الجمعة 19 إبريل 2024
كتاب الرأي

رضا الفلاح: مفاتيح من أجل فهم المواقف الأوروبية تجاه المغرب  

رضا الفلاح: مفاتيح من أجل فهم المواقف الأوروبية تجاه المغرب   رضا الفلاح
في النظام الدولي توجد فئة أولى من القوى تضم الدولة المهيمنة عالميا World hegemon وهي الولايات المتحدة الأمريكية التي تتفوق في امتلاك وتوظيف أسباب القوة عسكريا واقتصاديا ورمزيا (القوة الناعمة)، تتحكم في أجندة السياسة الدولية وتحمي أمن أوروبا واليابان، وإلى جانبها توجد قوى يُعترف لها بهيمنة إقليمية وهي روسيا والصين لكنها لا تقبل الضغوط الأمريكية ومستقلة استراتيجيا عن القطب الأمريكي. 
تأتي بعد ذلك دول تسعى إلى وضع أهداف استراتيجية وأمنية ودفاعية خاصة بها وعلى هامش مهم من الإستقلالية. هذه الفئة من الدول يزداد عددها وهي لا تستطيع الاستغناء عن حليف قوي ينتمي إلى الفئة الأولى وأقصى ما يمكن أن تحققه هو استبدال شراكات هشة ومتفرقة لصالح تحالف صلب مع أحد أقطاب الفئة الأولى، ولكن تبقى الكلفة متمثلة في  فتح جبهات صدام وصراع مع قوى أوروبية لم تستوعب بعد تآكل مربع نفوذها الذي ورثته عن العهد الاستعماري.
يوجد المغرب ضمن هذه الفئة الثانية من الدول. وقد دخل منذ عقد من الزمن في مواجهة دبلوماسية مع أغلب الدول الأوروبية في سياق تحول مفصلي في عقيدة السياسة الخارجية على مرحلتين. أولا مرحلة تعدد الشراكات وما يعرف بسياسة "وضع البيض في سلات متعددة" انتهت هذه المرحلة بعد أن اتضح أن تنويع الشركاء لا يعني بالضرورة شراكات قوية ولا يساعد على تحصيل قدر أوفر من الإستقلالية الاستراتيجية، وابتداء من 2016، وتزامنا مع العودة للاتحاد الافريقي وإطلاق مشروع أنبوب الغاز الذي سيربطه بدولة نيجيريا، بدأت المرحلة الثانية حين أخذت السياسة الخارجية المغربية منعطفا جديدا في تجاه التخلي عن البعد الاستراتيجي لسياسة تنويع الشراكات والاحتفاظ فقط ببعدها البراغماتي المقتصر على الجانب الاقتصادي. وفي المقابل، أصبح التوجه الواضح يسير نحو  ترسيخ علاقات متينة استراتيجية مع القطب الأمريكي الذي اعترف نهاية عام 2020 بالسيادة المغربية على الأقاليم الجنوبية للمملكة.
لحد الساعة، تظهر المؤشرات نجاح المغرب في تسطير أهدافه الاستراتيجية والأمنية والدفاعية مع تشبثته معياريا بقواعد اللعبة التي وضعتها وترعاها الولايات المتحدة الأمريكية باعتبارها أحد أبعاد سياستها الخارجية وهيمنتها العالمية. وطالما لم يصل المغرب بعد إلى كسب الكثلة الحرجة من استقلاليته الاستراتيجية، سيتعرض حتما لأصناف شتى من الضغوطات، والسلوكات العدوانية، بل وكما نشهد حاليا إلى حد استهدافه بحملة إعلامية من الادعاءات الكاذبة والاتهامات الدنيئة بدون دليل أو برهان. المفارقة هي أن هذه الحملة المغرضة تدين الجهات التي تقودها وتقيم الحجة على نفسها، وتؤكد أن توسيع هامش الإستقلالية الاستراتيجية للمغرب يسير في الاتجاه الصحيح.