Thursday 12 June 2025
كتاب الرأي

يونس وانعيمي: ترحال ورحيل

 
يونس وانعيمي: ترحال ورحيل يونس وانعيمي
ما يقع للإسلام السياسي بالبلدان العربية، وحسب ما توقعناه، هي عملية تجفيف او تقشير للجير. detartrage.
لكن لكل بلد طبعا وثيرتها في تقليم قلاع الاخوان المسلمين.. كانت عملية عسكرية سريعة وعنيفة بمصر، و عملية سياسية دستورية شمولية بتونس.. أما في المغرب فالعملية تتم بوثيرة أبطأ من خلال تعرية سياسية ومؤسساتية: فبعدما أعطيت للإسلاميين فرصة تسيير الشأن العام، وفق انتداب انتخاب سليم، وجد المغرب ان الوقت السياسي موات للتعرية عن مخطط الاخوان في الاستيلاء على دواليب الدولة وفضح غلوهم في ذلك.
الاخوان بالمغرب يعون جيدا ان تقاطبهم الحقيقي مع القصر هو تقاطب مميت لذلك اخفوه في خطابهم السياسي وعوضوه بخطاب يشيطن المخزن عبر مؤسساته (سموه بالدولة العميقة) وعبر نخبه (سموها بالعفاريت والتماسيح). لكنهم يقعون بين الفينة والأخرى ضحايا زلات لسانهم لتنفضح مواقفهم الحقيقية من الملكية كعقبة هيكلية أمام توطين مخططهم الاحتلالي.
لم ننس تصريحات الراحل عبد الله باها الذي كانت تتطاول على القصر وتصفه بالمؤسسة التي يضعفها تعاقدها مع 'الفساد والمفسدين"الشيء الذي يواتي، حسب رأيه، دخول الإسلاميين للحكم كفرصة تاريخية.. ثم لم ننس ابدا زلة لسان بنكيران الخطيرة حيث خاطب الملك مباشرة (في إحدى تجمهراته الشعبوية) بأن المغرب ليس للملكية وحدها وانه آن الأوان ليشاركها الاسلاميون فيه.. وزلة لسان عبد العالي حامي الدين الذي وصف الملكية بكل وقاحة وصلافة على أنها المعرقل الواقعي الوحيد للديمقراطية (على الطريقة الإسلامية طبعا).. وصولا طبعا عند آخر تصريح للإخوانية المتأصلة الأصولية بسيمة الحقاوي التي قالت في لقاء شبيبي بمراكش ان العدالة والتنمية حزب موجود بالفعل وبالقوة شاء القصر ام أبى...
تعمدت ان ابدأ من الإشارة للمخطط الإسلامي الاستحواذي قبل الحديث عن مبرراته في ذلك وفضح اللعبة الخطابية "البكائية" التي تتكاثف عند المشروع الاسلاموي في كل لحظة انتخابية..
الازدواجية في الخطاب شملت العديد من المواقف المهيكلة: شملت القوانين المؤطرة للانتخابات، وشملت التحالفات، وشملت آراءهم حول الأحزاب التي تعيش حولهم وحول استعداد هذه الأحزاب للإجهاز الفعلي على الهيمنة المحتملة للإسلاميين بعد انتخابات شتنبر القادم.
1- ازدواجية في رؤية الانتخابات
تكلم حزب العدالة والتنمية بسكيزوفرينية ممنهجة حول الانتخابات التي يستعد المغرب لإجرائها بهدف تشكيل مكونات مؤسسات عديدة (ممثلي الاداريين والأجراء وممثلي المواطن محليا وبرلمانيا).
وطعن خطابيا وشعبويا في النصوص التي استصدرها من موقعه الحكومي.. حيث صادق بيد على القاسم الانتخابي ولم يتأخر في سحله باليد الأخرى.. وهو تكتيك ليس غريبا عليه إذ لعب بنفس الازدواجية في ملفات كبرى تورط فيها ضد المواطنين (ملف التقاعد، والتعاقد والمقاصة والمحروقات وضرب القدرة الشرائية بتواطؤه مع الباطرونا التي يسبها أينما حل وارتحل) بالرغم من عدم كفه من ترويج ميولاته المواطنة والشعبية.
حزب العدالة والتنمية يتابع بقلق شديد ما يقع وما سيقع لإخوانه بالبقاع العربية. ويفهم شيئا مؤسفا هو انه، بعد كوارثه التدبيرية (للشأن العام ومعيش المغاربة) ونفاقه السياسي مع الناخبين الذي انكشف بعد تلاشي وعوده الأخلاقية، أصبح في الواقع حزبا غير مرغوب فيه جماهيريا.
ولهذه المحصلة مؤشرات انتخابية بدأت تظهر جليا : فقد الحزب الإسلامي تواجده في الاستحقاقات الإدارية للجن متساوية الأعضاء، واليوم يحصل على انتكاسة حقيقية في انتخابات الغرف المهنية.. وغذا سيعد كل ترساناته البكائية (التبريراوية) ليعطي تبريرات لانتكاساته المحلية والنيابية..
سيشك في نزاهة الانتخابات او ربما سيجهر من جديد عن لغة "القرد والغيلم" ويصور لنا وجود حيوانات مفترسة تستهدفه.. لكن أشك انها لغة بقي لها شيء من مشروعية.
2- ازدواجية في رؤية التحالفات
ينتقد العدالة والتنمية اليوم من خلال كتابات "منظريه وعباقرته" مصداقية المنتخبين (بفتح الخاء) الذين زكتهم الأحزاب المنافسة لهم بمبرر انهم نخب سياسية ترحل من حزب لآخر ويغيرون احزابهم كما جواربهم. وهي في نظرهم ظاهرة شاذة يجب القضاء عليها.
لنقف قليلا عند هذا الموضوع..صحيح ان لظاهرة الترحال الحزبي المحايث لكل موعد انتخابي وقع سلبي على مصداقية السياسة وأثر وخيم على انخراط سليم للمواطن في سياسة ليس لها إحداثيات وملامح. لكن ليس هذا ما يقلق حزب العدالة والتنمية.
إنه متوجس اولا بمنهج عمل الأحزاب التي زاد منسوب استقطاب الاعيان لديها قبيل الاستحقاقات القادمة.. وتطور تكتيكاتها الانتخابية التي بدأت تعتمد على استقطاب الاعيان الذين هم في الأصل جماعات تأثير محلية les gens d'influence... واستمع العدالة والتنمية لتحليل "ذكي" قدمه إدريس لشكر زعيم الاتحاديين عندما وصف بأن للتباري الانتخابي، قبل الفوز، منطق تكتيكي مختلف عن العمل السياسي بعد الفوز.. إذ ما يهمه اليوم هو غاية ربح المقاعد حتى ولو اقتضى الأمر استعمال وسيلة الاعيان كوسيلة براغماتي حصرية وبعد ذلك، وبعد ترسيخ الفوز، يمكن أن ننفذ الرؤية السياسية المجردة والمبدئية...
لذلك اضطر "حزب الله" القيام بأكبر عملية ترحال سياسي حدث بالمغرب: هو تحالفه مع حزب الأصالة والمعاصرة الذي كان ينعته الاسلاميون، للأمس القريب، بآلة جهنمية حاشدة لأكبر منسوب من الأعيان.. هو ترحال في الموقف اكبر واخطر من تلك الرحلات الصغيرة العرضية التي يقوم بها أفراد عزل من حزب لآخر.. أليست، سيدتي بثينة القروي، المنظرة الفذة الاسلامية، ترحالا سياسيا كبيرا؟
في نظري يمكن اعتبار القفز وتغيير المبادئ اكبر ترحال في السياسة وما ترحال الناس سوى جزء بسيط منه.. بل واخطره. حيث يخرج علينا سي سليمان العمراني، نائب الأمين العام للحزب الإسلامي، بنظرية خارقة في "الاستقلاب السياسي" حيث يخبرنا بان العدالة والتنمية ينظر التحالفات بعينين مختلفتين : هناك تحالف مصلحي محلي يفرضه الواقع المحلي، وهناك تحالف سياسي عام تفرضه المبادئ العامة..
ماذا نفهم؟ نفهم ان الإسلاميين يمكن لهم ان يسبوا حزب الأصالة والمعاصرة او التجمع الوطني الأحرار في نطاق الخطاب العام (الشعبوي طبعا) لحملاتهم الانتخابية، لأنه ضروري بالنسبة لهم ان يكون هناك صراع طاوي taoïste بين ملاك وشيطان.. ثم بعد ذلك يمكن لهم ان يتحالفوا معهم في تسيير مجالس جهات محلية... سي العمراني هنا يعطي للازدواجية والترحال في المبادئ صفة نظرية داروينية في الارتقاء.
3- بعد الياس العماري هناك عزيز اخنوش
كما سبق واشرت اليه، ضروري في خطاب الإسلاميين ان يكون هناك عدو (او بالأحرى شخص يلبسونه ذلك اللباس).
عشنا معهم حلقات في البهرجة خصوصا مع "مهرج" اسمه بنكيران، كال السب والشتيمة لأناس من الأصالة والمعاصرة منهم العماري وبن شماس باعتبارهم شياطين حقيقيين من آل كفرة ماو تسي تونغ... وافزع المغاربة منهم بدون أن يسمي الأمور بمسمياتها..
اليوم وبالرغم من خفوت صوت المهرج، ما يزال حزب العدالة والتنمية ينتهج نفس التكتيك.. لكن بشخوص جديدة اولها عزيز اخنوش زعيم الحمامة والمنافس "الطبيعي" لهم.
يسبون الأحرار باعتبارهم مرتعا لأباطرة المال.. ولكن من دون أن يعترفوا بأنهم كانوا أطيب وأصدق صديق وداعم لهم من خلال كل قراراتهم الحكومية
يسبون عزيز اخنوش باعتباره يشبه ذلك "الثقب الأسود" الذي يفترس كل "الاجرام السماوية" ليستدمجها في حزبه.. لكن طبعا بدون أن يشيروا ان مصالح اخنوش المالية لم تكن لتنتعش الا بوجود وبفضل الإسلاميين من مواقعهم الحكومية.. يسبونه اليوم وهم الذين انحنوا له، بكل مهانة، عندما وضع تحفظه السياسي من مشاركة حكومة بنكيران الثانية التي سقطت سقطة سياسية...
وحتى محاولة استقواءهم الماكيافيلي بحزب البام لمحاصرة حزب الحمامة أبرز اولا عن خوفهم الحقيقي من الغرق، ثم ثانيا عن سذاجتهم السياسية لأنهم وثقوا في عبد اللطيف وهبي ذلك "الثعلب" الذي يعي جيدا ان مشواره السياسي لا يمكن أن ينهيه بسرعة مع حزب يجمع امتعته للرحيل.
كلمة أخيرة عن رفض الأمانة العامة للعدالة والتنمية من تزكية ترشح بنكيران في سلا. انها إشارة على أن الحزب يحاول ان يثبت انه عادي وطبيعي وانه انفض من هويته الصدامية السابقة... لكنها إشارة زادت تأكيدا على أن خروج الإسلاميين المعارضة سيكون ذلك المسمار الاخير الذي سيدقونه على نعشهم لأنهم، بدون صلافة بنكيران، سيذوبون في مقاعدهم الكثيرة تحت وقع البكم والصمم كما يذوب عقار وجع الرأس..