السبت 20 إبريل 2024
اقتصاد

رحال السلمي.. أنا إمبراطور الحفلات فلتقرأوا على روحي السلام !!

رحال السلمي.. أنا إمبراطور الحفلات فلتقرأوا على روحي السلام !! المرحوم رحال في لقاء مع المرحوم الملك الحسن الثاني
تحل يوم 1 يونيو 2021، الذكرى الثامنة عشرة لرحيل رحال السلمي، المشهور باسم "رحال". 
من لا يعرف أشهر ممون حفلات في المغرب؟ رجل عصامي ومكافح، انطلق من نقطة الصفر. 
قصة نجاح المرحوم "رحال" حكاها لنا ابنه ذات يوم عبد الكريم السلمي، في الأعداد الأولى من "
أسبوعية "البيضاوي". وارتأينا اليوم إعادة نشرها في "أنفاس بريس"، وفاء لرجل كان بطل قصة صعود من السّفح إلى القمّة، استطاع فيها رجل مغمور كان يسوق دراجة هوائية ويوزع الساندويتشات، أن يتربّع على إمبراطورية تموين الحفلات.
تستحق هذه القصة أن تُحكى من جديد، لأن "رحّال" في "السماء"، ولكن ذكراه مازالت في "الأرض" شجرة طيبة تمتدّ فروعها. 
"رحّال" سيظلّ حيّا كلمّا مرت حافلة تحمل شارته، كلّما توقفت أمام قاعة أفراح، يبتسم رجل في وجهك كأنه يقول لك "أنا صانع الأفراح.. أنا إمبراطور الحفلات"، فلتقرأوا على روحي السلام". 

رحال السلمي، الاسم الكامل لممون الحفلات الذي بدأ حياته بائعا متجولا لـ «الساندويتشات» على متن دراجة هوائية، قبل أن يصبح من مشاهير الممونين بالمغرب.
 الممون رحال لم يتعلم في مدرسة طوال حياته، لكنه أصبح نفسه مدرسة لتعليم تقاليد تموين الحفلات وأصول الطبخ المغربي، ينافس بها المدارس المراكشية والفاسية والوجدية.. الرجل لم «تسقط» عليه الثروة من السماء، لكنه كان «مبروكا» ومخططا استراتيجيا حاذقا.. سر نجاحه المثابرة والجودة.
إذا كنت بيضاويا، لا يمكن أن يطرق سمعك اسم رحال، ممون الحفلات أو تصادف بصرك إحدى شاحناته وهي مارة أمامك، دون أن يحدث ذلك في داخلك شيئا ما، قد يكون إحساسا بالفضول أو الإعجاب أو الدهشة. ربما تختلط داخلك هذه الأحاسيس المتنافرة دفعة وحدة..
بالبيضاء لا يمكن أن يمر عليك هذا الاسم وتتجاهله بسهولة..
هذا ما وقع لي تماما، استوقفني «رحال» طويلا والحافلة تجتاز أحد محلاته الضخمة بعين السبع. دفعني الفضول لأعرف من هو هذا الرجل وما هي قصته؟ همست في نفسي بأن وراء نجاحه سرا ما.. ما هو هذا السر؟ كيف أحصل على هذا السر؟
لا أحد ينكر أن هذا الرجل ناجح إلى أبعد الحدود وشخصية من الشخصيات «الثقيلة» بالمدينة. ومن فرط تحمسي للموضوع، اقترحت على مدير النشر أن يكون «رحال» ضيفا على جريدتنا.
الجواب كان إيجابيا، ووجدت نفسي بعد برهة في ضيافة الابن البكر لـ «رحال» عبد الكريم السلمي بمطعم فاخر مقسم إلى ثلاثة طوابق بالمعاريف.
"رحال"، كما عرفته عن طريق ابنه الأكبر عبد الكريم، اسمه الكامل رحال السلمي، لكن الناس يعرفونه باسم «رحال» فقط. هاجر إلى مدينة الدارالبيضاء قادما إليها من مدينة مراكش، وهو ابن 14 سنة في الأربعينيات، بدأ العمل في بيع الحلويات إلى جانب إخوته وهو في تلك السن. وشيئا فشيئا أثناء بيعه للحلويات أمام قاعات السينما وأبواب الملاعب وفي الحفلات التي كانت تقام بالبيضاء، اكتشف أن الطلب أخذ يتزايد على «الساندويتشات»، فانحرف عن حرفة إخوته وابتدأ في صنع «الساندويتشات» وبيعها في جميع المنافسات الرياضية.
"رحال" لم تسقط عليه الثروة من السماء أو ولد وفي فمه ملعقة ذهبية.. الحياة لا تمنحنا نفسها بسهولة، يكفي أن تكون مثابرا وتحسن كيف تشغل عقلك لتصل إلى هدفك. و«رحال» كان مثال للمثابرة وكان رجل استراتيجية يعرف كيف يستخرج اللقمة من فكي السبع.
ازدادت شعبية «رحال»، وبمرور الوقت استغنى عن دراجته بعد أن أصبح يمارس تجارة مستقرة تارة في الملاعب الرياضية وتارة أخرى بالمعرض الدولي أو خلال المهرجانات والمنافسات الرياضية الكبرى. ومن أجل ترويج اسمه لدى زبنائه اهتدى «رحال» الذي لا يعرف القراءة أو الكتابة إلى فكرة نسخ اسمه على مغلفات «الساندويتشات» التي يبيعها. 
زاول مهنا أخرى طيلة أيام الأسبوع بالإضافة إلى مهنة الأصلية يوم السبت. وكان بذلك هو أول من أدخل مفهوم التجارة المؤقتة. مثلا في مناسبة عيد الأضحى كان يبيع التبن و«الجلبانة» وقرون أضحيات العيد التي يصنع من الأمشاط، والأمعاء لصنع النقانق، والجلود لصنع «الطعارج» و«البنادر» بمناسبة عاشوراء.. 
كانت التجارة التي يمارسها تجارة موسمية ولا يترك مجالا لهدر الوقت، والأفكار التي يهتدي إليها أفكار شخصية وغير مسبوقة، إلى درجة أن مجموعة من الحرف الموسمية التي ظهرت حاليا، زاولها «رحال» في الخمسينيات والستينيات ولا تخلو من سمتها الاستعراضية .
الفشل ليس له مكان في حياته، كانت ثمة قوة تدفعه إلى الأمام. يدرك ما معنى أن يكون الإنسان فاشلا في مدينة لا ترحم الفاشلين. لذلك كان الطريق أمامه مفتوحا تقوده إليه بصيرته النافذة.
كان سر قوة «رحال» هو الصبر.. ليس سهلا أن تعيش يتيما بعيدا عن ظل والدك. إذ فقد «رحال» والده وهو في بطن أمه.. ليس سهلا أن تكون أميا.. ليس سهلا أن تكون معدما ومفلسا.. لكن روح التحدي لدى "رحال" فتحت له أبواب المجد والنجاح. والدليل علي هذا النجاح، الجوائز القيمة التي أحرزتها مطاعم «رحال» في المسابقات التي كانت تتنافس فيها. حيث حصلت على 16 جائزة في معارض المغرب لأحسن مطعم. فقد نافس مطاعم الفاسيين وتغلب عليهم في عقر دارهم، والمراكشيين والوجديين. كان «رحال» مبتكرا بامتياز وخلق تقاليد جديدة وثورة جديدة في مفهوم العرس المغربي حيث كرس تجربة «دار العرس» وهي المعروفة عندنا اليوم بـ «القاعة»، فأصبح بإمكان المغربي أن يقيم عرسه في مكان مجهز يستوعب أكثر من 150 أو 200 أو 300شخص. والسبق يرجع لـ «رحال» الذي ابتكر فكرة «دار العرس» لأول مرة بالمدينة القديمة بالبيضاء وكان ذلك في الستينيات.
تذكر عبد الكريم قصة وقعت لوالده مع دار كبيرة بالمدينة القديمة كانت في ملك باشا الدارالبيضاء وهي الأكبر هناك. أسرت دار الباشا إعجاب «رحال» الفتى آنذاك. بينما كان يتردد على المسيد المواجه لها. ومن شدة تعلقه بهذه الدار الكبيرة، كان أقصى حلمه أن يملك في المستقبل شقة واحدة من هذه الدار يفصلها على مزاجه وذوقه الخاص ويعيش بها مع أسرته.
كان على «رحال» أن ينتظر زمنا طويلا ليشتري شقة أحلامه، بل سيشتري في ما بعد دار الباشا بما فيها.
أفكار الرجل كانت ذات طبيعة خاصة، يخلق باستمرار تقاليد جديدة. سرعان ما تنتشر بين الناس ويزداد الإقبال عليها. خاصة في طرائف الاحتفال ويطور هذه الأفكار مع التحولات التي تعرفها المدينة. فقد كان يقرأ ميول البيضاويين إلى البهجة والمتعة والاحتفالية. قال عبد الكريم «كل الطرق الاحتفالية التي تراها اليوم، هي من ابتكار رحال. 20 ألفا من الممونين ينسخون أفكار رحال، لكن هناك شيء واحد لم يستطيعوا نقله عن والدي، هي بركته وجديته..»
"رحال"، إذن رجل «مبروك» لا يستطيع إلا أن يكون رجلا مبروكا وهبه الله مفاتيح الثروة: ثروة النفس وثروة المال ثم ثروة البنين.
«رحال» قد لا يتكرر من جديد.. فالمدينة فلما تنجب «الرجال» المبروكين.. شركته المعروفة بـ «منزه الضيافة» اليوم من بين أكبر الشركات المغربية.. رحال المغربي أصبح شخصية عالمية معروف في أوربا وآسيا وإفريقيا وأمريكا.. لا يمكن أن ينال هذا الحظ إلا رجل «مبروك».. رجل استراتيجي..
رحال رجل وطني وكان يفضل المغرب على بلدان العالم.. المغرب أعطاه كل ما يتمناه احترام الناس والمال والخلف الصالح..
«رحال» وصل إلى بلاط القصر الملكي وقصور الأمراء ورؤساء العالم بفضل جودة العمل الذي يقدمه ونكهته الخاصة.. فسر نجاحه وشهرته كانت هي الجودة وعدم الغش..
قدم الرجل للمدينة بشهادة ابنه أشياء كثيرة، فقد كان يسهر على تموين المؤتمرات والملتقيات والمهرجانات العالمية التي تحتضنها مدينة الدارالبيضاء ، فيكفي رحال فخرا الوسام الملكي الذي وشحه به المرحوم الملك الحسن الثاني، بعد النجاح الذي عرفه مؤتمر الغات.
استطاع أن يكون مدرسة لتعليم تقاليد تموين الحفلات وأصول الطبخ المغربي، تخرج منها أزيد من 20 ألف ممون.. رحال الذي لم يتعلم في مدرسة طوال حياته، أصبح هو نفسه مدرسة خرج منها أجيالا تشيد بفضله واستقامته.
سكان المدينة القديمة بالبيضاء التي نشأ فيها رحال يعرفونه حق المعرفة.. لم يبخل عليها وأسس مدرسة «منزه الضيافة» لكرة القدم لصالح أبناء المدينة القديمة.
رحال زرع في أبنائه السبعة حب هذه المهنة، حب العمل، وكان يشركهم في جميع قراراته،  فقد كان رجلا ديمقراطيا حتى داخل أسرته الصغيرة.
«رحال» هذا المراكشي الذي تجذرت داخله «نخوة» البيضاويين يجني اليوم حصاد سنين تعبه.. ويضع اليوم أسلحته ويودعها لدى أبنائه: عبد الكريم، مصطفى، عبد الواحد، محمد، يوسف، كمال وفتيحة ليتابعوا معركته ضد الحياة..