الثلاثاء 16 إبريل 2024
كتاب الرأي

يونس وانعيمي: الجزائر نصف كأسنا الفارغ

يونس وانعيمي: الجزائر نصف كأسنا الفارغ يونس وانعيمي
لسنا والجزائر الوحيدين في العالم الذان يدبران جوارهما المأزوم:
اسبانيا والبرتغال  لا تتكلمان مباشرة سوى عبر قنوات آلية يحركها الاتحاد الأوروبي البارد. لكل "عقيدته الوجودية" وافقه الخاص الذي يتطلع إليه. 
أيرلندا وبريطانيا بينهما عقدة لم تحلها قرون من الجوار واللغة ومعزوفات الكورنموز cornemuse, وهي آلة تزمير إيرلندية تؤثث كل طقوس الملكة البريطانية...
تركيا واليونان وبينهما قبرص.. مصر والسودان وبينهما نهر النيل.. اليابان والصين وبينهما تاريخ حافل بالحروب والاقتتال.. نيوزيلندا وأستراليا وبينهما "سمك القرش" الذي يلتهم من يسبح في مياههما البينية.. الولايات المتحدة الأمريكية وكندا بالرغم من الزهو المخملي.. في العالم كثير مما يشبه ما نعيشه مع جارنا الشرقي. الفرق هو المتجاورين المتخاصمين لا يتناسوا مصالحهم المشتركة.. فقط الجزائر وحدها من تعتبر مصالحها مع المغرب كحصان طروادة يهدد كيانها ووجودها. وفعلا هذه أول مرة نرى ان المصلحة الأنوية هي أكثر اعتبارا من المصالح الاقتصادية.. ليس غريبا ذلك عن دولة ليست لها أجندة اقتصادية متوسطة وبعيدة المدى مادام هناك بعض المال الخام في "الخزان". 
اذن لننفض من البكاء والحسرة على علاقات جوار لم تكتمل بيننا وبين الجزائر.
لكن ما الذي يجعل الجزائر تتلكأ وتصيبها حمى الخيلاء والاستعلاء كلما مد إليها المغرب يده لعقد مصالحة تنهي ذلك الطلاق غير المفهوم؟
اول المسببات تأتي من شكل ونمط السلطة بالجزائر. الجزائر مع الأسف دولة عسكرية تركها المعسكر الشيوعي القديم-المتجدد، كما ترك طائراته وبوارجه الصدئة على شواطئ الكثير من البقاع، أو كنقابل مبتوتة تحت الرمل ليستعملها عند الحاجة. 
منذ أن استقلت الجزائر من استعمار فرنسي مهول وطويل (أطول استعمار في العالم الحديث) لم تختر الجزائر الشروع في ورش بناء الدولة والمؤسسات.. بل اكتفت بحفر آبار وتشييد خطوط سكك مهترئة وخلق حسابات بنكية داخليا وخارجيا يمتلكها الحارس المسلح لأضراسه (الجيش). 
ولكي يتسلط الحارس ويخيف، أصبحت الجزاىر تشتري السلاح اكثر من الدواء والغذاء.. وحتى عندما اصابتها مؤخرا فاجعة الحرائق المهولة لم يجد الحارس اية معدات لإخماد الحرائق وانقاد العباد والدواب. 
يؤسفني ان أشبه الجزائر بكوريا الشمالية: كلاهما متسلحتان وكلاهما يموت فيهما الوطن والمواطن جوعا او عطشا او حرقا.. بؤسا لهما 
المسببات التالية مرتبطة بالأول.
تعلم الجزائر ان اي تحالف اقتصادي مع المغرب لن يكون فقط ايجابيا على مستوى منح الدولتين نقطا وافرة في التنمية.. بل سيعبد طريقا سريعا ليتحول المغرب نهائيا لموقع الريادة الإقليمية الدبلوماسية وسيوفر له جاهزية لحل معضلاته الترابية السيادية..رهاب السيطرة المغربية يجعل النظام العسكري الجزائري يفضل ان "يتناول عقاقير مسكنة" على أن يستأصل "أورامه" بشكل نهائي. وأكبر الأورام السرطانية هي تلك الميليشة المسلحة المسماة بوليساريو والتي ظنت الجزائر انها تنفتها في خصر المغرب.. الواقع اليوم يؤكد ما يلي: كلفة الميليشيا مرتفعة كثيرا بالنظر لأهدافها المسطرة، وقدرات الجزائر المالية لم تعد تكفي لشراء ولاءات دول أفريقية فهمت ان تجديد تعاقدها الاقتصادي مع المغرب يوفر لها فرصا تنموية اكثر هيكلة من شيكات بئيسة لا تذهب سوى لجيوب أشخاص وليس أوطان.
وحتى ذلك الثالوث الذي ظنت الجزائر لعقود انه ثالوث القوة الأفريقية (الجزاىر، نيجيريا، جنوب أفريقيا) بدأت عيوب خلقية تظهر للعالم او هو مجرد وهم جزائري ليس إلا.
جنوب أفريقيا والجزائر، من الناحية التاريخية، دولتان محتلتان حررهما المغرب. السلطان محمد الخامس والملك الحسن الثاني كانا رحمهما الله هما من سلح ثورة الجزائريين و نضال نيلسن مانديلا وهما من مداهما بالأطقم والكفاءات العسكرية والمال والسلاح.. طبعا هناك نكران ممنهج لهذه الحقيقة التاريخية لكن النخب السياسية بالدولتين تكتنز كل الوثائق وكل الوجدان المشترك اتجاه المملكة العلوية الشريفة.
الثالوث وهم كذلك عند نيجيريا التي فهمت ان مصالحها مع المغرب جد مواتية ولم تتأخر كثيرا في ابرام اهم اتفاق طاقي واقتصادي على الإطلاق مع المغرب (أنبوب الغاز القاري من نيجيريا إلى المغرب نحو أوروبا) كما فتحت للمكتب الشريف للفوسفاط مجالا واسعا واعدا في الاستثمار في الطاقة الأحفورية والفلاحة..نيجيريا ليست غبية لنترك افقا واعدا وتتمسك بأدلوجة جزائرية عسكرية ليس معها تنمية للشعب النيجيري الذي لا يريد أن تتحول بلاده لفنيزويلا أفريقية.
كان من المفيد للجميع أن تنفض الجزائر من وهم الريادة وتعوضه بأمل التنمية الحقيقية. لكنها فضلت ان تبقى نصف كأسنا الفارغ لأننا لن نرتقي الا مع جزائر واعية وذكية.