الجمعة 19 إبريل 2024
كتاب الرأي

محمود التكني: العلاقات المغربية الإسبانية والانفراج الحذر

محمود التكني: العلاقات المغربية الإسبانية والانفراج الحذر محمود التكني

عرفت العلاقات المغربية الإسبانية خلال هذه السنة ذروة الخلافات والتشنجات، وهذا ليس وليد اليوم، وليس غريبا على حكومة  مدريد التي اختارت بشكل عبثي أن تسلك ازدواجية غير مفهومة في مواقفها، ففي الوقت الذي تشيد فيه  بعمق أواصر العلاقات المغربية الإسبانية وتعتبر المغرب شريكا رئيسيا واستراتيجيا، نجدها في الجهة المقابلة تتبنى موقفا معاديا لوحدتنا الترابية وتدعم الجزائر والبوليساريو، ويشتد سعار الجارة الشمالية كلما حقق ملف وحدتنا الترابية انتصارا اقليميا أو دوليا.

 

وقد عرفت سنة 2021 الحدث الكبير المتمثل في اعتراف الولايات المتحدة الامريكية بمغربية الصحراء وتصحيح خريطة المغرب في جميع الادارات الامريكية عبر العالم مما خلط أوراق اسبانيا. وظنا منها أنها ستخلق الحدث في مجريات الملف قامت باستقبال إبراهيم غالي زعيم عصابة البوليساريو وبهوية مزورة، مما أوقعها في تصريحات متضاربة بخصوص هذا الفعل الذي حاولت عبثا أن تلونه بظلال إنسانية، غير أن ذلك لم يمنع من تعكير صفو العلاقات التي طالما اشادت بها. لقد رفع مواطنون إسبان دعاوى قضائية ضد الضيف الوافد المريض إبراهيم غالي تخص الاغتصاب والتعذيب وغيرها من الجرائم الانسانية، إلا أن موقف القضاء الاسباني الذي تتبجح به حكومة مدريد كانت له كلمة سلبية، ولم ينجح في إنصاف الأصوات المتضررة وذبح العدالة في معبد المصالح الضيقة، وفي آخر المطاف تم تهريب غالي بطائرة فرنسية مستأجرة، مما أشعل حربا كلامية غير مسبوقة تمثلت في  سيل تصريحات ممثلي خارجيتي البلدين انتهت بإقالة وزيرة خارجية إسبانيا لفشلها الذريع في إطفاء حرب مجانية تزامنت مع  سوء إدارة مجموعة من الأزمات الخارجية أدت معه إسبانيا الثمن غاليا، خصوصا حين أقدم المغرب على اتخاذ قرار سيادي يستثني التراب الإسباني من عبور المهاجرين المغاربة.

 

وقد أصدر عاهل البلاد الملك محمد السادس تعليماته لتخفيض كلفة تنقل المغاربة من وإلى دول المهجر لتخفيف وطأة السفر في رسالة واضحة، مفادها أن يد المغرب لا تلوى حين يتعلق الأمر بوحدته الترابية. ورغم أنه سبق لإسبانيا أن حاولت إقحام الاتحاد الأوروبي في خلافها الثنائي مع المغرب قصد استصدار قرار يدين المغرب في موضوع هجرة القاصرين، إلا ان هذه المحاولة باءت هي الأخرى بالفشل، ولم تؤت الأكل الذي كان متوقعا من الاحتماء بالاتحاد الأوروبي.

 

وفي بحر الأسبوع المنصرم أشادت صحيفة إسبانية بحجم الاستثمارات بالأقاليم الجنوبية، وكذا جودة البنى التحتية وإيقاع التنمية التي لا يستطيع إنكارها إلا جاحد أو حاقد. هذه المغازلات تدعونا لنتساءل، هل هي بداية انفراج في علاقة البلدين؟ وإن صح ذلك، فهل هذا الاختيار جاء طوعا أم كرها، بعد أن نزل المغرب بثقله الحقيقي الذي كانت تتجاهله بعض الدول كألمانيا. ولتعلم حكومة مدريد أن مغرب الأمس قد ولى، وأنه كان وسيظل سيد قراراته مع الالتزام بضبط النفس وتجنب التشنجات والخلافات التي تسيئ لحسن الجوار وتضر بالمصالح الاستراتيجية للبلدين. فسياسة المديح والهدنة التي تنهجها اسبانيا  غير كافية والمطلوب منها أن تعلن عن موقف واضح من قضية وحدتنا الترابية، كما أعلنت عنه مجموعة من الدول التي بادرت إلى فتح قنصليات تمثيليتها الدبلوماسية بكل من مدينتي العيون والداخلة.

 

إن التحالفات التي أقامها المغرب مؤخرا مع كل من أمريكا والصين، وكذا تقاربه مع بريطانيا، قد قض مضجع كثير من دول الاتحاد الأوروبي، لأن هذا الأخير كان يتاجر ويساوم بملف الصحراء المغربية ويغدق العطاء والإعانات لكيان مصطنع جيشت له مجموعة من المرتزقة لخلق حالة إنسانية بئيسة تستدر عطف الدول المانحة لتذهب المساعدات الإنسانية إلى جيوب المرتزقة وجنرالات النار والحديد والمؤامرات المفضوحة. هكذا سيظل الموقف الأمريكي الواضح والقاطع لظنون الوهم والمجسد على الأرض بالاستثمارات الضخمة التي بدأت تتهاطل على الأقاليم الجنوبية، كما ستظل مناورات الأسد الإفريقي وإقصاء إسبانيا منها، دروسا لمن لا يريد أن يعتبر ويصر عبثا على أن يعاكس حركة التاريخ ويضع أعوادا خاوية في عجلة النمو والتقدم التي ركبها المغرب، راسما أهدافه بكل ثقة لبلوغ قمة جديدة من قمم المجد التي بلغها بارتباطه الوثيق بالعرش العلوي المجيد...

 

- محمود التكني، أستاذ التعليم العالي بجامعة مولاي اسماعيل بمكناس