياسية؛ وفي الخارج نجحوا في خلق أعداء من جوار كان يمكن أن يكون لهم سندا؛ وهذا لوحده كاف للقول ان الجزائر بمساحة مليوني كم مربع قد بات وضعها في حكم الزمن الذي سيعصف بها آجلا أم عاجلا مع كامل الأسف.