الجمعة 29 مارس 2024
كتاب الرأي

أحمد أزيرار: موت السياسة أم موت زعماء الأحزاب الانتهازيين

أحمد أزيرار: موت السياسة أم موت زعماء الأحزاب الانتهازيين أحمد أزيرار
طلعت علينا أسبوعية صحافية قبل العطلة الصيفية بعنوان تقشعر له الجلود وتندى له القلوب. العنوان هو "مجلس النواب 1963-2021 الموت السياسي" مكتوب بداخل تابوت ومرفوق بالآية القرآنية "إنا لله وإنا اليه راجعون".

لم نقرا أقسى وأشد على السياسيين منذ سنوات خصوصا وأن الحقبة المشار اليها جد طويلة وسنة 1963 لها غالبا دلالة معينة في مخيلة كاتب المقال. اما 2021 فهي سنة انتخابات هامة واقتراح نموذج اقتصادي جديد.

يقول المحرر في التقديم للموضوع "انتقلت السياسة إلى عفو الله بعدما فشلت جل محاولات الإصلاح وتحريك الأحزاب السياسية. فطيلة السنين الأخيرة حاول المغرب إنعاش الحياة الحزبية بإعلان تجربة التناوب التوافقي وقبله تم الاتفاق حول ميثاق للعمل المشترك وها هو النموذج التنموي يفرض الاتفاق على ميثاق تنموي. ولكن جل الأحزاب شرعت في التحضير للانتخابات بنفس الوسائل القديمة وانتقلت من إعلان محاربة الفساد الى التعايش معه. لتكون النتيجة هي موت السياسة داخل البرلمان بعد صراع طويل مع المرض"(الأسبوع الصحفي).

لا سيدي المحترم. أن السياسة لم تمت ولن تموت. بل مات جل سياسيينا. مات الزعماء الشرفاء ذوي المبادئ والأخلاق السامية. وخلفهم رهط من المرتزقة تجار ممتهنون لحرفة من أخطر الحرف لأنها تقرر في أرزاق وأعناق البشر حرفة أرادوها للتجارة والاسترزاق.

الأنسب أن نقول بأن السياسة في إجازة تنتظر عودة عصر السياسيين الأكفاء. أما الرهط الحزبي الفاسد أو الفاشل فلا لوم عليه. لم نلومهم. لكل زمان نساؤه ورجاله. هويات وأهداف. وزمن العولمة التجارية ودنا بتجار محترفين شاطرين في السياسة وفي مجالات أخرى. انحطت الأهداف الحزبية في مجملها إلى أدنى مستوى لأن معظم الزعماء الحزبيين بهتت قيمتهم وتغيرت مبتغيا تهم. 

تمحورت جل الأحزاب كما تحول فيروس كورونا المستجد هاته الأيام والعياد بالله. لم يعد للأيديولوجيا الصالحة مكان. ولا للأهداف الجامعة مدافعون صادقون. لا لشيء سوى لان المقاعد صارت هي الأهم. والتحالفات الهجينة هي الأنسب. والبحث عمن لهم الحظوظ بالفوز بالمقاعد هو الشغل الشاغل لمسيري الأحزاب. كيفما كانوا وكيفما كانت سريرتهم. لم يبق مكان للمناضل ولا فائدة ترجى منه. بل اضحى ينظر اليه كمشروع خطر على زعيم لا يحسن سوى لغة التمويه والضبابية والزبونية ولا يريد الا المحافظة على الكرسي بأية وسيلة وربما توريثه لذريته المحظوظة. كل الأحزاب تتهافت عن نفس البروفايلات الرديئة الا من رحم ربك. صار للكاستينغ نفس الشروط والمقاسات. 

لكن لنبقى واقعيين. تغيرت الأحزاب كما تغير المجتمع. لأن تغير الأحزاب ليس وليد تغير نوعية مسيريها بالأساس فحسب. بل الرؤساء الجدد هم أنفسهم وليدي تغير المجتمع ككل بقيمه وتقنياته وبشره وكيفيات تعامل البشر مع محيطهم.
على أي فالسياسة لن تموت. كل ما يوجد على البسيطة كنهه سياسي ومسير سياسيا. ابتعد ما شئت عن السياسية فهي لن تبتعد عنك كثيرا أو طويلا لأنك في صلب مشاغلها. تشغلك لا تشغلها.

الأهم هو أن السياسة والسياسيون الصالحون والمصلحون ينتعشون عندما يكون في الساحة امام مواضيع معبئة حاسمة او اخطار مجتمعية محدقة. تلكم كانت اوقات ملحماتنا الكبيرة كمناهضة الاستعمار والمسيرة الخضراء وانتقال العرش الى الملك الشاب محمد السادس وفترة الحرب ضد الوباء التي نعيشها.

لذا فان الامل قائم. أن النهضة الشاملة التي سيحدثها العقد الوطني المزمع إحكامه بين أطياف المجتمع المختلفة وذلك كرافد أساسي لإنجاح النموذج الاقتصادي الجديد تعطي للمغاربة الفرصة ليجددوا سياستهم وسياسييهم. لذا فان الانتخابات هي الوسيلة الأنجع إذا لم يفسدها الفاسدون.

السياسة لا ولن تموت. قد تدخلها في سبات عميق قلة مشاريع التعبئة الوطنية وتكالب السياسيين الفاسدين أو الفاشلين اوالمنفعيين. أما في الأوقات الحاسمة لإنجاح مشاريع الوطن التاريخية فتولد الزعامات السياسية المتوهجة والقادرة الجديدة. تلك التي تبصم تاريخ البلاد. لأن البلاد دائما وابدا ولادة للكفاءة والنزاهة والاقدام والحمد لله. دولة الاثنا عشر قرنا لها حاميها الصلب لا ولن يزعجها ضجيج عساكر ولا تقاعس متقاعسين ولا عدمية عدميين ولا انتهازية انتهازيين.