السبت 20 إبريل 2024
خارج الحدود

أبو وائل الريفي يقرأ تداعيات انتخابات إيران على الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

أبو وائل الريفي يقرأ تداعيات انتخابات إيران على الشرق الأوسط وشمال إفريقيا الرئيس المنتخب إبراهيم رئيسي وسط أنصاره

يعود أبو وائل، هذه المرة، في بوحه، الذي ينشره بموقع "شوف تيفي"، إلى مجريات الانتخابات الرئاسية الإيرانية، ليرصد ما رافقها من "مساوئ" واختلالات وتداعيات على الشرق الأوسط وشمال إفريقيا..

وأشار أبو وائل إلى أن التنافسية قد غابت عن هذه الانتخابات بعد تدخل مجلس صيانة الدستور لاستبعاد جل مرشحي التيار الإصلاحي واستبعاد بعض مرشحي التيار المحافظ..مضيفا أن هذه الانتخابات فضحت الدور الكابح الذي يلعبه مجلس صيانة الدستور الذي صنع الخريطة فعليا قبل يوم الاقتراع ومهد الطريق لفوز كبير لمرشح المرشد...

 

"تنبئ كل التحولات التي تعرفها هذه الأيام منطقة المينا “شمال افريقيا والشرق الأوسط” بأنها ستبقى منطقة تستأثر باهتمام المنتظم الدولي. فلم نخرج بعد من تداعيات أحداث القدس والحرب على غزة حتى دخلنا في انتخابات إيرانية برهانات كبيرة لأن نتائجها سترهن مستقبل المنطقة لسنوات مستقبلا. وهوما عبر عنه خامنئي بأن "ما يفعله الشعب الإيراني اليوم، يحدد مصيره ويبني مستقبله لعدة سنوات".

 

لم تكن الانتخابات الرئاسية الإيرانية مجرد انتخابات دورية كمثيلاتها في دول العالم، ولكنها كانت انتخابات بطعم الاستفتاء على النظام يراد لها أن ترسل إلى الخارج رسائل مفادها أن النظام له قاعدة شعبية وحوله التفاف شعبي. ولذلك فقد كان التركيز أكثر على الانتخابات الرئاسية رغم أنها انتخابات شملت في وقت متزامن أربع عمليات انتخابية، وهي الانتخابات الرئاسية وانتخابات المجالس البلدية والقروية والانتخابات التكميلية لمجلس خبراء القيادة والانتخابات التكميلية لمجلس الشورى/البرلمان.

 

لقد كانت القيادة حريصة على أن تظهر هذه الانتخابات باعتبارها تنافسية وعليها إقبال شعبي. فماذا كانت النتيجة؟

 

غابت التنافسية عن هذه الانتخابات بعد تدخل مجلس صيانة الدستور لاستبعاد جل مرشحي التيار الإصلاحي واستبعاد بعض مرشحي التيار المحافظ مثل لاريجاني وأحمدي نجاد بدون مبررات واضحة ومقنعة، ولذلك لم يستغرب أن تكون النتيجة اكتساح مرشح المحافظين بفارق كبير. لقد فضحت هذه الانتخابات الدور الكابح الذي يلعبه مجلس صيانة الدستور الذي صنع الخريطة فعليا قبل يوم الاقتراع ومهد الطريق لفوز كبير لمرشح المرشد. وللإشارة فقد ترشح في البداية حوالي 600 مرشح ولكن لم تتم الموافقة سوى على سبعة مرشحين من الرجال في النهاية، انسحب ثلاثة منهم قبيل يوم الاقتراع.

 

وعرفت المشاركة أدنى نسبة لها في تاريخ الانتخابات الرئاسية، حيث لم تتجاوز 48,8 في المائة وهي أقل مما عرفته انتخابات عام 1993 حين وصلت 50,61 في المائة. لقد شارك هذه المرة فقط حوالي أكثر من 28 مليون من أصل أكثر من 59 مليونا يحق لهم التصويت، وسيبقى يوم الجمعة الفارط 18 يونيو 2021 هو الأطول في تاريخ الانتخابات الإيرانية بعد أن مددت السلطات المشرفة للمرة الثالثة موعد إغلاق صناديق الاقتراع بسبب عزوف الإيرانيين عن الإدلاء بأصواتهم ولم تغلق مراكز الاقتراع حتى الثانية بعد منتصف الليل حيث تم تمديد الاقتراع لغاية العاشرة ليلا ثم إلى غاية منتصف الليل بسبب تبرير غريب لوزارة الداخلية مفاده بأن "مراكز الاقتراع ملزمة بقبول بطاقات الاقتراع ما دام هناك أشخاص يرغبون بالإدلاء بأصواتهم".

 

لقد خسرت إيران رهان المشاركة رغم استدعاء صور قاسم سليماني للعب على عواطف الإيرانيين ورغم الفتوى الدينية للمرشد والولي الفقيه خامنئي الذي حرم المقاطعة ودعا الإيرانيين إلى المشاركة بكثافة في عملية الاقتراع، والقيام بهذا “الواجب” في أسرع وقت ممكن، مشددا على أن المشاركة الواسعة ستسمح للبلاد والنظام بتحقيق مكاسب إضافية على الساحة الدولية. ويتضح هذا الفشل من خلال تدني المشاركة مقارنة مع آخر انتخابات عرفتها البلاد قبل أربعة أعوام والتي بلغت نسبة المشاركة فيها 73 في المائة وعرفت حينها فوز روحاني على رئيسي. ويشاء مكر الصدف إلا أن يفضح المشاركة والتنافسية لأن رئيسي الخاسر عام 2017 حاز حينها على حوالي 16 مليون صوتا ولكنه هذه المرة فاز باكتساح رغم أنه حاز فقط حوالي 17 مليونا و800 ألف صوت. كما أن مناشدات خامنئي لم تنفع مع الإيرانيين الذين فضلت فئات واسعة منهم الإدلاء بصوتهم من خلال بطائق بيضاء بلغت رقما قياسيا تجاوز أربعة ملايين والمعتاد أنها لا تتجاوز نصف المليون.

 

الآن، وبعد إعلان النتائج يتضح أن مرشح المرشد اكتسح فعلا ولكن بمشاركة أقلية، وتم تقوية موقع الرئاسة فعلا ولكن لخدمة الدولة العميقة التي يمثلها المرشد والحرس الثوري، وستعيش إيران الولاية القادمة على وقع تناغم فقدته في الولاية السابقة بين مؤسسات صنع القرار التي هي المرشد والرئيس ومجلس الشورى والحرس الثوري ومجلس الأمن القومي، ولكن الحلقة الأضعف ستكون هي الرئيس الذي سيكون مضطرا للاستعانة بخبرة وكفاءة المعتدلين وللحفاظ على نفس أولوياتهم. ولهذا ستعيش إيران حالة تناقض تتمثل في رئيس محافظ ببرنامج إصلاحي مغلفة بشعارات ثورية. وهوما برز منذ اليوم الأول بعد الانتخاب حيث أعلن رئيسي رغبته في علاقات جيدة مع السعودية والتزامه بمفاوضات الاتفاق النووي في فيينا وما ستسفر عنه.

 

والوجه الآخر للمعادلة الذي كشفته هذه الانتخابات هو حجم الفساد الذي يعشش في إيران والذي شكلت محاربته نقطة تحول جمهور كبير من الناخبين نحو رئيسي. وهنا يطرح السؤال على حصيلة الجمهورية الإسلامية بعد أزيد من أربعة عقود من الثورة. ماذا قدمت كنموذج على مستوى التدبير مع هذا الحجم من الفساد؟ ولا ننسى الصعوبات التي ستواجهها بسبب الماضي الأسود للرئيس الجديد في ملف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان ودوره في آلاف الإعدامات سنة 1988 حين كان مدعيا عاما في طهران، وتهديده بإعدام محتجي الحركة الخضراء عام 2009. لقد كان لافتا للنظر انتشار تسجيل صوتي للراحل حسين علي منتظري، الرجل الثاني في الثورة، سربه ابنه أحمد منتظري عام 2016، يفضح فيه رئيسي الذي كان عضوا في لجنة قضائية أقرت أحكام الإعدام ضد معارضين للثورة عام 1988. فكيف سيتعامل المنتظم الدولي مع رئيس بهذا الماضي؟ وهل لم تجد إيران بديلا عن هذا المرشح؟ أم هل تناست هذا الماضي؟ هل ضاقت الخيارات أمام الدولة العميقة في إيران فصارت تشكك في المقربين منها ولا تثق إلا في قلة قليلة صارت مضطرة لدفعها للواجهة بغض النظر عن مثالبها؟

 

إن الدفع برئيسي للمعركة الانتخابية وهو أحد المسؤولين الكبار الذين تشملهم العقوبات الأمريكية منذ 2019 دليل على أن الخيارات ضاقت فعلا أمام المرشد ومحيطه، وهم يبحثون عن رضى الشارع الإيراني واستمالته بمرشح يطلق عليه “أبو الفقراء” ومعروف عنه في فترة رئاسته للسلطة القضائية بإنجاز في مواجهة الفساد وهو الشغل الشاغل للإيرانيين الذين ضاقوا درعا بالحصار المفروض على الشعب ولم يعد يهمهم في شيء قضايا المقاومة وتمويل المنظمات غير الإيرانية وأجندة المرشد والحرس الثوري"...

 

(عن موقع "شوف تيفي")