الجمعة 19 إبريل 2024
كتاب الرأي

الحسين بويعقوبي: موقع الأمازيغية في برامج الأحزاب السياسية لانتخابات 8 شتنبر 2021

الحسين بويعقوبي: موقع الأمازيغية في برامج الأحزاب السياسية لانتخابات 8 شتنبر 2021 الحسين بويعقوبي
يروم هذا المقال جرد ومناقشة مستويات حضور الأمازيغية لغة وثقافة ومطلبا في البرامج الانتخابية المقدمة من طرف بعض الأحزاب لاستحقاقات الثامن من شتنبر 2021.
والوثائق المعتمدة هنا هي البرامج المنشورة رسميا وعلى المستوى المركزي، والموجودة أحيانا في الموقع الرسمي للحزب, ولذلك فهذه القراءة النقدية لا تعتمد الاجتهادات الخاصة من طرف بعض مناضلي ومناضلات هذا الحزب أو ذاك على المستوى المحلي من خلال الحديث عن الموضوع في سياق معين أو محاولة ترجمة البرنامج ككل أو جزء منه إلى الأمازيغية، أو إضافة نقطة متعلقة بالموضوع في البرنامج المحلي، أو الحديث بالأمازيغية في كابسولات اشهارية، لأن هذه المحاولات على أهميتها لا تعكس الموقف الرسمي للحزب وطنيا والذي يظهر من خلال البرنامج المنشور رسميا، بقدر ما تتحكم فيها استراتيجيات محلية مرتبطة إما بانخراط المرشح نفسه في النضال من أجل الأمازيغية أو بالحضور النشيط للحركة الأمازيغية في منطقة معينة، وهو ما يجعل المرشح يسعى لمحاولة استمالة جزء من نشطائها. كما أن هذه القراءة لا تتعلق بكل الأحزاب الوطنية المشاركة في الانتخابات، بل اعتمدت فقط عينة من 8 أحزاب، لها مكانتها في المشهد السياسي المغربي، وتمثل مختلف التوجهات الإيديولوجية، وهي التجمع الوطني للأحرار وحزب الاستقلال والعدالة والتنمية والتقدم والاشتراكية والأصالة والمعاصرة و الاتحاد الاشتراكي والحركة الشعبية ثم تحالف فيدرالية اليسار، كما يجد هذا الاختيار تبريره في سهولة الحصول على برامج هذه الأحزاب من خلال عملية الجمع التي قام بها مشكورا موقع www.media24.com إلى حدود تاريخ كتابة هذا المقال.
من المهم التذكير بأن السياق التاريخي والسياسي الذي تنظم فيه انتخابات 2021 في علاقته بموضوع الأمازيغية له خصوصية لا يمكن تجاوزها وهي أن هذه اللغة لها وضع "لغة رسمية" للدولة المغربية منذ 2011 وصدر قانونها التنظيمي منذ 2019 وتحققت بعض المكاسب وانبثق نقاش مجتمعي وسياسي مهم حول الموضوع بعد ظهور جبهة العمل السياسي الأمازيغي وطنيا وحركة شباب التغيير بالجنوب الشرقي شهورا قبل موعد الانتخابات حيث عبر العديد من نشطاء الحركة الأمازيغية عن رغبتهم في ولوج المعترك السياسي من باب الانخراط في الأحزاب الموجودة و الترشح في الانتخابات، بحثا عن التأثير في مراكز القرار لصالح الأمازيغية، دون إغفال تطورات الموضوع على مستوى شمال إفريقيا وخاصة إثارة المغرب في الأمم المتحدة لموضوع استقلال منطقة القبايل بالجزائر. فالموضوع إذن لم يكن ثانويا في النقاش المجتمعي قبيل انتخابات 2021، وله أبعاد وطنية وإقليمية، ومن هنا شرعية التساؤل عن موقع الأمازيغية في البرامج الانتخابية للأحزاب المشاركة في الانتخابات. وبناء على المعطيات السابقة يمكن ملامسة الموضوع من حيث الشكل والمضمون.
فمن حيث الشكل تظل اللغة العربية هي المهيمنة في تقديم البرامج ثم تليها الفرنسية. وحده حزب التجمع الوطني للأحرار من ترجم برنامجه المكون من 172 صفحة إلى الأمازيغية وقام بنشره في موقعه الرسمي. أما باقي الأحزاب فبالإضافة لاسم الحزب المكتوب بثلاث لغات (العربية والأمازيغية والفرنسية)، لا تحضر الكتابة بالأمازيغية إلا في الترجمة الأمازيغية لشعار البرنامج الانتخابي بحروف تيفيناغ يختلف حجمها من حزب لآخر، كما هو حال حزب الاستقلال (المناصفة الآن) والتقدم والاشتراكية (قادين عليها، في حين لم يترجم ديما معاك بالمعقول) و الحركة الشعبية، (الحركة الأصل ومعاكم البديل ) وغابت عند الأصالة والمعاصرة (لم يضع شعارا للبرنامج) و العدالة والتنمية (مصداقية، ديمقراطية، تنمية)  والاتحاد الاشتراكي (المغرب أولا، تناوب جديد بأفق ديمقراطي اجتماعي) وفيدرالية اليسار( مستمرون معا من أجل مغرب آخر ).
كما تختلف هذه الأحزاب في الموقع الذي تعطيه للموضوع في البرنامج وفي أي محور تناولته وكذا عدد الصفحات المخصصة له، وأحيانا عدد الجمل ليصل حتى لعدد الكلمات المخصصة لإثارة الموضوع, ولذلك نجد من يسعى لامتلاك تصور شامل في الموضوع ووضع الأمازيغية في قلب المشروع المجتمعي وهو ما ميز مجددا حزب التجمع الوطني للأحرار حين قال في الإجراء 23 بأن "الاعتراف يجب ألا يقتصر على الحقوق اللغوية والثقافية بل يجب أن يمتد ليشمل تدارك تأخر التنمية الاجتماعية والاقتصادية"، يليه حزب العدالة والتنمية على مستوى الحيز المخصص للموضوع في برنامج يضم 85 صفحة، حيث التزم بمواصلة الإجراءات التي بدأها في ولايته السابقة في مختلف الميادين، ثم بعده يأتي حزب الحركة الشعبية الذي خصص حيزا لا بأس به للحديث عن الأمازيغية في برنامجه المكون من 26 صفحة، ثم يقل الحيز عند الاتحاد الاشتراكي رغم كثرة عدد صفحات برنامجه (215 صفحة)، و عند التقدم والاشتراكية (75 صفحة)  وفيدرالية اليسار (60 صفحة) لينعدم نهائيا في برنامج الأصالة والمعاصرة (18 صفحة).
أما من حيث المضمون فتختلف برامج الأحزاب المدروسة في تعاطيها مع الأمازيغية، ويظهر لدى أغلبها نوع من غياب الرؤيا بخصوص هذا الملف، وتشير إليه اضطرارا وليس اقتناعا، كما تتفق أغلبها على تجنب الحديث عن الميزانية المرصودة لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، لأن الميزانية مربط الفرس لإمكانية تحقيق الوعود. وعلى هذا المستوى يتميز حزب التجمع الوطني للأحرار في اطتر تصور شامل للموضوع باقتراحه في الإجراء 23 "إحداث صندوق تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية" بمليار درهم ابتداء من سنة 2025، أي أواخر الولاية المقبلة، دون الحديث عن المعمول قبل هذه السنة، وهو خيار ممكن شبيه بصناديق أخرى موجودة ك"صندوق الإدماج الاجتماعي" و "صندوق التنمية القروية والمناطق الجبلية". كما تدعو الحركة الشعبية من جهتها، وان بشكل عام، ل"تخصيص اعتمادات مالية مهمة في قوانين المالية في إطار حساب خصوصي لدى رئيس الحكومة وبأمر منه لسياسات عمومية تضع الهوية في صلب النموذج التنموي".
وإذا تجاوزنا الجانب المالي الذي يتجنبه أغلب الأحزاب أثناء حديثهم عن الأمازيغية، فان بعض المقاربات الحزبية للموضوع لا تساير التطورات والمكاسب التي تحققت في هذا الملف، ولذلك لن نقف عن العبارات الفضفاضة التي تضم ضمنيا الأمازيغية من قبيل "التعدد اللغوي" أو "التعدد الثقافي" أو "الخصوصيات الجهوية" فهي تكاد تخترق كل البرامج. وبعض هذه التصورات يعاكس الدستور المغربي ويضرب مبدأ المساواة بين اللغتين الرسميتين الواجب احترامه. وهذا ما يلاحظ لدى حزب العدالة والتنمية الذي يصر على الدفاع على "دعم صدارة اللغة العربية"، من خلال أربعة إجراءات ضمنها "اعتبار الجمعيات العاملة في مجال دعم اللغة العربية جمعيات ذات منفعة عامة وفق شروط تحدد بنص تنظيمي".
والدفاع عن "صدارة" اللغة العربية لا يمكن أن يؤدي إلا إلى ترسيخ "دونية" اللغة الأمازيغية وهذا مناف للدستور. وفي نفس الآن تم الالتزام بتنزيل المخطط الحكومي المندمج لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية المصادق عليه في أبريل 2020. كما أن التزامه بدعم برامج محو الأمية فلا يقصد ب هالا تعليم اللغة العربية. وفي نفس الاتجاه سار حزب الاستقلال حين التزم في الإجراء 147 على "العمل على تحصين مكانة اللغة العربية وتجديد طرق تعلمها في إطار مشروع مستقبلي ذي أبعاد ثقافية وعلمية معاصرة والانفتاح على أكثر من لغة".
وحين التزم في الإجراء 145 ب"التنزيل الفعلي للأمازيغية كلغة رسمية للمملكة والعمل على تجميع وتدوين مختلف تعابير الثقافة الأمازيغية بما في ذلك النهوض بالإبداع الفني الأمازيغي" يغيب أي تصور للموضوع وفي أي مشروع سيتم هذا التنزيل، عكس اللغة العربية. أما حزب الاتحاد الاشتراكي فلازال يستعمل مفهوم الثقافة الشعبية وطرح الأمازيغية في "القطب الثقافي" وفي موضوع "اللغات" حيث يقر ب"فشل الحكومة في إقرار تدابير ناجعة لتعزيز الإطار المؤسساتي المتعلق باللغتين العربية والأمازيغية، مع تعثر المبادرات الرامية إلى تعزيز حضورهما في المشهدين التربوي و الإعلامي" (ص.193)، كما يدعو لتعزيز اللغتين العربية والأمازيغية وكذا تفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية وتوفير الوسائل والإمكانات اللازمة للنهوض بأوضاع اللغة الأمازيغية" (ص.193). ذ
لكن الحديث عن اللغتين بنفس المستوى قد يفهم منه أنهما تعانيان من نفس الوضعية، والحال عكس ذلك، حيث تحتاج الأمازيغية لميز ايجابي لتدارك التأخر الحاصل في تطورها. ومن جهته لم يكن تعاطي حزب التقدم والاشتراكية مع الموضوع في مستوى المواقف التاريخية لهذا الحزب بخصوص الأمازيغية.  وقد عالج الموضوع في محور المدرسة العمومية والتكوين حيث دعا ل"إعطاء أهمية كبرى لإتقان اللغات الوطنية العربية والأمازيغية واللغات الأجنبية". وفي نقطة "مغرب الثقافات" دعا لتسريع تشكيل المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية ليلعب دوره كاملا في التكوين وتنمية اللغات الوطنية الأمازيغية والعربية، ثم تفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية في جميع مجالات  الحياة العامة وخاصة في التعليم والإدارة والعدالة (ص.23).
أما الحركة الشعبية فقد خصص محورا خاصا لموضوع الأمازيغية كان فيه لتدريس الأمازيغية مكانة متميزة، لكن لم ينتبه إلى أن بعض المطالب تحققت ك"إصدار النصوص التنظيمية لضمان إدماج الأمازيغية لغة وثقافة في مختلف مناحي الحياة"، وهي نفسها القوانين التنظيمية الخاصة بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية والتي تمت المصادقة عليها في 2019، كما أن المطالبة بفتح مسالك للأمازيغية وماسترات بالجامعة قد بدأ تحقيقه منذ 2007، وان لم يعمم بعد. وهنا يطرح سؤال من و متى كتب البرنامج وهل تم تحيينه؟، وعكس العدالة والتنمية التي تقصد بمحو الأمية تدريس العربية فان الحركة الشعبية طالبت صراحة بمحو الأمية بالأمازيغية. وإذا كان حزب الأصالة والمعاصرة قد أغفل نهائيا كل حديث عن الأمازيغية، وهو أمر غريب عن حزب كان هذا الموضوع في قلب اهتماماته، فان رسائل تحالف فيدرالية اليسار في موضوع الأمازيغية بعيدة كل البعد عن مسايرة تطورات هذا الملف وموقعه في النضال الديمقراطي بالمغرب ودعت فقط ل"تقوية تماسك النسيج الثقافي المغربي بالاهتمام بكل روافده العربية والأمازيغية والحسانية في إطار الهوية الثقافية المغربية (ص.59) دون أي إشارة للوضع الرسمي للغة الأمازيغية.
من خلال هذه القراءة، يتضح أن الاهتمام الذي أولاه حزب التجمع الوطني للأحرار لموضوع الأمازيغية في الأربع سنوات الأخيرة قد وجد انعكاسا له في برنامجه الانتخابي، وحقق تميزا من خلال الترجمة الكاملة للبرنامج وكذا الإجراءات المزمع اتخاذها، كما حافظت الحركة الشعبية نسبيا على رصيدها التاريخي في طرح الأمازيغية.  أما العدالة والتنمية فلم تستطع بعد الخروج من جلبابها الايديولوجي لكي تنظر بعين المساواة بين للغتين الرسميتين للمغرب، في حين لم يسعف التاريخ حزب التقدم والاشتراكية ليكون حاملا لمشعل الأمازيغية، فتجاوزته أحزاب أخرى، والشيء نفسه للاتحاد الاشتراكي. وداخل عائلة اليسار يظهر تحالف فيدرالية اليسار بعيدا كل البعد عن الشأن الأمازيغي، وكذلك الشأن بالنسبة للنسخة الحالية من الأصالة والمعاصرة، مما يعني أن تطور ملف الأمازيغية سيكون رهينا بطبيعة التحالفات المشكلة للأغلبية في الحكومة المقبلة.