الجمعة 17 مايو 2024
سياسة

لبيلتة: المشهد السياسي يعاني أزمة ثقة تستوجب اختيارات متجددة وواقعية

 
 
لبيلتة: المشهد السياسي يعاني أزمة ثقة تستوجب اختيارات متجددة وواقعية

يرى الفاعل السياسي عبد الحميد لبيلتة أن الفعل السياسي الوطني تميز بثلاثة محطات مفصلية عبر زمن المغرب الحديث، مقرا بأزمة خانقة يعيشها هذا  المشهد على مستوى الثقة، حتى أنه أكد بلوغها الدرجة القصوى التي لا تحتمل. لذلك، فإنه يضع النقاط على حروف هذا الواقع بالتفصيل من خلال تقييم استقته منه جريدة "أنفاس بريس". وفيه سرد أيضا جملة من الإقتراحات التي يعتقدها، من موقعه، كفيلة باستعادة تلك الثقة المفتقدة، ومن بينها الإعادة  الجذرية لبناء التوافق في المؤسسات والتنظيمات، وذلك من خلال مشروع ديمقراطي واختيارات متجددة وواقعية:

"يبدو جليا في مشهدنا السياسي أن أزمة الثقة في السياسة وصلت درجتها القصوى. فالتعاطي مع الفعل السياسي تميز بثلاثة محطات مفصلية عبر الزمن السياسي للمغرب الحديث. مرحلة الصدام المباشر بين النظام السياسي والمعارضة السياسية حول من يحكم، حيث هيمنت في نهاية الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي تناقضات كثيرة بين المد التحرري وما كان يصطلح عليه بالاستعمار الجديد. وكان دعاة المد التحريري بالمغرب ينتصرون لأطروحة دواء هذا النظام بزواله.

وقد برزت قيادات ثورية وتنظيمات ذات عمق جماهيري قادت هذا الصدام وفي طليعتهم الشهيد المهدي بنبركة. هذا الصدام بين قوتين، قوة يقودها النظام، و لها الوسائل والإمكانيات بتحالفات معلنة وخفية. عملت على السيطرة على  الحكم بالإكراه والقهر الإجتماعي والتحكم في كل دواليب الاقتصاد، واستغلال وتكييف الذهنية الجمعية وتسطيحها الثقافي وتعميق الإستلاب الفكري الشوفيني؛ وقوة ليساريين مرتبطين عضويا بفكر تحرري عالمي لكن في بنية ثقافية واجتماعية محافظة. إذن هذا الصدام على الحكم انتهى بالاغتيالات والقمع وهيمنة نموذج سياسي ريعي مرتشي يصب في طاحونة الليبرالية الإقتصادية الفاشلة، ومرحلة ثانية عرفت بتغيير الاستراتيجية من المواجهة المباشرة مع النظام إلى استراتيجية النضال الديمقراطي، والعمل من داخل بنية النظام لأحداث التغيير.

هذه الإستراتيجية أفرزت نخبا سياسية منها من تمت تصفيته نموذج الشهيد عمر بنجلون. ومنها من صمد وقاوم إغراءات النظام، ومنها من انقلب على عقبيه. وفعلا هذه الإستراتيجية أعطت نفسا جديدا للسياسة، ومضمونا مغايرا ساهم في توازن كفة ميزان القوى السياسي. ومن تداعيات بداية ترهل هذه الإستراتيجية ظهور عياء على العديد من النخب سواء العياء البيولوجي أو العياء بتكرار نفس الآليات بدون نتائج ملموسة. كاستمرار النظام في تمييع وتزوير الانتخابات وتقوية الريع والإرتشاء السياسي للعديد من النخب وتقوية ديمقراطية الواجهة وهدر الزمن الديمقراطي المغربي.

والمرحلة الثالثة تجلت في بداية العهد الجديد. إذ غير النظام أسلوب التعاطي مع الشأن السياسي. إذ عوض المواجهة المباشرة مع المعارضين، قام بتمييع وتقوية الريع والإّرتشاء السياسي. حيث نجح النظام في أسلوب التفكيك. إذ تم اختراق وتفكيك الأحزاب اليسارية وخاصة الإتحاد الاشتراكي وتفكيك التنظيمات الّّإّجتماعية وخاصة التنظيم النقابي للكونفدرالية الديمقراطية للشغل، والنجاح في عملية استقطاب رموز وكفاءات من اليسار وتبني خطاب جديد يمنح من المعجم الديمقراطي اليساري، والهيمنة على المشهد الّإعلامي الرسمي وغير الرسمي، واحتواء العديد من جمعيات المجتمع المدني من خلال مجموعة من البرامج الإجتماعية.

هذا الوضع لحالة تماهي أغلبية النخب السياسية مع العهد الجديد والترويج لمنجزاته عرف خلخلة بعد موجة ما سمي بالربيع العربي وظهور حركة 20 فبراير التي أربكت كل الحسابات. لكن بفعل شروط موضوعية وذاتية جعلت النظام يبقى في معزل عن التقلبات التي عرفتها بعض الدول العربية. وبعد مرور خمس سنوات على الربيع العربي. جاء حراك الريف الذي وضع النظام أمام مرآة الواقع المر. وجاءت الخطابات الملكية الأخيرة شاهرة سيف الفشل الذريع لكل السياسات والنموذج التنموي.

إذن ليس الآن أمام النظام غير القطع مع استمرار هذا النموذج والسياسات المصاحبة له وتكريس كل طموحات التغيير. أو الإستمرارية القاتلة وما يترتب عنها من تعميق الأزمة التي ستأتي على الأخضر واليابس.

هكذا إذن لابد من إعادة جذرية لبناء الثقة في المؤسسات والتنظيمات، وذلك بمشروع ديمقراطي واختيارات متجددة وواقعية للخروج من الأزمة؟".