الثلاثاء 19 مارس 2024
كتاب الرأي

بهجاجي: الحكومة والمعارضة التي.. "الخمر الجديد لا يوضع في جرار قديمة"

بهجاجي: الحكومة والمعارضة التي.. "الخمر الجديد لا يوضع في جرار قديمة" محمد بهجاجي
الأحزاب التي فرض عليها التناوب، المتخلى عنها، أو المنبوذة، لا يمكن أن تكون معارضة بالمعنى الأخلاقي والسياسي الذي يفيد أن الاصطفاف على يسار الحكومة هو اختيار واع وفكرة مناضلة، وقوة اقتراح.
وهذا لا يستقيم مع الوضع الحالي. 
أحد الأحزاب المعنية بهذا المدخل صرح في بلاغ سياسي، بعد إعلان نتائج الانتخابات،  بأن "الموقع الطبيعي للحزب هو المساهمة من خلال السلطة التنفيذية، في مرافقة المرحلة القادمة". بل زاد في العلم متحدثا عن كون النموذج التنموي هو ملهم للمرحلة القادمة، ولذلك فالموقع الطبيعي هناك هو من أجل "تفعيل وأجرأة النموذج التنموي الجديد... " لكنه حين تم لفظ من تلك الأغلبية المشتهاة نحت معنى التغول. 
نتيجة هذه الاعتبارات صار المشهد داخل البرلمان بلا معارضة، باستثناء صوت فيدرالية اليسار التي مهما يكن أداؤها فسيظل محدودا، وقد رأينا الحضور القوي لممثلي الفيدرالية في البرلمان السابق، لكن ذلك لم يشكل تراكما. بل إن ما حدث في ظل هذا الكيان مؤخرا أعاد الأمل الفيدرالي إلى مربع الصفر.
المشهد مختل لغياب التوازن كما تحدثت عنه في ورقة سابقة.
لكن البرلمان ليس هو المشهد كله.
هناك هذا الكمون المريب لجماعة العدل والإحسان.
هناك الرفاق في اليسار الراديكالي محدودي التأثير في المعادلات القائمة.
هناك التعبيرات الاحتجاجية القطاعية والوطنية التي لا تزال تتألم لجراحها لمتجددة.
ثم هناك الشارع بما تعنيه مفاجاته، ولغة العنف والصمت داخله.
بالإجمال، هناك معارضات مختلفة لا يعيرها أحد الاعتبار. لا الثلاثي الحكومي، ولا المعارضة التي،  ولا الدولة  علما بأن دستور 2011 مثلا لم يكن صنيعة جوقة الموالاة أو غيرها. بل ثمرة تفاعل الدولة مع حركة 20 فبراير بالأساس، ومع مختلف تفاعلات الظرفية الوطنية والعربية.
وإذن فالبرلمان ليس هو المشهد كله، وليس هو المغاربة كلهم. ومن ثم سيكون الاطمئنان لما يجري اليوم رسميا خطأ في التشخيص، وفقرا  في الاستشراف. خاصة إذا استحضرنا واقعة أننا إزاء حكومة نعرف حدودها في التدخل.  ونعرف نظرتها إلى الدولة والمجتمع، إلى مفاصل الاقتصاد والسياسة، وإلى باقي المفردات ذات الصلة مثل المواقف من مطالب الإصلاح في القطاعات الحيوية، ومطالب محاربة الفساد والريع، وربط المحاسبة بالمسؤولية... ونعرف كذلك أنها صارت قديمة متآكلة بعد أن خبرتها التجارب الحكومية السابقة. 
إن الآمال الطموحة، في تقديري، لا يمكن أن تحملها أجساد منخورة.
الدم النابض بالحياة لا يمكن أن يحتويه شريان متقطع. وواضح هنا أنني ألتقي بلاغيا مع إحدى آيات الإنجيل التي أنصت إليها مصادفة في حديث بقناة لبنانية، والتي تقول ما معناه إن "الخمر العتيقة لا ينبغي جعلها في جرار قديمة لأن ذلك يفسد الخمر والجرار".
لأجل ذلك لست مطمئنا تماما. 
ولأنني أحب وطني، آمل أن يكذبني الثلاثي الحكومي فيطلع من قبعة الساحر فيه مغرب الحرية والديموقراطية والعدالة الاجتماعية !
آمل أن تكذبني أحزاب المعارضات الحالية فتقيم التوازن المرتجى !