الخميس 28 مارس 2024
فن وثقافة

التاريخ الوطني السياسي والديبلوماسي في كتاب "مولاي المهدي العلوي.. أحداث ومواقف"

التاريخ الوطني السياسي والديبلوماسي في كتاب "مولاي المهدي العلوي.. أحداث ومواقف"

تعززت الخزانة الوطنية في مجال حفظ الذاكرة بإصدار كتاب "مولاي المهدي العلوي.. أحداث ومواقف" حول التاريخ الوطني السياسي والديبلوماسي للمغرب الحديث، من إعداد الكاتب الصحفي سعيد منتسب، بتعاون مع محمد بنمبارك الدبلوماسي السابق والفاعل المدني.

 

ويعد الكتاب/ المذكرات، وهو من منشورات المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، سفر في الذاكرة الوطنية الجماعية، على ضوء المسارات المتقاطعة في حياة مولاي المهدي العلوي، أحد وجوه الحركة الاتحادية وعضو المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية سابقا.

 

يتوقف الكتاب المرفق بملاحق وبصور فوتوغرافية عند تسعة محطات، هي "البئر الأولى" و"بداية الوعي الوطني"، و"ميلاد الاتحاد" و"المهدي بن بركة: الرجل والقضية" و"ثورة الطلاب (1968 والقضية الفلسطينية)" و"المحاولتان الانقلابيتان" و"عمر بن جلون الشهادة والاستشهاد" و"تستمر محن الاتحاد" و"بين الحزب والدفاع عن القضية الوطنية في الأمم المتحدة" و"مغادرة الحزب والمهام الدبلوماسية" و"حكايتي مع العراق"  و"سفير المغرب بالأردن" و"مستشار ديبلوماسي في وكالة بيت مال القدس".

 

مذكرات بخطاب هادئ وخال من التحيز والانفعال

في تقديمه للطبعة الأولى من المؤلف يؤكد مصطفى الكتيري المندوب السامي لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، أن الكثير من التفاصيل والشهادات والأحداث التاريخية، يسردها هذا الكتاب بخطاب هادئ  وخال من التحيز والانفعال، وبالتالي فمتنه يعد وصفة منضبطة وواعية، فيها الكثير من الاتزان والنقد الموضوعي، إنه قراءة جديدة لتاريخنا النضالي والسياسي، قراءة فيها من الواقعية والكياسة ما يمد جسور التواصل، ويغلب لغة الحوار، ويكرس مبدأ الشفافية، موضحا أن كل ذلك وغيره يجعل هذه السيرة، تتجاوز الكثير من مثيلاتها من المذكرات والشهادات الي تنحو منحى المواجهة والصراع .. كما تمثل هذه "المذكرات" تجميعا للمتفرق، ووصلا للمقطوع، وتعضيدا للمشهور، وتفصيلا للمختصر والموجز من الشهادات والمعطيات والأحداث التاريخية، التي طبعت مرحلة فارقة من تاريخ المغرب.

 

عدم التمييز بين تاريخين: تاريخ متاح وتاريخ سري

أما سعيد منتسب، فأشار في توطئة الكتاب الى أن مذكرات (أحداث ومواقف) لا تتعلق بالتمييز بين تاريخين: تاريخ متاح وتاريخ سري أو على الأقل مختلف، ولا بتثبيت الأصلي على حساب الحقيقي، ولا بالتحيز للحظي على حساب الكلي، مبرزا في هذا الصدد، أن المؤلف، يقدم إلينا ذاكرة في غاية الحيوية، ولا يعوزها ذلك الألق التي يمنحها أسباب الوجود، ذاكرة رجل متعدد المراكز، وله دور في صنع المغرب الراهن، وفي ضبط تحولاته الكبرى، من موقف الفاعل المشارك جنبا الى جنب مع أهم السياسيين الذين عرفهم المغرب المعاصر.

 

وانطلاقا من ذلك، فإنه لا يمكننا النظر إلى هذه المذكرات إلا باعتبارها استرجاعا لهوية أصبحت قابلة للطمس، بفعل انحياز العديد من الفاعلين الذين رحلوا إلى الصمت، أو الى النسيان، أو الى المراجعة السياسية للمواقف السابقة، على ضوء الامتيازات المحصل عليها. لذا فالعمل الذي بين أيدينا له القدرة الإيجابية على تدوير "الحقيقة التاريخية"، كما كتبها البعض، وإعادة انتاجها من زاوية مختلفة تماما عن الطرح الإيديولوجي للصراع حسب سعيد منتسب الذي أضاف أن الكتاب لا يخفى انخراطه في شبكات مقاومة تسعى جهدها الى قراءة أخرى، لا قوم على تلك الفكرة الجاهزة للصراع بين الحركة الوطنية والقصر، بل تنهض على نقد التجربة في تفاعلها مع الشروط العامة لإنتاجها، وعلى نقد سوء الفهم الكبير الذي غدته "القوة الثالثة" الموالية للأجهزة الاستعمارية.

 

قامة وطنية جايلت ثلاثة ملوك

أما محمد بنمبارك الذي جاور مولاي المهدي العلوي، حينما كان نائبا أول له بسفارة المغرب بالأردن، فسجل في " أسباب النزول" من الصعوبة بمكان الحديث عن مختلف مسارات كفاح هذه القامة الوطنية التي جايلت ثلاثة ملوك متسائلا في هذا الصدد هل انطلق من كونه رجل سياسة بامتياز، أو من موقعه كمناضل وطني وحقوقي، أو كدبلوماسي مخضرم، جعل من تجاربه التي راكمها من مختلف المواقع سواء داخل الوطن أو خارجه، وقودا للذوذ عن وطنه وقضاياه.

 

دبلوماسي حرص على معالجة قضايا الوطن بأسلوب مغاير

بيد أن الاشتغال إلى جانب مولاي المهدي العلوي في المجال الدبلوماسي، -يقول بنمبارك- مكنه من الوقوف عن قرب على ميزة هذا الرجل الذي يعتبر بصدق وطنيا غيورا ودبلوماسيا من طينة أخرى، حريصا على معالجة قضايا شؤون المغرب بأسلوب مغاير، لما عهدته مع سفراء سابقين، وهو ما زاد من درجة تقديري واعتباري لشخصه موضحا أن قضايا وطنه لم تكن، تحتل لوحدها مساحة من اهتماماته وانشغالاته، بل كانت هموم الوطن العربي ومحن شعوبه، تحظى بدورها بقسط وافر من تحركاته وكفاحه، وفي مقدمتها قضية الشعب الفلسطيني، التي ساهم في رفع لوائها في مختلف المحافل السياسية الرسمية منها والشعبية، حيث ظلت القضية تلازمه في مختلف مراحل حياته.

 

وبخصوص موضوع إعداد مذكراته، أوضح محمد بنمبارك أحد الأطر السابقة للجمعية المغربية لتربية الشبيبة AMEJ، بأنه أقنعه بالقيام بتوثيق ذلك، اعتبارا لكون ما يحمله في جعبته في غاية الأهمية بالنسبة للأجيال الحاضرة والقادمة، حول تاريخ المغرب المعاصر، حيث تحولت الفكرة التي تداولت معه فيها منذ 1916 إلى مشروع خلال 2019، حرص خلاله على إعادة شريط الذكريات بكل عزيمة. وعراض ما عايشه من أحداث سياسية، بـ "إيقاع حيادي يستند كل شيء إلى الحقيقة، بعيدا عن التحيز والتحامل والحسابات الباردة المتجنبة للنزق السياسي، لا يميل إلى الكلام بالألغاز واللعب بالألفاظ والعبارات التي كثيرا ما تفقد الكلام معناه".