الجمعة 29 مارس 2024
كتاب الرأي

محمد بنطلحة: السيادة الصحية ودورها في تحقيق الأمن الاستراتيجي

محمد بنطلحة: السيادة الصحية ودورها في تحقيق الأمن الاستراتيجي محمد بنطلحة الدكالي

لقد تطور مبدأ سيادة الدولة تبعا لأحداث شتى عرفها التاريخ، والتي كانت فيما مضى سيادة مطلقة، ولكن خلال الحربين العالميتين أضحت سيادة مقيدة. ومن هنا وجب على مفهوم السيادة مواجهة العديد من التحديات في ظل صراع بين الدول الكبرى، يتخذ أشكالا كثيرة، الهدف منها هو الهيمنة وبسط النفوذ على العالم.

 

ولعل آخر هذه التحديات، نجد أن جائحة كورونا التي غيرت موازين القوى حيث برز تنافس جيوسياسي بين القوى الكبرى التقليدية لتعزيز سيادتها الصحية من أجل تحقيق مكاسب استراتيجية ومادية، وأصبحنا نتحدث عن مفهوم الهيمنة الصحية، حيث إن الدولة التي تملك اللقاح، تفرض إرادتها على بقية الدول.

 

لقد فرضت جائحة كورونا على النظام العالمي اعادة النظر في اليات اشتغال وتنظيم القطاع الصحي، حيث تحول من خدمة عامة إلى أحد مكونات الأمن الاستراتيجي، حيث أصبح مجالا للتسابق والصراع الجيوسياسي الدولي، كما أن أزمة كورونا سلطت الضوء على الانقسامات القائمة في السياسة العالمية في سياق جيوسياسي شديد التنافسية، وغذت السيادة الصحية تشكل رقما صعبا في المعادلة الدولية.

 

صحيح أن مصطلح السيادة الصحية قد ظهر ابتداء من سنة 1944 عقب نشر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي تقريره للتنمية البشرية، لكن هذا التعريف بقي مبهما ألى أن حل زمن كورونا الذي أظهر للعالم أن البحث عن التلقيح ليس مجرد مسالة صحية بقدر ما يتعلق بالأمن القومي والسيادة والتخطيط الاستراتيجي، بحيث أثبتت الدراسات أن الدول التي لا تمتلك خططا لإدارة الأزمات تعاني من الكثير من المشاكل والتبعات.

 

لذا نجد أن التخطيط هو جهد منظم يهدف إلى الوصول الى قرارات ونشاطات أساسية، مع التركيز على المستقبل وهو أسلوب لمواجهة الأزمات والتكيف مع المتغيرات المفاجئة وغير القابلة للتوقع المسبق ووضع البدائل والاحتمالات وتحديد مسارها المستقبلي من خلال التنبؤ والاختيار الاستراتيجي للفرص الموجودة.

 

إن التاريخ المفصلي الذي نعيشه اليوم جراء أزمة كورونا، يتطلب منا تخطيطا مبدعا واستراتيجيا للقادم من الاحتمالات.. في هذا الإطار حشد المغرب كل الامكانيات والوسائل المادية والبشرية من أجل تحقيق السيادة الصحية، وفق رؤية ملكية تندرج في إطار خارطة طريق من أجل تأمين الحاجيات المستعجلة على مستوى لقاحات كوفيد19 على المستوى القريب وإنتاج لقاحات المخطط الوطني للمناعة على المدى المتوسط والبعيد، من أجل بناء منصة قارية للبحث والتنمية؛ وهو ما سيمكن من تحقيق التأمين البيولوجي للمملكة، كما سيمكن من تحقيق الاكتفاء الذاتي وتعزيز الأمن الصحي وفق رؤية تدعو إلى إحداث تغيير في المنظومة القائمة، مما يجعل قطاع الصحة منتجا يخلق قيمة اجتماعية وتكنولوجية واقتصادية ومنفتحا على محيطه الدولي والقاري، مما سيساهم في تعزيز مكانة المغرب الإقليمية والدولية من خلال ديبلوماسية اللقاحات، حيث يمكن مثلا للدول الافريقية أن تستفيد من هذا المشروع، حيث يجب على القطاع الصحي والصيدلي المغربي تلبية حاجيات البلدان الافريقية وهذا ما نبهت إليه لجنة النموذج التنموي في تقريرها، كما نبهت إلى أهمية وتقوية السيادة الوطنية في مجال الصحة عبر تطوير صناعة صيدلية وطنية.

 

لقد تمكن المغرب من احتواء الجائحة والحد من آثارها على السكان والاقتصاد من خلال تدبير استباقي مرن، وها هو عاهل البلاد في خطابه بمناسبة عيد العرش، يذكرنا أن السيادة الصحية عنصر أساسي في تحقيق الأمن الاستراتيجي للبلاد.. إنها رؤية استراتيجية واضحة من أجل مغرب قوي قادر على أن يكون فاعلا إقليميا ومؤثرا على الصعيد الدولي وسيدا في اختيار قراراته...