الخميس 18 إبريل 2024
منبر أنفاس

صابرين المساوي: الشعبوية في موسم الانتخابات

صابرين المساوي: الشعبوية في موسم الانتخابات صابرين المساوي

لماذا لا يمكن لوم بعض الزعماء السياسيين على هذا اللجوء إلى الشعبوية؟

لا يمكن بكل بساطة لأن الحزب الذي يقود الحكومة هو من أدخل إلى أذهان الفرقاء السياسيين المختلفين أن الشعبوية وترديد الكلام السهل الذي يدغدغ المشاعر ويروق الجموع هو أفضل الطرق للوصول الى أصوات الناس .

أمضى هذا الحزب زمنا طويلا من التهريج الفرجوي في البرلمان، وكان طيب الذكر بنكيران يرد على من يلومونه على "الحلقة" التي كان يقدمها أنه "يعرف كيف يخاطب الشعب"، وأن " الشعب كيبغي هاكا"، والنتيجة ها نحن نراها أمامنا باستمرار ...

الكل اقتنع بأن الطريق الموصل هو طريق التلويح بالكلام دون وزنه، دون ربطه بالواقع، دون مراعاة الإكراهات .

الكلام المرسل فقط لعل وعسى ما نجح مع العدالة والتنمية ينجح غدا مع الراغبين في دخول الدواوين.

هذه هي الخلاصة، وهي مفزعة فعلا لمن كان البلد يعني له أمرا أكبر وأجمل وأهم وأبقى من مجرد الفوز في الانتخابات.

لا يفهم جزء من النخبة أن الشعبوية اصبحت عملة سياسية رديئة لا يقبلها سوق التداول السياسي ولا تغري بالمتابعة ولا تحقق مكاسب ولا تخفض أسعارا ولا ترفع أجورا ولا تقلص بطالة ولا تحارب فسادا ولا تصلح خللا، بل تقود فقط إلى الخراب السياسي والهروب من المشاركة في الشأن العام. والدليل أن المغاربة عانوا من ويلات الشعبوية والشعبويين لقادة الحزب الحاكم طيلة العشر سنوات الأخيرة دون فائدة تذكر اللهم ما حققه أولئك الشعبويون من إصلاح لأحوالهم الشخصية .

والحقيقة القاسية أن الشعبوية أضحت موضة العصر ومن الأمراض التي تفتك بجزء من نخبتنا الحزبية، حتى أصبح العمل السياسي مع مرور الزمن من اختصاص فئة قليلة من المنبريين، أي زعماء بعض الأحزاب الذين يحترفون اطلاق الكلام على العواهن أمام المنابر الإعلامية والسياسية وبيع الوهم للشعب، ومنهم من يقول الشيء ونقيضه ويتناقض مع نفسه من لحظة الى أخرى، لكسب صوت هنا أو هناك...

والنتيجة أن الشعبوية كما العدمية، كلتاهما تمثل عجزا عن إنتاج بديل سياسي واقعي بأرقام واضحة وأجندة زمنية محددة، وتعكس سياسة الهروب إلى الأمام في وجه تقديم أجوبة للطلب المجتمعي، فيأخذ الحل شكل اللجوء إلى خطابات غارقة في التزييف من دون بدائل حقيقية للمجتمع والدولة.

المغاربة في حاجة إلى برامج واقعية واعدة وليس إلى بوليميك فارغ يحاول تغطية الشمس بالغربال، لقد سئم الراي العام من مسرحيات السب المتبادل والاتهامات المتبادلة بين بعض زعماء الأحزاب في زمن الانتخابات. والرأي العام يسجل ويتابع في هذه اللحظة من من الزعماء يتقن فن السب والوقوع في التناقضات، ومن منهم ينتج خطابا سياسيا متماسكا معبر عن مشرع مجتمعي ..

المغاربة محتاجون لأجوبة مقنعة حول أمراض الصحة وأعطاب التعليم وشبح البطالة وهشاشة السكن ورداءة الأجور ولهيب الأسعار وغول الفساد، وليس الى دغدغة عواطف المقهورين بخطاب قد يتلاعب بقلوبهم وعقولهم لكنه لا يغير أحوالهم نحو الأفضل .

لذلك فإن الاستحقاق المقبل لن يكون محطة مفصلية لإنتاج مشهد سياسي جديد تنتج عنه قطيعة سياسية وتدبيرية مع الولايتين السابقتين اللتين كلفتا البلد فاتورة ثقيلة دون عروض سياسية جديدة قادرة على بعث الأمل من جديد. صحيح أن المهمة ليست يسيرة في ظل الصورة النمطية السلبية المترسخة في الأذهان عن السياسة والسياسيين، لكن مهمة استعادة المواطنين من أحضان الشعبوية والاغتراب السياسي والعزوف والكيانات المسمومة تبقى هي السبيل الوحيد والأوحد لإضفاء المعنى السياسي على الاستحقاقات المقبلة... وهي مهمة منوطة بالأحزاب الحقيقية، الأصيلة المتأصلة، بمشروعها المجتمعي الديموقراطي الحداثي، وبشرعياتها التاريخية والمستقبلية ...

لقد مللنا من الأحزاب والمرشحين الذين يقولون شيئا ما في أثناء مسار العملية الانتخابية، ثم يفعلون شيئا آخر عندما يتولون مناصبهم كما حدث مع الحزب الحاكم، ولا نرغب أن نسبح في النهر مرتين، نريد أن تكون انتخابات بعروض سياسية واضحة وواقعية وقابلة للتطبيق وتهم الحاجيات الأساسية للمواطن وليس انتظار زمن الحملات الانتخابية لإطلاق وعود وهمية محاطة بسياج من الأكاذيب.