الثلاثاء 23 إبريل 2024
كتاب الرأي

المصطفى رياني: الاقتراع الانتخابي والمحاسبة السياسية

المصطفى رياني: الاقتراع الانتخابي والمحاسبة السياسية المصطفى رياني

مارس المغاربة المحاسبة السياسية عن طريق صناديق الاقتراع وذلك بالتصويت عقابيا لحزب العدالة والتنمية في انتخابات 8 شتنبر 2021 أدت إلى هزيمته الكارثية ب 12 مقعدا برلمانيا بعدما كان متصدرا المرتبة الأولى في انتخابات 2016 .

وبذلك يكون هذا الحزب المثير للجدل الذي ترأس الحكومة مرتين ولمدة عشر سنوات قد أكمل دورته السياسية والعودة إلى صفوف المعارضة. لكن بأي وجه وبأي خطاب  سيقنع به المواطن المغربي بعدما خرب مكاسبه التي ناضل عليها الشعب المغربي لمدة عشرات السنين؟ فحزب العدالة والتنمية أجهز على صندوق المقاصة وزاد في اقتطاعات التقاعد ومدته وفرض التعاقد وحرر أثمان المحروقات انعكست على الزيادة في المواد الأساسية. أثرت على استهلاك المواطن واكتوائه بنار الغلاء.

وما يمكن ملاحظته أيضا هو لجوء حكومة العدالة والتنمية الأولى والثانية لاختيارات سهلة وكسولة، باللجوء للاقتراض من الدوائر المالية العالمية و استنزاف جيوب المواطنين، عوض البحث عن الحلول بمحاربة الفساد وفرض الضريبة على الثروة والحد من التعويضات السمينة للوزراء والبرلمانيين. فأخلفت وعودها مع المواطن الذي وثق في الخطاب الشعبوي الذي زاد في تأزيم الوضع الاقتصادي والاجتماعي للفئات المتوسطة والفقيرة. أدت إلى احتجاجات قطاعية ومجالية بمطالب عادلة ومشروعة لم تستطع حكومة العدالة والتنمية الأولى والثانية معالجتها بالحوار والتفاوض و بمقاربة ديمقراطية تعترف بالحقوق والإنصاف.

لقد أبانت الديمقراطية النيابية بالمغرب هذه المرة وبالرغم من طابعها الشكلي عن قدرتها على تفعيل المحاسبة السياسية، وإلحاق الهزيمة بكل حزب لا يفي بوعوده اتجاه المواطن، ولا يحترم برنامجه ويتحول أداؤه السياسي إلى مجرد مزايدات سياسية جوفاء وينزلق بالعمل السياسي النبيل إلى التفاهة والديماغوجيا. كما تبين الانتخابات الأخيرة أن المواطن المغربي أصبح يمتلك وعيا سياسيا يؤهله لاختيار الحزب المناسب و يعاقب الحزب غير المناسب بالرغم من استعمال البعض للمال والضغوط والوعود الكاذبة.

بالمقابل فإن تصدر حزب الأحرار والأصالة والمعاصرة للانتخابات الأخيرة هو تعبير عن عودة قوية لرجال الأعمال كتعبير عن فاعل سياسي سيقود الحكومة المقبلة. و يعبر كذلك عن التوجه الليبرالي للباطرونا للدفاع عن عالم الاقتصاد والأعمال و المقاولات والشركات. لكن لا ننسى أن هذين الحزبين أعطا من الوعود في برنامجهما الانتخابي ما قد ينفس ولو جزئيا من الأزمة الاقتصادية والاجتماعية. وسيجعلهما المواطن تحت المجهر النقدي والمحك والمساءلة.

إن المتغيرات الايجابية التي حملها اقتراع 8 شتنبر هو قدرة المواطن على التعبير عن إرادته وصناعة التغيير بواسطة الديمقراطية النيابية، بالرغم من شكليتها، وخصوصا حين استطاع أن يهزم حزب العدالة والتنمية وإزاحته من الطريق للترافع من أجل ملفه الاجتماعي الثقيل أمام ممثلي الباطرونا مباشرة مستقبلا، لتنزيل الحماية الاجتماعية والنهوض بالاوضاع الاقتصادية والاجتماعية للطبقة المتوسطة والفقيرة.

كما تبين الانتخابات الأخيرة أن المغرب بإمكانه الانتقال من الديمقراطية الشكلية إلى الديمقراطية الحقيقية وتحقيق مغرب آخر ممكن، بخلق ثقافة سياسية جديدة تقوم على المحاسبة و التنافس النزيه بين الأحزاب ببرامجها أمام المواطن كرافعة أساسية للديمقراطية تكون الدولة محايدة و تسهر على التطبيق النزيه للقانون.

المصطفى رياني  أستاذ باحث في الآداب والترجمة