الأربعاء 17 إبريل 2024
فن وثقافة

فن "اَلتْقَيْتْقَاتْ" من الأنماط الغنائية الشعبية المحبوبة لدى أهل مراكش وأحوازه

فن "اَلتْقَيْتْقَاتْ" من الأنماط الغنائية الشعبية المحبوبة لدى أهل مراكش وأحوازه مشهد من فرجة أهل مراكش
 
غنى الفن الشعبي بربوع الوطن بتعدد غنى موروث الثقافة الشعبية المغربية التي تبهر المتلقي وتجعله رهينة في يد من يجيد الحكي والرواية الشفهية وسط "اَلْحَلْقَةْ" في حضرة صناع الفرجة، والإنتقال إلى تقديم كوكتيل من الأنماط الغنائية الشعبية والرقص بالجسد والإشارات والتلميح، مع استعمال الآلات الموسيقية التقليدية الوترية والإيقاعية.
ومن أجمل أنواع الفنون الشعبية المحبوبة للمغاربة والتي اشتهر بها "بَهْجَاوَةْ" بمدينة النخيل مراكش الحمراء، ذلك الفن المراكشي الذي يطلقون عليه اسم "تَامْوَازْنِيتْ" والذي تحيل مفدرته على الإيقاع والميزان بالكف والأرجل وفي أحيان أخرى الإستعانة بـ "الطَّعَارِيجْ" أو "الطَّرَيِّرْ" و "الدَّرْبُوكَةْ"، ويحمل هذا اللون الغنائي الجميل أيضا إسم لصيق به في الأوساط الشعبية المراكشية وهو فن "تْقَيْتِيقَاتْ".
وحسب الأستاذ مراد الناصري فإن مفردة "تَامْوَازْنِيتَ"، من مفردات اللغة العربية "اَلْمُؤَمْزَغَةْ" في الدارجة المغربية تماما مثلما توجد نماذج لا تعد ولا تحصى للنموذج المقابل من المصطلحات الأمازيغية المعربة؛ إذ أن كلمة الميزان العربية خضعت للميزان الصرفي الأمازيغي لتأخذ وزنا تساعيا، كي تتحول إلى اسم مؤنث يبدأ بالتاء المبسوطة وينتهي بها على عادة الكلمات المؤنثة عند الأمازيغ...
أما في ما يتعلق بالحقل الدلالي للمفردة، فهو قاصر غاية القصور في التعبير عن معناها الكامل؛ إذ أنه يقصر اسم هذا الفن على جانب واحد منه وهو "كْرِيفْ اَلْمِيزَانْ"؛ أيّ تلك الحركات الرشيقة المتتالية التي تضرب باستعمال اليدين وفق إيقاع معين؛ ثنائي ثم ثلاثي حتى يكون في الغاية ـ أو مساوي كما يقال ـ فيما السواد الأعظم من فن الميازين الشعبية المراكشية هو عبارة عن قصائد مغناة يتخللها الميزان المذكور وينتهي على إيقاعها...
ويضيف الأستاذ مراد الناصري موضحا: "هنا قد يقول قائل إن كلمة الميازين قد استخدمت هنا للدلالة على شطريّ هذا الفن معا أيّ الغناء و "كْرِيفْ اَلْمِيزَانْ" معا، نظرا لوجوب وضرورة تداخلهما كي تكتمل الصورة، لكن هذا القول في تصوري لا يستقيم للسبب المذكور أعلاه، وهو أن المسمى يجب أن يعبر عن شمولية الحقل الدلالي، وليس عن جزء واحد منه فقط...".
قول آخر قد يفرض نفسه أيضا، ـ حسب الناصري ـ وهو أن من الناس من يستخدم كلمة الميزان في الدارجة المغربية دلالة على المنظومة الموسيقية بأكملها؛ بإنشادها وآلاتها المرافقة والحركات المستعملة فيها سواء كانت بالأيدي أو بالأرجل، ومنه قول بعضهم عن النشاز الموسيقي ومن ينشزه: "طَيَّحْتِي اَلْمِيزَانْ، أو طَيَّحْتِي اَلْوَادْ"، لكن الكلمة هنا تستعمل بشكل مجازي، وليس وفق معناها الحرفي أو الحقيقي"...
ويوضح بالقول: "أنه في مراكش القديمة أيضا كان هنالك تمييز وضبط أكثر صرامة لهذه الأنواع المتداخلة من الفنون؛ فـ "الرْشَايْشِي" غير "الدْقَايْقِي" غير "الطَبَّالْ"، لكن لا يمكن تخيل أن تعبر كلمة "الرْشَايْشِي" ـ مثلا ـ عن ممتهن فن الميازين ولا حتى عمن يقوم بـ "كْرِيفْ اَلْمِيزَانْ" لوحده حصرا وفقط، وذلك لسبب بسيط هو أن الميزان إيقاع محكوم بضوابط معينة، وليس أيّ رَشْ أو تصفيق باليدين كيفما اتفق.."
ويخلص مراد الناصري إلى بيت القصيد بالقول "أنه ليس كل تغيير مذموما بالضرورة، فلكل زمن دولة ورجال، لذلك لا أرى ضيرا من دخول بعض التغييرات التي تواكب العصر على أنواع معينة من الفنون، لكن مع ضرورة احترام شرطين؛ أولهما تقديم إضافة نوعية تؤدي إلى تحسين جودة ومستوى هذا الفن، والثاني ألا تؤدي هذه الزيادة إلى التأثير على مضمون وجوهر ولا على أصالة الفن المعني بالأمر".
ومن بين الأمثلة التي أستحسنها الأستاذ الناصري كمهتم بنمط فن "التْقَيْتِيقَاتْ" فكرة المقدم محمد بابا رحمه الله حيث قام "بإدخال النَفَّارْ في آخر مرحلة "لَڭْنَاوِي" من الدقة المراكشية، جنبا إلى جنب مع الآلات التقليدية مثل "الطَّارَةْ" و "اَلْقَرَاقَشْ" و "الطْعَارَجْ"؛ بحيث أن هذه الإضافة كانت قد أعطت لفن الدقة زخما أكثر فخامة ورونقا؛ بما يتماهى ويتماشى مع تاريخها العريق، ويضفي على طابعها الشعبي، بصمة من البريستيج والأبهة التي تؤدي إلى نتيجة في غاية التكامل والجمال"...
ويرى الأستاذ مراد الناصري أنه بالمقابل هناك "ما يحد من تطور هذه الفنون ونموها هو الضعف الكبير على مستوى كتابة القصائد والنصوص؛ بمعنى الركون واجترار ما أداه الفنانون الكبار منذ بداية النصف الثاني للقرن العشرين، في غياب لمسات التجديد والإبداع، ليس كليا، ولكن بالشكل الكافي على الأقل، ثم المعضلة التي استشرت خلال الآونة الأخيرة وإن كانت نتيجة منطقية للمسلّمة الأولى، وهي محاولة إقحام أغاني أنواع وفنون غنائية أخرى مثل الشعبي وغيره في "التْقَيْتِيقَةْ"، وهذا في تقديري أمر خاطئ ما دام لكل ضرب فني سياقه الزمكاني وأهله وجمهوره، وبصمته الخاصة التي تميزه عن غيره".