الثلاثاء 16 إبريل 2024
فن وثقافة

المهدي أخريف يطل من شرفة "مدارات" على مساره الثقافي الطويل

المهدي أخريف يطل من شرفة "مدارات" على مساره الثقافي الطويل المهدي أخريف (يمينا) وعبد الإله التهاني

تابعت جريدة "أنفاس بريس" الجزء الأول من حلقة ليلة الثلاثاء 16 نونبر2021، والتي استضاف خلالها الزميل عبد الإله التهاني، الأديب المغربي المهدي أخريف، "لإضاءة مساحات من تجربته في الكتابة، والتي تنوعت مساراتها بين الابداع الشعري، وإنجاز الترجمات الأدبية، والاهتمام بالفنون التشكيلية والجماليات، حيث تجاوزت إصداراته أربعين كتابا، ضمت إنتاجه الشعري، وترجماته الغزيرة والنوعية، لمبدعين بارزين من البرتغال وإسبانيا وكولومبيا والبيرو، فضلا عن خوضه تجربة متفردة ومتميزة، مع المهندس المعماري المغربي عبد الواحد منتصر، حيث أثمر عملهما المشترك، عددا من المؤلفات حول الإبداع والمعمار"، وفق ما ورد في ورقة التقديم عن الشاعر والكاتب والمترجم المهدي أخريف، والذي أوضح بأن ترجمة الشعر، ولا سيما ترجمته لكتابات البرتغالي فرناندو بيسوا شعرًا ونثرًا، علمته أن ما بذله من جهد كان مستحقًّا بل ضروريًّا، ذلك أنع وجد بالممارسة أن القصيدة المترجمة، بإمكانها الظفر بحياة شعرية جديدة، في لغة غير لغتها الأصلية.. مبرزا أن الأمر يتوقف على النجاح، أو بالأحرى الاقتدار على ضَخِّ إيقاع معادل وموازٍ، وَلرُبّما أقوى أحيانًا، للإيقاع الشعري في لغته الأصل.. مشددا على أن ترجمة أعمال الأديب البرتغالي فرناندو بيسوا، هي غاية في الصعوبة، وأن المرء يحار كيف يمكن أن يصنفه، لأنه عبارة عن تيار من التداعيات لا تتوقف، وأنه كان رجل الصمت المطلق الذي يمثل ظاهرة التعدد، ولديه عالم كثير من الأنداد من داخله، واصفا إياه بأنه شاعر بأوجه مختلفة، وأنه كان يحس بوجود أشخاص آخرين بداخله، قبل أن يخلص إلى القول بأن الناس اليوم، لا يكفون عن قراءته ودراسته والعودة إليه .

 

في هذه الحلقة المتميزة، تحدث المهدي أخريف عن بداياته الأدبية، مبرزا بأنه تعلم الكتابة بدافع العشق والحب الأول، وكان أول نص نشره في سن مبكرة، على أعمدة صفحة "أصوات" بجريدة "العلم"، التي كان يشرف عليها الشاعر محمد السرغيني.

 

وعن موقعه بين أبناء جيله، أوضح بأن الزمن هو الذي يفرض مقاييسه في النهاية، اعتبارا لكون أغلب الشعراء من جيله، قد درسوا إلى جانبه في كلية الآداب بفاس، كمحمد بنيس ومحمد بنطلحة، ومحمد علي الرباوي، وحسن الأمراني، والمرحومين عبد الله راجع، وعبد اللطيف الفؤادي، لافتا الانتباه إلى أنه عندما نضجت التجارب الابداعية، أصبحت معايير أخرى تتدخل لتمنح للشاعر مكانة لا يمكن أن يستحقها، إلا من خلال منجزه، مؤكدا بأن القيمة الأدبية لهذا المنجز، كان يحددها المحتوى السياسي والطبيعة الإيديولوجية في السابق.

 

واستحضر المهدي أخريف في هذا السياق، كيف أن الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش، استحسن نفسه الشعري وأثنى عليه، ناصحا إياه بالابتعاد عن الإيديولوجيا، وتركيز الاهتمام باللغة الشعرية. وأضاف المهدي أخريف بأنه لم يخلق ليكون مع الوظيفة السياسوية للشعر، وإنما كان عليه أن يتخلص من هذه الوظيفة المصطنعة.. مشددا على أن "الذين أخلصوا للقصيدة هم وحدهم من استمروا في هذا الإخلاص، بدون دافع للظهور .

 

وعن توظيف الثقافة لخدمة أهداف سياسية في مرحلة سابقة، أشار الاديب المهدي أخريف، بأن أشياء كثيرة كانت تقع وراء الستار، وأن بعض الأطراف لعبت دورا سيئا في تجنيد الشعراء، لأغراض حزبية لا معنى لها".

 

وردا عن سؤال يتعلق بابتعاد الشاعر عن الكتابة الايديولوجية، والعودة إلى الذات، وإلى جوهر رسالة الثقافة، أفاد المهدي أخريف بأن الأمر لم يكن يتعلق بعودة، "وإنما كان تصحيحا ضروريا، هو الذي فتح لنا الباب كيف نفهم الذات الشاعرة باعتبارها مركز القصيدة".

 

وجوابا عن سؤال يتعلق بالوضع الراهن للمجال الشعري، لمح المهدي أخريف إلى أن معايير النشر تغيرت اليوم، وقال في هذا الصدد: "لست على معرفة بما ينشر على مواقع التواصل الاجتماعي ولا أتابعها، بحكم أنني حريص على أن تبقى علاقتي محدودة جدا مع وسائط التواصل الاجتماعي". واعتبر ما ينشر عبر تلك الوسائط "بالأسوأ والكارثي، سبب في تشابه التجارب". ووصف ذلك بأنه "منبع السطحية والمحدودية، وانعدام الموهبة، حيث المواهب الحقيقية تكاد تكون منعدمة".

واستطرد المهدي قائلا: "هناك مواهب في الظل، وخاصة لدى الشاعرات، اللواتي اطلعت على قصائدهن"، مشيرا إلى نموذج الشاعرة فدوى الزياني، والشاعر المرحوم  أخريف محسن الذي خطفته الموت، والذي كان بنظره من شعراء تطوان الموهوبين.

 

وعند مقارنته قارن بين الوضع الحالي، وفترة السبعينيات والثمانينيات من القرن  الماضي، أوضح أن الأمر لم يعد الأمر كما كان سابقا، حيث كانت عدة منابر تنشر الانتاجات الشعرية، معتبرا أن اللامبالاة أصبحت تطبع الوضعية القائمة.

 

وعن ظاهرة انتقال عدد من الشعراء إلى الكتابة في جنس الرواية، أو المزاوجة بين الكتابة في مجالي الشعر والرواية، أشار الأديب المهدي أخريف إلى أن هذه الظاهرة أثارت انتباهه، وأنه ليس الشعراء وحدهم من أصبحوا يكتبون الرواية، بل حتى البعض ممن لهم تخصصات بعيدة عن الأدب، منهم سوسيولوجيون وأطباء، معتبرا أن من حق أي كان أن يكتب، لكن حين تنعدم الشروط الأساسية في الكتابة عند من لم يختبر هذا الفن الأدبي ولم يخلق له، يلاحظ التمطيط في بعض الأعمال التي رأى أن الأصالة فيها ضعيفة، مقابل وجود أعمال أخرى  فيها جهد .

 

واستحضر المهدي أخريف الكاتب المغربي الراحل محمد زفزاف، باعتباره كاتبا من طينة نادرة، واصفا إياه بأنه كاتب قصة من الطراز الرفيع، يأخذ الأمور ببساطة، وروايته عالمها يبدو فقيرا، لكنها تتسم بلمسة الساحر العجيب .

 

ولأنه قارئ جيد للثقافة المعاصرة في شقها الفكري والإبداعي، ويمتح أيضا باستمرار من عيون التراث والشعر العربي، فقد رد عن سؤال يتعلق بسر عودته إلى الشاعر العربي الكبير أبي الطيب المتنبي، من خلال إصداره لكتاب يضم مختارات من عيون قصائد هذا الشاعر، بالقول بأن هذه العودة كانت قائمة دائما مع المتنبي، وأنه يحفظ له الكثير، وتربطه به علاقة قديمة، لأنه شاعر عابر للعصور، وظاهرة فريدة من نوعها.

 

وفي سياق آخر من حديثه، اعتبر أن الأديب جبران خليل جبران هو "رائد الحداثة الأدبية الجديدة في العالم العربي، وأنه بهذا المعنى، يبدو أهم من بدر شاكر السياب ونازك الملائكة، لأنه بنظره شاعر بأعلى المعاني، مبرزا أن هذه هي الثقافة الشعرية التي متح منها جيله، لكنها لم تعد مصدرا لمن يكتبون اليوم .

 

ولأن محاور هذه الحلقة من برنامج "مدارات" مع الأديب المهدي أخريف، كانت متنوعة، فقد تحدث خلالها عن بعض الجوانب الذاتية، مشيرا إلى أنه سليل الجبل، وأنه ولد في واحدة من أجمل مناطق الطبيعة، ناحية القصر الكبير. وعن سر علاقته الروحية بمدينة "أصيلة"، وما إذا كان يقيم فيها أم هي التي تقيم بداخله، أقر المهدي أخريف بأنه يصح "الأمران معا، أنا أقيم في أصيلا وهي تقيم في، أصيلة هي فردوسي بمعنى مجازي، فيها أعتبر كل الناس عائلتي، أسير في الشارع وأنا مطمئن كل الاطمئنان، ولا أشعر بالملل".

 

وخلال حديثه عن مدينته أصيلا، حرص المهدي أخريف على الاشادة بالأستاذ محمد بن عيسى، واصفا إياه بالمبدع ، معتبرا أنه "هو الذي أخرج المدينة من وضع إلى وضع، وغيرها جذريا، من خلال ما فعله وأعطاه لهذه المدينة على مدى 40 سنة من مجهود وعمل عظيم"، حيث أصبحت معه "مدينة مشهورة عالميا، ومعظم الفضل يعود إليه، لأنه كان وراء هذا التحول، بذكائه الخارق في الإبداع والخبرات التي راكمها وصقلته، ومنحته المزيد من الإصرار على المضي بعيدا، من أجل تغيير المدينة، رفقة الفنان التشكيلي المرحوم محمد المليحي، صديقه ويده اليمنى"، لكن يظل محمد بن عيسى بنظر المهدي أخريف، هو صاحب الافكار الكبرى.