الخميس 25 إبريل 2024
كتاب الرأي

محمد بنطلحة الدكالي: كيف تعمل على بناء دولة فاشلة؟

محمد بنطلحة الدكالي: كيف تعمل على بناء دولة فاشلة؟ محمد بنطلحة الدكالي

مفهوم الدولة الفاشلة، تنعت به الدول التي لا تستطيع أن تلعب دورها ككيان مستقل، بل تكون رهينة قوى أجنبية، حيث تفقد السيطرة على وسائل استخدام العنف، ولا تستطيع ضمان النمو الاقتصادي، وتتميز بعدم القدرة على توفير الخدمات العامة، ومن مؤشراتها السياسية نقيس مدى درجة شرعية ومصداقية نظام الحكم، وانتشار ممارسات انتهاك حقوق الإنسان، ووجود حالة من عدم الاستقرار السياسي خصوصا على المستوى المؤسساتي.

ومن مؤشراتها الاقتصادية، نجد استمرار تدهور وضع الاقتصاد الوطني وازدياد معدلات الفساد وانخفاض نصيب الأفراد في المجتمع من الاحتياجات الأساسية، ووجود إرث عدائي لدى أفراد الشعب فيما بينهم، وتآكل السلطة الشرعية، وانتشار الفساد والجريمة، وتدهور الاقتصاد وانفلات العنف الطائفي...

تلك هي بعض مظاهر الدولة الفاشلة، طبقا لبعض المفكرين وعلى رأسهم المفكر الألماني "ماكس فيبر".

 

إن حالة الدولة الفاشلة لا تنفجر هكذا بدون مقدمات، بل هي نتيجة تراكمات طويلة للمشاكل التي يفرزها الاحتقان السياسي وتدهور الظروف الاقتصادية والاجتماعية وصعود طبقة نخبوية إلى قمة السلطة والنفوذ السياسي، مع انحدار وتلاشي الطبقات الأخرى، مما يعمق مشاعر الظلم والتهميش الاجتماعي الذي يساهم في تفجير الوضع العام، وهناك من الأنظمة التي تسعى جاهدة إلى دخول نادي الدول الفاشلة، تظهر الأعراض الأولى حينما تستحوذ على زمام الأمور طغمة عسكرية تحت قناع مؤسسات جوفاء، تحركها أياد خارجية، حيث تصبح تلك المؤسسة العسكرية عبارة عن دولة داخل الدولة...

 

من هنا تبدأ عملية بناء دولة فاشلة، حيث إن هذه الطغمة العسكرية الحاكمة تسلب حرية الرأي، وتقمع كل رأي مخالف، وتسلب شرعية أي حراك مجتمعي، وتقمع كل أنصاره ومؤيديه، وتجعل من العداء الاستراتيجي لجيرانها عقيدة وايديولوجية ثابتة، كما تبحث عن خلق النزاعات في محيطها بل تقوم بتعديلات دستورية تسمح لها القيام بمهام أمنية قذرة خارج حدودها، وهي في ذلك تبحث عن زعامة اقليمية وهمية، بل تنشأ مليشيات انفصالية تقوم بتمويلها وتسليحها من أجل زرع الانشقاق وتشجيع الانفصال عند جيرانها، ولو تطلب ذلك تجويع شعبها، بل تقوم بشراء السلاح وتكون المستورد الأول له في قارتها، رافعة شعار "كيف نعد العدة لشراء سلاح الخردة"، على الرغم من تراجع مواردها بسبب تدني اسعار النفط في السوق، باعتباره أهم مصدر للدخل في البلاد.. والأنكى من ذلك أنه ورغم شراء هذا العدد الضخم من الاسلحة التي يشكك العديد من الخبراء في فعاليتها ونجاعتها، نجد أنها لا تتوفر ولو على طائرة يتيمة لإطفاء حرائق غاباتها، تستجدي الإعانات والمساعدات، بل وحتى طائرات رش المبيدات التي تصورها جوقتها الإعلامية وذبابها الالكتروني بمثابة نصر كبير..!! هاته الحرائق التي حاولت الصاقها بعدو خارجي مفترض، أصبحت عامل تأجيج للصراع والفرقة، بل هناك العديد من المنظمات والهيئات التي تطالب بضرورة فتح تحقيق دولي محايد من شأنه أن يكون دليلا للحيران للكشف عن سبل إضرام النيران.

 

إن الطغمة العسكرية الحاكمة، والتي نسعى جاهدة للحاق بنادي الدول الفاشلة، تحاول تصدير أزماتها من اجل الاستهلاك الداخلي، حيث تراجع اقتصادها بشكل مهول وتعاني مت عجز كبير على مستوى الموازنة العامة فاق اثنين وعشرين مليار دولار، وسط علامات استفهام حول السبل والبدائل التي ستواجه بها هذه الوضعية غير المسبوقة، حيث يطرق اقتصادهم أبواب المنطقة الحمراء تحت ضغط ازمة اقتصادية واجتماعية وسياسية خانقة... حيث أن الشعب المغلوب على أمره يعاني من قهر اجتماعي وغلاء معيشي، وانسداد الأفق، جعله يخرج منذ الفجر يوميا مشكلا طوابير طويلة من أجل لتر حليب أو زيت أو ماء، بل إن أبسط الضروريات أصبحت في عداد المستحيلات، كما أن الشعب يعاني من أزمة صحية في زمن كورونا نتيجة نقص وسائل الإنعاش والأسرة، بينما الطغمة الحاكمة تتشدق كونها من أجود المنظومات الصحية العالمية حتى أصبحت محل تنكيت وتبكيت...!!

 

ورغم هذا لقد أهدرت ازيد من خمس مئة مليار دولار وراء هذيان توسعي، في الوقت الذي يطالب فيه الحراك الشعبي بضرورة ابتعاد المؤسسة العسكرية عن السياسة، والسير نحو دولة مدنية حديثة، والكف عن تبذير أموال الشعب  في شراء الذمم والأصوات.

 

هكذا تبدو أعراض الدولة الفاشلة وهي ليست جملة انشائية نرددها، لكنها حقيقة تبدو ظاهرة للعيان... والثابت في تاريخ الانظمة السياسية أن عدم التفاعل بمضادات حيوية لمواجهة هاته الأعراض، تكون من الأسباب التي تسرع دخول الدولة الى حالة الفشل، أفلا يبصرون..!؟