الجمعة 3 مايو 2024
سياسة

لماذا استنجد الخليج بالملك محمد السادس؟

لماذا استنجد الخليج بالملك محمد السادس؟

الزيارات الرسمية لقادة الدول ليس نزهات، أو فقط تبادل اعتبارات الود والصداقة.  لكنها أساسا فرص لتدارس المواقف ورسم السياسات الكبرى، سواء عبر العلاقات البينية، أو ما يرتبط بالمحيط الإقليمي والدولي. وتتعاظم قيمة هذه الزيارات خاصة حين تأتي في سياقات مركبة، وداخل جوارات ملتهبة.

يصدق هذا التقدير بشكل كبير على الزيارة التي قام بها الملك محمد السادس من 7 نونبر إلى 12 نونبر 2017 للإمارات العربية ومن 12 نونبر إلى قطر (وهي الزيارة التي مازالت مستمرة). أما بخصوص السياق العام فالمعروف أن الزيارة قد تمت بعد خمسة أشهر على قرار المقاطعة الذي اتخذته ثلاث دول من مجلس التعاون الخليجي (السعودية والإمارات والبحرين)، إضافة إلى مصر في حق قطر المطالَبة من طرف الرباعي بالتجاوب مع ثلاثة عشر مطلبا يمكن إجمالها في المحاور التالية:

1- خفض مستوى العلاقات الدبلوماسية مع إيران، وطرد عناصر الحرس الثوري الموجودة على أراضيها، وعدم إقامة أي نشاط تجاري معها إيران.

2- إلغاء كل أشكال التعاون العسكري مع تركيا.

3- إغلاق قناة الجزيرة، وكافة وسائل الإعلام التي تدعمها قطر بشكل مباشر أو غير مباشر.

4- وقف التدخل في الشؤون الداخلية والخارجية للدول الأربع وعدم تجنيس مواطنين تابعين لهذه الدول، وطرد من سبق أن جنستهم، وتسليم المطلوبين المتهمين بقضايا الإرهاب والموجودين على الأراضي القطرية، والامتناع عن دعم أو تمويل الجمعيات والمنظمات التي تصنفها الدول الأربع والولايات المتحدة إرهابية. إضافة إلى قطع علاقات الدوحة مع جماعة الإخوان المسلمين وحزب الله والقاعدة والدولة الإسلامية، وإدراجهم ككيانات إرهابية وضمهم إلى قوائم الإرهاب.

ولعل أهم عنصر في ذلك السياق إعلان الكويت رسميا فشل الوساطة التي تبنتها منذ الأيام الأول التي تلت الجهر بقرار المقاطعة. وقد أعلنت إمارة آل الصباح عن ذلك القرار في أكتوبر الماضي ضمن محفل رسمي بمجلس الأمة عبر خلاله الأمير عن خطورة فشل تلك الوساطة، وآثارها السيئة على احتمالات تصدع البيت الخليجي. وهذا ما أزم الوضع أكثر، وأنذر بمزيد من العواقب الوخيمة على بلاد تميم، خاصة وأن وساطات الأمير الكويتي عادة ما كانت تتوج بالنجاح، بالنظر إلى خبرته في التعاطي مع الأزمات، وسياسة الكويت المتسمة عادة بالنأي بالنفس كلما تعلق الأمر بتصدع في النسيج السياسي هناك.

عقب ذلك تبين أن إمكانات التوسط محكومة سلفا بالفشل. خاصة وأن الدول العظمى بدت كما لو كانت غير معنية لأن ما يهمها، في أول المطاف وآخره، هو مكاسبها من أسواق قطر وباقي الأطراف الخليجية الثلاثة. بل إن بعضها متورط في تصعيد الخلاف بين الطرفين مستثمرا ذلك ضمن لعبة الأمم في المنطقة. وليس عبثا أن قرار مقاطعة قطر قد تم فقط بعد خمسة عشر يوما من حلول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالرياض.

في هذا السياق يحضر اسم المغرب المؤهل بامتياز لإمكانية إنجاز ما تعذر على الآخرين. ثلاثة عوامل تدفعنا إلى اعتماد هذه الفرضية:

أولا: مكانة المغرب لدى أنظمة الخليج المتعددة الأبعاد. إذ تتناسج فيها الروابط الأسرية والدينية والسياسية والاقتصادية والاستراتيجية لدرجة أنه تم التفكير، سنة 2011، في إدماج بلادنا ضمن مجلس التعاون الخليجي. وحتى بعد تعثر الفكرة ظل المغرب شريكا من نوع خاص. هذا المعطى يكتسب قيمة كبرى في الظرفية الراهنة، وفي موضوع إمكانيات تطويق الأزمة الخليجية الحالية، وفك الطوق عن قطر المنبوذة.

ثانيا: تميز الموقف المغربي بتبني قرار النأي بالنفس عن توترات النزاع الخليجي، معتبرا ذلك النزاع بكل المقاييس الاستراتيجية سحابة صيف مهما طال الزمن. ولذلك تم النظر إلى موقف بلادنا من أزمة دول الخليج مع قطر باعتباره سلوكا بناء لأنه يحافظ على المسافة بين الإخوة الأعداء.

ثالثا: على مستوى العلاقات مع العالم، فالمغرب يتمتع بمكانة عربية إفريقية تعطيه كل المشروعية لإنجاز الوساطات إذ ما أقر أن تكون له وساطة ما في الملف المطروح. فملك المغرب هو رئيس لجنة القدس، والمغرب يعتبر في نفس الوقت شريكا استراتيجيا للاتحاد الأوربي، سواء في ما يهم التبادل التجاري والاقتصادي، أو ما يهم ملفات الأمن والتهريب والمخدرات. إضافة إلى ذلك ينظر إليه في المنظم الدولي كشريك قديم في عمليات حفظ السلام في كل مناطق التوتر في العالم.

لكل هذه الاعتبارات كان لا بد أن تنظر قطر إلى تلك الزيارة الملكية كما لو كانت هدية من السماء. إنها أيضا طوق النجاة الممكن. خاصة مع استحضار الموقف المغربي الأخير.

يبقى السؤال المطروح: هل تخصب الوساطة الملكية، إن تمت فعلا، أرضا خصبة داخل الفضاء الخليجي

لحل الأزمة القائمة، وللإفراج عن بلاد تميم؟ أم أنها ستقابل بالصد؟ وهل تتمكن قطر من تقديم الضمانات الحقيقية للتراجع عن أدائها المتهم بأنه "موبوء" إقليميا ودوليا.

الجواب في تقديرنا كفيل بمدى التجاوب الفعال لقطر مع مطالب مقاطعيها. إنها هي من يجب أن يأخذ المبادرة، لا فقط لأن «الحمية تغلب السبع»، ولكن كذلك لأن محاور المطالب الثلاثة عشر قد ألحقت الأذى الحقيقي بعدد من الدول العربية والإسلامية، وخاصة دورها القذر في احتضان رموز الفكر التكفيري، وقادة الإخوان، ومتزعمي النشاط الإرهابي في العالم. والمغرب ذاته كان قد عانى من الابتزاز الإعلامي من خلال قناة الجزيرة. ولا تزال قطر إلى اليوم تراود المعادلة السياسية المغربية عبر اضطلاعها بدور أساسي في دعم مالي لإخوان المغرب، وتحديدا الأذرع الجمعوية لحزب العدالة والتنمية الذي جعلته سخرية الأقدار يترأس أول حكومة بعد دستور 2011 الذي وسع من صلاحيات مؤسسة رئيس الحكومة.

إنها في واقع الأمر مطالب كل الدول العربية التي تريد لقطر أن تكون نبتة طبيعية داخل الفضاء العربي والإسلامي لا بؤرة لافتعال الأزمات للتشويش على كل ما تبقى من نبض في الجسد العربي ـ الإسلامي، ولا وكالة انتداب أجنبي تزرع بذور الفتن، وتخوض حروب الآخرين بالنيابة.

(تفاصيل أوفى حول موضوع هذا الملف تقرؤونها في العدد الحالي من أسبوعية "الوطن الآن")

A-une-Coul