السبت 20 إبريل 2024
كتاب الرأي

منير البصكري الفيلالي: حان الوقت لتسجيل فن الملحون كتراث إنساني عالمي ..

منير البصكري الفيلالي: حان الوقت لتسجيل فن الملحون كتراث إنساني عالمي .. د/منير البصكري الفيلالي
تم في الأيام الأخيرة إدراج التبوريدة المغربية ضمن اللائحة التمثيلية للتراث الثقافي اللامادي؛ من طرف منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة ،”اليونسكو”، وذلك خلال اجتماعات الدورة السادسة عشرة للجنة الحكومية الدولية لاتفاقية صون التراث الثقافي اللامادي .
وقد أوردت وزارة الشباب والثقافة والتواصل، أن رصيد المغرب ارتفع، بهذا التتويج إلى اثني عشر عنصرا تراثيا مسجلا على لوائح “اليونسكو”؛ وهو عدد مهم على الصعيدين الإقليمي والإفريقي، يعكس المجهود الذي تبذله المملكة المغربية للعناية بموروثها الثقافي اللامادي على مستويات الإحصاء المنهجي والبحث العلمي والتوعية والتثمين.
ومعلوم أن الفروسية ترتبط في الذاكرة المغربية الشعبية بإحياء التراث والتقاليد، ذلك أن طقوس الفروسية والفرسان تحمل العديد من الدلالات والرموز، من جمالية اللباس وسروج الخيول، والمواويل المصاحبة والأدعية ومآدب اللقاءات وتلاوة القرآن.
وتبقى الفروسية رمزا حضاريا وتراثيا يميز الذاكرة الثقافية المغربية عن غيرها، حيث ترتبط في العمق بحب الفرس، كحيوان أليف لنخوته وزهوه العربي وبالأرض المعطاء، وبالخير وبالماضي التليد. وهذا ما جعل للفرس هالة روحانية، ورمزية وجمالية جعلته يستقطب اهتمام الإنسان المغربي منذ العصور الموغلة في القدم. ذلك أن ثقافة الفرس والفروسية في المغرب، قد شكلت جزءا من تاريخ وثقافة هذا البلد، حيث ظل موضوع الفروسية حاضرا ـ على الدوام ـ في الذاكرة الجماعية على مر العصور والأزمان. فقد استقطبت اهتمام المغاربة منذ زمن مبكر، حيث أصبحت تشكل موروثا ثقافيا وطنيا متميزا، يحكي تاريخ الأجداد، وتراثا أصيلا يعود لآلاف السنين بعد دخول الفتح الإسلامي منطقة المغرب العربي.
لقد ظل اهتمام المغاربة على وجه الخصوص بهذا الموروث الثقافي أكبر . فالفروسية التقليدية تعتبر مكونا أساسيا من مكونات الثقافة المغربية .. فهي من الفنون التراثية الجميلة ذات الدلالات العميقة والأبعاد الاجتماعية والسياسية والثقافية، والتي حاول العديد من الفنانين توظيفها في إبداعاتهم وإنتاجاتهم الثقافية والفنية.
ومن ثمة، فالفروسية نظام من نظم المجتمع قائم بذاته، أفرزته مجريات الحياة وتطوراتها. وقد أولى المغاربة عناية فائقة بها من حيث إنها تشكل أحد فنون الحرب والدفاع عن حوزة الوطن، وكذلك من حيث إنها ظاهرة احتفالية مستحسنة لدى القبائل المغربية .
واليوم، وبعد أن بادرت " اليونسكو " بتسجيل هذا الموروث الثقافي المغربي ضمن التراث العالمي نناشدها بخطوة أخرى تضاف إلى رصيد تراثنا الثقافي اللامادي، يتعلق الأمر بتراث الملحون كفن إنساني يتقاسم مع غير قليل من الفنون الإنسانية الأخرى، علما أن أكاديمية المملكة المغربية ووزارة الثقافة، عملا معا منذ 09 يناير 2018 على تقديم طلب تسجيل فن الملحون ضمن التراث اللامادي لدى منظمة اليونسكو. وفن الملحون ـ كما يعلم الجميع ـ يعتبر رافدا أساسيا من روافد الذاكرة المغربية بحكم تجدره في تاريخ الحضارة المغربية، وارتباط مضامينه وأشكاله بطقوس الحياة اليومية في المغرب منذ أكثر من ستة قرون. ومن ثمة، تبدو أهمية هذا التراث الشعري بما يحمل من وظائف ودلالات من جهة، وباعتباره أحد ركائز الهوية المغربية في ظل المتغيرات وطغيان العولمة من جهة أخرى، إلى جانب كونه إرثا حضاريا مغربيا يعكس ثقافة المغاربة التي تميزهم عن غيرهم من الشعوب. ذلك أنه يختزل مقومات الثقافة المغربية العربية الأمازيغية الأندلسية، ومظاهر حياتها الأصيلة ..
وفي هذا الإطار، كانت دعوة أكاديمية المملكة المغربية بشراكة مع وزارة الثقافة والاتصال إلى اعتبار فن الملحون تراثا إنسانيا عالميا ، وتسجيله كتراث إنساني ، ضمانة لاستمرارية وجود الأمة بهويتها وخصوصيتها المميزة . إضافة إلى هذا، لا يجب النظر إلى فن الملحون كماض غاب وانقضى، بل هو حاضر دوما، وحي ومحفز لنا في الاندماج بفعالية في الحاضر والإطلالة بثقة على المستقبل.
إذن، لا بد ـ خاصة في الوقت الراهن ـ أن تضاعف الجهود حتى نكون جميعا في مستوى تطلع جلالة الملك محمد السادس ـ نصره الله ـ في الحفاظ على موروثنا الفني والأدبي اللامادي، وجعله موروثا إنسانيا بامتياز. وهذا بالطبع هو المنحى الذي تنتهجه أكاديمية المملكة المغربية بإشراف مباشر من طرف السيد أمين السر الدائم للأكاديمية الدكتور عبد الجليل لحجمري، وبتأطير كبير ورصين من طرف أستاذنا عميد الأدب المغربي الدكتور عباس الجراري حفظه الله .
من هذا المنطلق، نرى ضرورة تسجيله ضمن اللائحة التمثيلية للتراث الثقافي اللامادي، وذلك للعوامل التالية:
أـ أنه يستوعب القوام الثقافي الجماعي الذي تصدر الجماعة فيه عن الشخصية الجماعية أكثر من صدورها عن الشخصية الفردية .
ب ـ يحتوي على مضامين حية ، متحركة ومتجددة تعكس القيم الإنسانية العليا .
ج ـ يختزن عناصر ثقافية أثمرها المجتمع الذي نشأ ونما فيه .
د ـ يكشف جوانب متعددة من معارف الشعب ، فهو حلقة من حلقات إبداعه .