في إطار خطابه الشعبوي المعروف ظل بنكيران يستند في خرجاته على النصوص الدينية ليبين مرجعبته التي تغرف من بطون الإسلام السياسي، كما فعل عند استشهاده بالحديث النبوي الشريف الذي يقول فيه عليه الصلاة و السلام "إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فإن استطاع أن لا تقوم حتى يغرسها، فليغرسها ". وهو النص الديني والحديث الذي ردده بنكيران في أواخر ولايته في فترة مشاوراته العصيبة كي يؤكد بأن حكومته ليست حكومة "تصريف الأعمال"، بل هي مستمرة في عملها إلى آخر لحظة مادامت ساعتها لم تقم بعد، ومن استطاع أن يغرس فسيلته بضم الفاء (نخيلته) فليفعل، وهذا خطاب انتهازي واضح لا يلتزم فيه صاحبه على حال ثابت ولكن يدور بالأيام كما تدور.
كيف كنتو
وهذا الدوران هو ما يجسده موقف حزب العدالة والتنمية في ملف معاشات الوزراء عندما كان الحزب في المعارضة إبان ولاية حكومة الإئتلاف الوطني برئاسة عبد الرحمن اليوسفي، حيث طرح نواب فريق "المصباح" بمجلس النواب المكون أنذاك من الرميد والعثماني وبنكيران وأفتاتي سؤالا على وزير المالية ولعلو قالوا فيه بأن ميزانية الدولة تصرف 8 ملايير سنتيم سنويا على المعاشات الاستثنائية والتكميلية الخاصة بالوزاء والموظفين السامين، وتساءلوا عن ما هو عدد المستفيدين؟ ماهي فائتهم؟ وما هي شروط الإستفادة؟ وماهي المساطر المتبعة للتأكد من أحقية الاستفادة؟ أسئلة أجاب عنها ولعلو بأن حكومة اليوسفي تعمل من أجل تطويق والحد من الإمتيازات وضد الإمتيازات، وأكد أن المرجع فيما يخص معاشات الوزراء السابقين ظهير شريف صادر في 10 شتنبر 1993 وهو معاش يهم وزراء منذ الاستقلال (82 ملف) يعمل به إذا طلبوا ذلك، لأن المعاش بالنسبة لهم ليس أوتوماتيكيا بل هو لا يمنح لهم إلا إذا كان دخلهم اقل من 39 ألف درهم للوزراء وأقل من 30 ألف درهم لكتاب الدولة، ويحدد لهم فقط الفرق التكميلي على ضوء الدخل الذي يتوفر عليه كل واحد منهم بناء على ما تقرره لجنة خاصة ممثلة فيها إدارة الضرائب، وبناء على تصريح بالشرف. كما أن كلفة العملية سنويا هي 15 مليون درهم، وعقب بنكيران على وزير المالية ولعلو قائلا "بأن المثير بالنسبة لحزبه ليس هو الغلاف المالي الذي يصرف على تقاعد الوزراء". بل و بشعبوية واضحة يضيف "نحن بكل صراحة دولة إسلامية و مبادئ الإسلام تبنى على أن الدولة أول ما تهتم به هم الضعفاء والفقراء المحتاجين وسيدنا عمر كان كيقول لكرشو مللي كتبدا تغرغر غرغري أو لا تغرغري فلن تذوقي سمنا ولا زيتونا حتى يشبع فقراء المسلمين، ولهذا مزيان الإهتمام بالوزراء السابقين، ولكن يجب أولا وقبل كل شيء الاهتمام بعموم المواطنين الذين ليس لهم أي شيء. فالقضية سياسية وبغينا المواطنين يعرفوا هذا الشيء لأن الكلام كثير عن أجور الوزراء وتعويضاتهم في الوقت اللي بلاد في هذه الوضعية والفقر في هذه الوضعية".
كيف وليتو
مر حوالي عقدان من الزمن على الحادث، و جرت خلالها مياه كثيرة تحت الجسر ووصل بنكيران إلى رئاسة الحكومة، وذاق حلاوة الإستوزار، ونسي خطاب الأمس وقصة "غرغرة سيدنا عمر. وبعدما أثير ملف معاشات البرلمانيين والوزراء خلال الأشهر الأخيرة، وخرج المواطنون في وقفات أمام البرلمان من أجل الدعوة إلى إعادة النظر في تلك المعاشات، بل وإلغاءها لأنها باتت ريعا صافيا لا مبرر له. فرد بنكيران على أن ما يروج عن هذا الموضوع ليس صحيحا. مدافعا هذه المرة على أن تقاعد البرلمانيين هو اتفاق بين هؤلاء وشركة خاصة يساهم فيه البرلمانيون بقدر من أجورهم. ونحن، يضيف بن كيران، يجب أن يكون فينا "الإنصاف" فإذا قلتم الوزراء لا يأخذون تقاعدهم فهذا قرار كان قد قام به الحسن الثاني الله يرحمه ولسبب معين. لماذا يتحدثون اليوم عن تقاعد البرلمانيين والوزراء وعدد الوزراء المستفيدين ليسوا سوى 113 وزير، ويكلفون في السنة 24 مليون درهم فقط ماشي 45 مليار كما يروج وكرئيس حكومة سأقول هذا الكلام الثقيل "كيجيني هذا التقاعد عندو معنى لأنه ظهير دارو الحسن الثاني لما بلغه أن بعض الوزراء وصل بهم الحال إلى ظروف صعبة ولهذا دار ليهم الملك هذا التقاعد".
أواه !! سبحان مبدل الأحوال ما بقاتش الكرش كتغرغر. وأين الدفاع عن الفقراء؟ إنه منطق الفسيلة أولا وأخيرا !؟