سيكون من نافلة القول، أن مواكبتنا لمستجدات حراك الريف بأوروبا، إنما القصد منها، ونحن نمارس وظيفتنا التنويرية، تصويب النظر لمن يصر على تجاهل طبيعة خريطته، لحسابات حزبية ضيقة. لكن يبقى عمق الرهان من خلال ذلك، هو تحفيز الجبهة الداخلية على الخروج وبإرادة جماعية، من حالة الجمود، بإبداع المزيد من مقتربات الحل.
وفي سياق هذا المواكبة، أشير إلى أن عبد الصادق بوجيبار، سيدعو في قادم الأيام من هولاندا، إلى تأسيس تنظيم جمهوري لريفيي المهجر، سيفك من خلاله الارتباط بحراك الريف، في أعقاب اتهامه بالركوب عليه لحساباته الجمهورية. ويأتي هذا الإعلان بعد تخلي بلال عزوز ومجموعته، عن تضمين البعد الجمهوري في مشروع أرضية التنظيم الذي أعلن عنه مؤخرا، في مدينة لييج ببلجيكا يوم السبت 23 شتنبر 2017، حيت تم "تشكيل لجنة تحضيرية للمؤتمر العام التأسيسي لمنظمة شعبية ريفية"، ينحصر هدفها العام في: "توعية وتنظيم وقيادة الجماهير الشعبية الريفية، من أجل استعادة حقوق الريفيين الاجتماعية والتاريخية والسياسية، وفي مقدمتها إطلاق سراح جميع معتقلي الحراك الشعبي، وتلبية جميع مطالبه المشروعة والعادلة..".
وتأتي هذه الخطوة التنظيمية، لمجموعة عزوز، في سياق نقد ما تسميه ب "السياسات الممنهجة من قبل النظام المخزني الغاشم"، وكذلك لتجاوز سلبيات "غياب الصفة القانونية للجن دعم الحراك الشعبي" بأوروبا.
والراجح أن سبب هذه "التقية" في التغييب الشكلي للمضمون الانفصالي والجمهوري، في هذه الأدبيات، يرجع فيما يظهر، إلى الرغبة في عدم إحراج السلطات البلجيكية أمام المغرب، بكونها تحتضن قانونيا تنظيما مناهضا للوحدة الترابية والملكية. وخارج لعبة ظاهر هذه الأدبيات ومضمراتها، هناك إجماع بين بوجيبار ومجموعة عزوز على سب رمز البلاد بشكل مباشر، وانتقاد اليسار المغربي وفي مقدمته في أوروبا، النهج الديموقراطي.
وبهذا يضعنا حراك الريف بأوروبا أمام تشكيلاته التالية:
1- التنسيقية الأوروبية التي يضبط إيقاع عملها اليسار الديموقراطي.
2- المنظمة الشعبية الريفية التي بصدد ميلادها رفاق بلال عزوز، كوجه آخر لحركة 18شتنبر لاستقلال الريف.
3- التنظيم الذي يسعى اليه الآن بوجبيار وبالمسافة الضرورية مع حراك الريف، وقد نفى أية علاقة له بقادة الحراك بالداخل، كما برأ الزفزافي من تهمة الانفصال، وإن كانت مصاحبة عزوز للزفزافي في ميادين الحراك، لأزيد من شهر، كافية لربط الحراك موضوعيا، وبصرف النظر عن النوايا، بالأفق السياسي لحركة18 شتنبر لاستقلال الريف.
هذه الخريطة تذكرني، بمخاض حركة الديموقراطيين المعارضين المغاربة، التي جاءت بعد تأمل عميق، كترجمة سياسية لانتفاضة الخبز بالشمال سنة 1984، والتي استطاعت بفضل رفاق الأخ عبد الحميد البجوقي، وهم ينتصرون لمطلب الجوهر الديموقراطي للدولة، من تحييد النزوع الجمهوري لأبرهام السرفاتي ومومن الديوري، وكذلك التحرر من الاختراق الجزائري لهذه الحركة، وقد تبركت في انطلاقتها بالرئاسة الشرفية الروحية والمعنوية لمولاي موحند. واستطاعت لاحقا تدشين خطوات التقارب مع الداخل؛ مع "منظمة العمل الديموقراطي الشعبي"، و"النهج الديموقراطي"، و"الديموقراطيون المستقلون"، و"الحركة من أجل الديموقراطية".
ويمكن القول من باب الاستطراد أن رموز مختلف تشكيلات معارضة الحسن الثاني، شملهم العفو، فتوفي أبراهام السرفاتي والفقيه محمد البصري ومومن الديوري، داخل الوطن، في حين توفي إدريس البصري الرجل القوي في عهد الحسن الثاني، رحمة الله على الجميع، وهو "معارض" لمحمد السادس بفرنسا. لهذا فمعارضة جمهوريي الحراك بأوروبا بسطحيتها وانغلاقها، هي بدون قيمة سياسية أو فكرية، اللهم ما كان من تشويشها على بعض شبابنا في الريف، لغياب التأطير السياسي، أو لقوة رابطة الانتماء القبلي، بأصحاب ما يعرف بجمهورية الريف.
وإذا جاز لي أن أختزل زعامة حراك الريف في الداخل والخارج، تجنبا لتشعبات الخريطة، حرصا على تلمس متطلبات الحل، فهي تتلخص في المنازلة بين سعيد شعو زعيم حركة 18 شتنبر لاستقلال الريف، بمنزعه الجمهوري، وبين الدكتور عبد الوهاب التدموري المنسق العام لـ "منتدى حقوق الانسان لشمال المغرب"، بمشربه الديموقراطي.
وبمعادلة هذا الاصطفاف/ التوصيف، أدعو إلى اصطفاف ديموقراطي عريض، لتجاوز أزمة الحراك في الريف. وهنا أضع، وبسعة الأمل، على عاتق التدموري مسؤولية توسيع استشاراته مع رموز الصف الوطني، الديموقراطي في الريف، في سياق نحت شراكة بين الدولة والمجتمع لحل سياسي متوافق عليه، لا أستبعد فيه إصدار العفو الشامل، حتى على جمهوريي وانفصاليي الخارج.
ومع استقالة الحكومة في هذا الملف، يصبح منطق الدولة معنيا بتعاقد سياسي مع القوى الوطنية والديمقراطية. فكيف يعقل أن ينجح الديموقراطيون بالخارج في محاصرة المد الجمهوري الانفصالي، ويفشلون فيه في الداخل؟
لذلك، فبقدر انفتاح التدموري النظري والعملي على القوى الحية، وبقدر محاصرة الدولة للعقلية المخزنية، في التعاطي مع ملف الحراك، وبقدر ثقتها في رؤية التعبيرات المجتمعية، فلن نكون إلا متفائلين من مستقبل عملية تصحيح اختلالات علاقة الدولة بالمجتمع، انطلاقا من ملف معالجة حراك الريف. وعلى الله قصد السبيل!